لقد ربَّى الإسلام أتباعه على إشاعة روح التفاؤل والأمل، والبعد عن التشاؤم والتطير، وذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين فقال سبحانه: «قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ - قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ» ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الطيرة، فقال: «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ»، قالوا : وما الفألُ؟ قال: «الكلمةُ الصَّالحةُ يسمعها أحدُكم». وامتدح النبى صلى الله عليه وسلم قومًا يدخلون الجنة بلا حساب معددًا صفاتهم، فقال: «يَدخلُ الجنةَ من أمتى سبعون ألفا بغير حسابٍ لا يَرقُون، ولا يَسْتَرقُون، ولا يكتوُون، وعلى ربهم يتوكلون». فالتفاؤل هو حسن الظن بالله، وتوقع الخير، لأن المؤمن متفائل دائمًا لأنه يعلم أن الأمر كله بيد الله تعالى: «ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكن»، وأن الله تعالى بيده موازين القوى، والأمر كله بيديه: «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ»، والنبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعد عن نفوس أصحابه روح التشاؤم والاستسلام، بل عن نفوس المسلمين جميعًا، والاستبدال بتلك الروح روح المتفائل الواثق بنصر الله تعالى، ولقد سلك الإسلام كل سبيل فى غرس هذه الروح فى المجتمع المسلم، فأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع فى المجتمع روح التفاؤل والأمل، فقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ معروفٍ صدقةٌ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغَ من دلوكَ فى إناءِ أخيك». والخطاب الدينى بحاجة إلى إشاعة روح التفاؤل والحث عليها، لأن صاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جلىّ، فلا يرى فيها إلا كلَّ جميل باعث على الأمل، أما صاحب النفس السقيمة فينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب، لا يرى منها إلا كل سيئ باعث على القنوط والتشاؤم واليأس، بل يحاول بكل ما أوتى من قوة أن يدفع هذه الحالة إلى الآخرين والنبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك بقوله: «إذَا سمعتَ الرجلَ يقول هلكَ الناسُ، فهو أهلكهم». لكن علينا أن يكون شعارنا فى كل مرحلة قول الله تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» ولنا فى نبينا الأسوة فيما حصل له ولصاحبه أبى بكر رضى الله عنه وهما فى طريق الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فقال صلى الله عليه وسلم مخاطبًا صاحبه وهو فى حال ملؤها التفاؤل والثقة بالله: «لا تحزن إن الله معنا». والخطاب الدينى المنشود لا بد أن يدفع فى اتجاه الأمل والبناء، وهذان لن يؤتيا ثمارهما إلا بالتفاؤل، لأن الإنسان المتفائل يتوقع الخير والنجاح ويرى الأمور بمنظار إيجابى، وينجح فى تحقيق التوافق النفسى والاجتماعى، وتكون نظرته للحياة إيجابية، كما أنه يكون أكثر استبشارًا وتفاؤلًا بالمستقبل وبمن حوله، ويتمتع بصحة نفسية وسلام نفسى كبيرين، كل ذلك يقوده إلى النجاح والبناء، قال الإمام ابن القيم: ليس الإعجاب بالفأل ومحبته بشىء من الشرك بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة وموجب الفطرة الإنسانية التى تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، والله تعالى جعل فى غرائز الناس من الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته وميلهم إليه، وجعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور. فلا بد أن يُصبغ خطابنا الدينى بالتفاؤل والشعور بالرضا والفرح والسرور والسعادة، وما ينعكس عنه من أثر إيجابى على كسب الإنسان، وعلى عمله وتوجهه نحو فعل الخير، لأن التفاؤل هو الميل إلى تبنى وجهة نظر مفعمة بالأمل، والتفكير فى أن كل شىء سيؤول إلى الأفضل، فالنبى صلى الله عليه وسلم قد تفاءل فى غزواته وحروبه وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال: ما هى، قال: «أخذنا فألك من فيك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبنى الفأل الصالح»، فينبغى لمن تفاءل أن يتأول بأحسن تأويلاته، ولا يجعل لسوء الظن على نفسه سبيلاً. حتى إن علماء النفس يشخصون الأمر باهتمام، فهذا أحدهم يصف نموذجًا للمنبسط والمنطوى، الأول يميل إلى التفاؤل والابتهاج ويهون الأمور بكل بساطة وبلا تعقد، أما المنطوى فمتمرد وشكاك وقلق ويهول الأمور ومكتئب، وعلماء النفس يرون أن التفاؤل هو القاعدة العامة للحياة، وأن التشاؤم لا يقع فى حياة الفرد إلا إذا كونت لديه عقدة نفسية، والعقدة النفسية ارتباط وجدانى سلبى شديد التعقد، والتماسك حيال موضوع ما من الموضوعات الخارجية أو الداخلية، فالفرد متفائل إذا لم تقع فى حياته حوادث تجعل نشوء العقدة النفسية لديه أمرًا ممكنًا، ولو حدث العكس لتحول إلى شخص متشائم. فالتفاؤل هو ميل يحمل الشخص طبيعيًا إلى الشعور بالسعادة الدائمة المتجددة، بحيث يعيش فى أمل مستمر مهما كانت الظروف، ويتدرج من الرضا إلى الانشراح، كما أنه اتجاه حيال الحياة وأحداثها تجعل الفرد لا يرى سوى الجانب المشرق منها، فيؤمن بأن عالمه خير العوالم الممكنة، وأنه سينتصر فى النهاية، وأنه مفهوم يظهر نظرة إيجابية للحياة تتضمن إدراك الحاضر وتقويمه وكذلك المستقبل، وهو وجود معنى للحياة والأمل الدائم فيما سيأتى به المستقبل، وهو أيضًا أخذ بالأسباب وتوكل على الله.. حقًا صدق من قال: تفاءلوا بالخير تجدوه.