تصادفهم فى الشوارع وأسفل الكباري، يفترشون الطرقات يسكنون الزوايا، يتحملون لهيب الأرصفة نهاراً، ويأملون أن تحميهم ليلا، يباغتونك فجأة من أجل تنظيف زجاج سيارتك، أو يطالبونك بمبلغ زهيد من المال لسد جوعهم، فتتصدق عليهم أملا فى التخلص منهم، يخافهم البعض ويتجنبهم البعض الآخر، هؤلاء هم الأطفال «بلا مأوي»، لم يجدوا قلبا يحتويهم، أو كلمة طيبة تحييهم، اصطلح الجميع على إطلاق اسم «أطفال الشوارع» عليهم، لأن أرصفة الشوارع كانت هى الحانية عليهم، من أسرهم وفقرهم. لم يفكر الكثير منا ماذا لو حصلوا على الفرصة؟ هل ستتحول حياتهم بالفعل؟ هل سيكون تحولا ايجابيا أم سلبيا؟ كلمة السر دائما تكمن فى «الفرصة» تلك الأخيرة التى حولت حياة 31 طفلا تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و18 سنة من أطفال شوارع هاربين من أسرهم أو فاقدين لها إلى أطفال «قد الحياة». فى جمعية «أطفال قد الحياة» استطاع هؤلاء الأطفال أن يجدوا حياة أفضل من الشارع، بل أفضل من بيوتهم، تغيرت حياتهم وأيامهم للأفضل، وأصبحوا نموذجا لمن كان مثلهم ممن يتخذ الشوارع مسكناً له أن ينضم إليهم، هم الآن أصبح لديهم منزل ومأوى وحياة مختلفة، وهدفا يسعون إليه، وهو النجاح والتفوق، فمنهم من حصل على بطولات فى التايكوندو ومنهم من احترف فى ناد كبير لكرة القدم ومنهم من حصل على مركز متقدم فى مسابقة عالمية للعلوم. فى منطقة وادى حوف حيث مقر الجمعية توجهنا إلى هناك لنعرف ، كيف استطاعت «الفرصة» أن تغير من حياة العشرات من أطفال الشوارع؟ فالجمعية وضعت هدفاً أساسياً لها، ألا وهو دمج الأطفال بلا مأوى فى الجمعية أو إعادة دمجهم فى أسرهم مرة اخرى . هانى صلاح مدير الإقامة فى الجمعية قال لنا: إن حملات الشارع هى مرحلة التواصل الأولى مع الطفل بلا مأوى والتى تهدف لجذبه إلى الجمعية وإقناعه هو أو أسرته بالوجود بها، وتوضيح أن انتقال الطفل إلى مقر الجمعية فى صالحه ، وبخاصة إذا كان كثير الهروب من المنزل، يقول هاني، ويضيف:» اتضح لنا من حملات الرصد التى تتم 3 مرات اسبوعيا أن الفقر هو السبب الأساسى فى خروج الأطفال إلى الشارع والهروب من اسرهم وكل أسبوع ينضم طفل جديد إلى الجمعية» فهناك نحو 1000 طفل يتم استقبالهم سنويا فى تلك الحملات أو بمقر الجمعية وبعض المشاكل تحل فورا ويعود الطفل للأسرة والبعض يحتاج لدخول الجمعية، ويقول:» أهم قواعد التعامل بيننا وبين الأطفال هى كسر مفهوم الوظيفة ، فنحن نشعر بالأطفال فهم أبناؤنا ولذلك لا يمكن أن أقدم لأبنى طعاما أو ملابس غير مناسبة أو اتعامل معه بشكل غير لائق» استضافة وقيم خدمة الاستضافة تقدمها الجمعية للأطفال الذين لا يرغبون فى العودة إلى منازلهم أو الإقامة داخل الجمعية ، ويوضح مدير الجمعية:» لا يمكن أن نجبر الطفل على دخول الدار فلابد أن يكون مقتنعا وبعضهم يرفض الدخول لأن الأقامة بالجمعية لها قواعد وأصول لذلك نقدم خدمة الاستضافة فيظل معنا 6 ساعات يأكل ويشرب ويتعلم بعض القيم وبعدها يخرج إلى الشارع مرة أخرى» وتتكفل الجمعية بكل مصاريف الأطفال ويلتحقون بالمدراس الحكومية ولكن بعد بلوغ الطفل 16 عاما يختلف التعامل فإذا كان الطفل يدرس، تستمر الجمعية فى كفالته حتى التخرج، أما اذا كان انهى دراسته فتوفر له الجمعية فرصة عمل ويفتح له دفتر توفير ليدخر فيه أجر الطفل وقد يرغب الطفل فى العودة إلى اسرته أو يفضل أن يشترك مع شباب آخرين فى شقة مثل سكن الطلبة. ويقول:« دائما نجد مساعدة