وسط أى أزمة تجدنا نحن المصريين، غاية فى التفاؤل والانشراح والحبور، مع أن لا الظروف مشجعة.. ولا الأحداث تبعث على التفاؤل. أحيانا أخرى، كلما ضحك المصريون.. من نكتة، أو فى جلسة سمر، حاولوا كتمانها وتشاءموا خوفا من القادم, وقالوا «اللهم اجعله خير» ففى تراثنا أن الضحك الكثير يجلب النكد. نحن إذن خليط بامتياز بين التفاؤل والتشاؤم وأمثالنا الشعبية خير دليل.. اما ضاقت إلا ما فرجتب وبضيقى يا أزمة «تنفرجى».. قمة التفاؤل، ومقابل آخر يقول: اإيش تعمل الماشطة فى الوش العكر.. أو اتروح فين الشمس من على قفا الفلاحب..تغاية فى التشاؤم..تنحن الشعب يتفاءل ويتشاءم من نفس الشىء.. قد نتفق على بعض الأمور الجالبة للحظ أو الشؤم وقد نتفاءل أو نتشاءم من نفس الأشياء.. عقدة الخوف من الغد عقدة أصيلة فى وجدان المصريين, فهم دائما قلقون غير آمنون خائفون من المستقبل ومن نكبات الزمان والجملة الشهيرة على لسانهم اربنا يكفينا شر المخبيب ورغم طبيعة المصرى المتفائلة إلا أنه لا يشعر بالأمان ولا يسمح لنفسه بذلك فإذا استغرق فى الضحك قال «اللهم أجعله خير» كما لو كان لابد وأن يعقب السعادة حزن ومصيبة وإذا رن جرس الباب قال: ايا قاعدين يكفيكوا شر الجايينب رغم إن الخبر قد يكون سارا لكنه يتوقع الأسوأ، ودائما وفى الموروث الشعبى فلابد أن يستعد الإنسان للغد ويعمل حساب الزمن. هذه هى طبيعة المصريين إحساسهم الدائم بالخوف من القادم فما بالنا بهذه الأيام وكل شىء مبهم وملتبس وغير واضح والحالة ضبابية والرؤية منعدمة لا تعرف: متشائمون نحن بالطبيعة، أم متفائلون بالفطرة؟ توإلى أى مدى نحن كذلك؟ إلى أى مدى يتحكم فينات تشاؤمنا، ويتوغل فى شخصيتنا، حتى إن بعضنا أصبح يتزوج على أساسه وبعضهم يطلق أيضا لأن «الستات أقدام»، بينما بالغ آخرون فى أسماء أطفالهم خوفا منه أو قاطعوا أشخاصا معينين لأنهم انحسب قال عالم النفس الشهير اسليجمانب: التفاؤل يمكن تعلمه، فنحن لسنا متفائلين بالفطرة أو متشائمين بالطبيعة، فيما قالالفيلسوف الدانمركى العملاق كيركتجارد «كلما زاد الوعى زاد اليأس». ولأن التشاؤم والتفاؤل فى مجتمعاتنا العربية تراث، ولدى المصريين أسلوب حياة.. فإننا نكلف الاقتصاد 18 مليار جنيه سنويا بإنفاقهم على الدجل والشعوذة، وفتح المندل.. وقراءة الطالع..والتنبؤ بالمستقبل، إن لم يكن أغلبنا يصدق فى كلام «العرافين»، فإنه على الأقل.. يتفاءل به فيقترب.. أو يتشاءم فيبعد. المثير أن الجميع لدينا خاضعون لسطوة التفاؤل، وثقافة التشاؤم.. طلبة جامعات وأطباء.. وحاملو شهادات محو الأمية. دراسة للمركز القومى للبحوث عام 2010 قالت إن عدد مدعى معرفة الغيب وقراءة الطالع، والمشعوذين تعدى النصف مليون مصرى, زاد من رواج بضاعتهم, ضحايا، صدقوا بأى شئ، من باب التفاؤل، ودفعوا كل شئ.. مقابل دفن مشاعر التشاؤم فى مقابر الجهل، قالت الدراسة أن نسبةت كبيرة من المصريين، تؤمن بالخرافات، إلى الحد الذى تحولت معه أوهام كثيرة إلى مسلمات فى حياتهم. هل نحن متشائمون أم متفائلون بالفطرة؟. يمكن أن تقول إنه خليط بين الاثنين كما يفسر لنا د. محمد المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر.. فهناك الذين يتمتعون بمزاج أكثر استعدادًا لالتقاط الانفعالات الإيجابية أحيانا ما يكون هذاتالمزاج فطريا وراثيا، تضاف إليه ظروف البيئة. علاقتنا بالتفاؤل تمر عبر ما تعلمناه فى طفولتنا، وكيف ساعدتنا البيئة المحيطة على إدراك الواقع، والشكل الذى رسمته لنا فى عقلنا الباطن. فالتفاؤل والتشاؤم يؤثر فى تشكيل سلوك الفرد، وعلاقاته بالمجتمع، تماما كما ينعكس على صحته النفسية والجسمية، فالمتفائلت يتوقع الخير والسرور والنجاح.. بينما المتشائم يتوقع الشر واليأس والفشل، واثر الاثنين مختلف على السلوك، وعلى التكوين النفسى للإنسان. لكن هناك من يرى إن التفاؤل الزائد.. أخطر من التشاؤم على الأقل المتشائم أقرب للواقع، من المتفاءل اعمال على بطالب, وإن المتفائل زيادة عن اللزوم، ليس واقعيا.. فهو يطير فوق الأحداث والظروف.. لكنه فى الوقت نفسه لا يتخطاها. فهل الواقعية ضد التفاؤل؟ وما الفرق بين الواقعية والتفاؤل؟ يجيب أستاذ الطب النفسى قائلا: الواقعية هى أن تحكم على الواقع الملموس والحاضر دون إشراك العواطف والرغبات والآراء.. وهو الأقرب للتفاؤل، لكن التشاؤم هو أن ترى الواقع مع استشعار أن المستقبل سىء، وهذا ينافى الواقعية، لأنك أدخلت شعورا أو هاجسا أو رأيا.. غير موجود من الأساس لكن التشاؤم مطلوب أحيانا! قالت دراسة ألمانية إن المسنين المتشائمين الخائفين من المستقبل باستمرار تطول أعمارهم، وتقل مشاكلهم الصحية، الدراسة أجرتها جامعة ابيرلانج «نوريمبيرج» وقالت: إن التفاؤل المفرط فى توقع مستقبل أفضل يرتبط بزيادة خطر العجز والموت، وفرقت الدراسة بين نوعين من التفاؤل.. الهدام والبناء، والهدام هو التفاؤل على الإطلاق.. من أى شئ، وفى كل وقت. وقال الباحثون أن المتفاءل دوما.. هو غير واقعى، وهو الهدام، فعندما تتعرض لموقف ما، فإذا اعتقدت أن كل شئ سيسير على ما يرام، رغم أنت الواقع ليس كذلك.. فسوف ينتابك شعور أسوأ بكثير مما كنت ستمر به إذا علمت حقيقة الأمر منذ البداية، لو جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن. فى النهاية لا ندعوكم للتشاؤم ولا للإفراط فى التفاؤل ولكن حتى وأن ظهر المتشائم على حق فلا شك إن المتفائل سيكون قد استمتع أكثر..