{ تؤكد الجولة التاريخية لرئيس الوزراء الإسرائيلى فى بعض الدول الإفريقية ذ على حد تعبيره ذ التى تشمل كلا من (أوغنداكينيا رواندا إثيوبيا) أن القارة الإفريقية لم تكن غائبة عن التفكير الإسرائيلى الإستراتيجى الهادف لإيجاد موطئ قدم مؤثر فى إفريقيا , ويمكن الإشارة هنا إلى بعض العوامل التى حددت سياسة إسرائيل فى إفريقيا على النحو التالى : - أن مؤتمر بازل الذى عقد عام 1897 حدد دولاً إفريقية كبدائل لإقامة وطن قومى لليهود (أوغندا . كينيا) إذا ما تعثرت جهود إقامته فى فلسطين . أن القارة الإفريقية تحتل موقعاً إستراتيجياً مهما وبالتالى كان لزاماً على إسرائيل أن يكون لها علاقة مع دول القارة للاستفادة من هذا الموقع فى تأمين مصالحها وعدم ترك الساحة الإفريقية أمام الدول العربية والإسلامية لتتحرك فيها بمفردها . استثمار وجود جاليات يهودية فى بعض الدول الإفريقية كمدخل يخدم المصالح الإسرائيلية سواء لدعم التواجد الإسرائيلى هناك , أو لتهجير بعض هذه الجاليات إليها (عمليات تهجير يهود الفلاشا من إثيوبيا ابتداء من عام 1990) . استثمار تصاعد ظاهرة الإرهاب فى العالم وبالطبع وجود جماعات إرهابية فى بعض الدول الإفريقية من أجل تأسيس شراكة إستراتيجية بينها وبين هذه الدول تحت شعار مواجهة الإرهاب, وإظهار قدرة إسرائيل على تقديم خبراتها الأمنية للمساعدة على القضاء على هذه الظاهرة . من المهم أن نشير إلى أن الدول الإفريقية بدأت تراجع سياساتها تجاه إسرائيل بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979ووصلت إلى قناعة مفادها أن بدء عملية سلام مصرية أو عربية مع إسرائيل يعد متغيراً جديداً يفرض ضرورة إنهاء حالة العداء مع إسرئيل وبدأت الدول الإفريقية تعيد علاقاتها الدبلوماسية التى كانت مقطوعة مع إسرائيل بعد حربى 67 و73 وهو الأمر الذى شجع الأخيرة على الإسراع بإستئناف كافة أوجه علاقاتها بالدول الإفريقية بل وتطويرها فى بعض المجالات الحيوية التى تحتاجها هذه الدول . نجحت إسرائيل فى أن يكون تعاملها مع الدول الإفريقية من خلال مؤسسات إسرائيلية قوية ومدعومة من الدولة وقادرة على تقديم المساعدات التى تحتاجها هذه الدول حتى بدون مقابل فى بعض المجالات, وفى هذا المجال تم فى الخمسينيات من القرن الماضى تأسيس ما يطلق عليه المؤسسة الدولية للتعاون والتنمية MASHAV (الماشاف) وهى مؤسسة تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية تتمثل مهمتها الرئيسية فى تقديم المساعدات المطلوبة للدول الإفريقية , وتقوم الماشاف بجهد كبير وبنجاح واضح فى دعم التواجد الإسرائيلى على مستوى القارة الإفريقية ولاسيما فى المجال الزراعى والتعليمى والطبى بشقيه البشرى والبيطرى ومجال توفير مصادر المياه والكهرباء وكافة المجالات التى تحظى بإهتمام المواطن الإفريقى . إذن لم تتحرك إسرائيل إفريقياً بصورة عشوائية بل حددت أسس وأهداف تحركها فى المناطق الإستراتيجية المهمة فعلى سبيل المثال حرصت على أن يكون لها وجود فى منطقة البحيرات العظمى وساهمت بشكل مباشر فى تأجيج حالة عدم الاستقرار التى شهدتها الأوضاع فى هذه المنطقة المهمة (دعم بعض الجماعات المتمردة), كما حرصت بشكل واضح على دعم علاقاتها مع دول حوض نهر النيل والتواجد على الأرض فى أهم دول المنبع وبما يؤثر على دولتى المصب (مصر والسودان) إذا لزم الأمر . ولعل ما يجدر أن نقف عنده كثيراً هنا تلك التأثيرات الناجمة عن هذه العلاقات حيث نجد أن هناك بعض الدول الإفريقية بدأت تصوت فى الأممالمتحدة لصالح الموقف الإسرائيلى ضد الموقف العربى فى بعض القرارات المهمة أو حتى تمتنع عن التصويت , وهو ما يعتبر متغيراً حاداً فى شكل وطبيعة العلاقات الإسرائيلية / الإفريقية / العربية لاسيما وأن معظم دول القارة كانت تتبنى تماماً المواقف العربية والفلسطينية , ومن أمثلة ذلك تصويت بعض الدول الإفريقية عام 2004 لصالح بقاء الجدار العازل العنصرى الذى أقامته إسرائيل على حدود الضفة الغربية , والسؤال هنا كيف تركت الدول العربية هذه المساحة الكبيرة لإسرائيل ليس فقط لتتحرك فى القارة الإفريقية ولكن لتؤثر وتوجه وتسعى إلى حصار التواجد العربى والإسلامى فى إفريقيا أو على الأقل الحد من تأثيراته على الوجود الإسرائيلى فى القارة . وبعيدا عن النتائج الإيجابية التى ستتحقق لمصلحة إسرائيل من جراء جولة نيتانياهو ومع تقديرنا للجهود المخلصة التى تبذلها مصر لإعادة لم الشمل الإفريقى سياسياً وإقتصادياً , فمن الواضح أن أية محاولات جادة لاستعادة الدور العربى ككل ومواجهة النفوذ الإسرائيلى المتزايد هناك لابد أن تركز على الموضوع الاقتصادى حيث إن الدول الإفريقية مازالت فى مرحلة حديثة اقتصادياً وهى فى حاجة لتلقى المساعدات والمنح والاستثمارات من أية دولة قادرة على تقديمها دون النظر إلى الجانب المعنوى أو الدينى أو العاطفى حيث إن الجانب المصلحى هو الذى يحرك سياسات هذه الدول كما يحرك سياسات كافة دول العالم . لمزيد من مقالات اللواء. محمد إبراهيم