من أهل الخير مع هؤلاء الشباب لنوفر لهم مأوى وعملا «وتضم الجمعية، المقامة على مبنى مكون من أربعة طوابق؛ ثلاث أسر لكل منها دور منفصل مقسم إلى غرفتين رئيسيتين الأولى بها أسرة الأطفال حيث يوجد لكل طفل سرير منفصل ودولاب مستقل، وغرفة للمشرف ثم حجرة للمعيشة ومطبخ وحمام، وتضم الأسرة 8 أطفال وأب بديل وأم بديلة تتواجد معهم فى الفترة الصباحية وذلك لتحقيق توازن نفسى للطفل. ويضم الدور الارضى مكتب إدارة الجمعية وقاعة للنشاط وحديقة صغيرة أما الدور الأول فيضم مخزنا للطعام ومطبخا كبيرا لإعداد وجبات الطعام وقاعة للكمبيوتر. وفى جولة داخل الجمعية تعرفنا على الاسر الثلاث أسر التى تضمها والتى يطلق على كل منها اسم احد الصحابة وهم اسرة على بن أبى طالب واسرة بلال واسرة أبو بكر الصديق. وداخل كل شقة وضعت لوحة يعرض عليها الأطفال إنجازاتهم الرياضية والعلمية حيث حصل عدد منهم على ميداليات من دورات رياضية بالجامعة الأمريكية ومن الاتحاد المصرى لكرة القدم وكذلك ميدليات فى الكونغ فو والتايكوندو كما أن أحد أبناء الجمعية تم شراؤه كحارس مرمى فى أحد الأندية الرياضية الشهيره بالإضافة إلى حصولهم على المركز 27 فى إحدى المسابقات العلمية العالمية التى اقيمت فى القرية الذكية. معايير الجودة ربما تسعى الجمعية لتقديم حياة أفضل لهؤلاء الأطفال وانقاذهم من مصير مظلم فى الشارع ولكن تطبيق معايير الجودة داخل تلك الجمعية وغيرها من المؤسسات الايوائية يضمن «فرصة» جديدة ومستمره لأطفال آخرين . وكانت الجمعية قد حصلت هذا العام على جائزة «أفضل المؤسسات الإيوائية» فى مسابقة «بيت الحلم» التى تطلقها مؤسسة وطنية كل عامين لأفضل المؤسسات الإيوائية التى توفر حياة كريمة للأطفال والشباب فاقدى الرعاية الأسرية. وكانت جمعية وطنية قد عملت لمدة سبع سنوات بالتعاون مع عدد من المؤسسات المحلية والدولية وكذلك وزارة التضامن الأجتماعى من أجل وضع معايير موحدة لجودة الرعاية فى تلك المؤسسات وتم عرضها على وزارة التضامن فى عام 2013 حيث تم تشكيل لجنة متخصصة من مختلف الإدارات وتمت الموافقة على ستة معايير للجودة وتم تعميمها على كل المؤسسات الإيوائية فى مصر عام 2014 وعددهم نحو 500 مؤسسة. وتشمل تلك المعايير ستة محاور رئيسية توضحهما منة اشرف مسئول تواصل وعلاقات خارجية بجمعية وطنية قائلة:» تحدد هذه المعايير مؤشرات واضحة قابلة للتحقق بما يضمن رقابة على دور الرعاية سواء من العاملين بوزارة التضامن «الرقابة الحكومية» ومن الإعلام ومن المتطوعين والكفلاء الذين يمثلون الرقابة المجتمعية أو من قبل مؤسسى ومديرى دورالأيتام وهى الرقابة الذاتية. وتشمل المعايير البيئة والبنية والتجهيزات ومحور الرعاية المتكاملة ومحور حماية الطفل ومناصرته ثم الممارسات المهنية ثم الأدارة والتوثيق واخيرا كفاية وكفاءة العاملين وتضيف : «دور مؤسسة وطنية هو توعية المؤسسات بتلك المعايير وكيفية تطبيقها وكذلك توعية المجتمع بها ليرصدها اثناء زيارته لتلك الجمعيات. ولتشجيع الجمعيات على تطبيق معايير الجودة أطلقت مؤسسة وطنية جائزة بيت الحلم العام الماضى لتحفيز المؤسسات والجمعيات وتقول نهلة النمر مقيم مؤسسات جمعية وطنية أن التقييم تم على عدة مراحل حيث بدأ بزيارة تقييم شاملة البنية والتجهيزات ثم تم وضع توصيات وملاحظات وتم إعادة التقييم وتحديد المؤسسة الفائزة وتقول:» بعد عامين سوف نعيد تقييم المؤسسات الفائزة مرة أخرى لضمان استمرارية التطبيق».