منذ نحو 10 أشهر وفي نفس هذا المكان طالبت بضرورة تطبيق العدالة الضريبية في مصر ومعالجة الخلل الجسيم الحالي في المنظومة الضريبية نتيجة تهرب قطاع عريض وضخم من الاقتصاد الهامشي أو «السوق الموازية» كما يطلق عليه من دفع الضرائب، وفي الوقت الذي تخضع فيه طبقة الموظفين الحكوميين أو غير الحكوميين، وكل من يتقاضي أجرا ثابتا من أية جهة للضرائب والمحاسبة الصارمة، نجد أن هناك قطاعا عريضا من المليونيرات يعملون في السوق الموازية ولايدفعون أية ضرائب، في وقت تحتاج فيه مصر إلي تنمية مواردها السيادية للاستغناء عن القروض الداخلية أو الخارجية. لقد نشرت صحيفة الأخبار أول أمس تقريرا استفزني في صدر صفحتها الثالثة عن نية الدولة لرد ضريبة الأغنياء التي كانت قد تقررت بالقانون رقم 44 لسنة 2014 والذي قضي بتحصيلها مؤقتا لمدة 3 سنوات ثم تم الإكتفاء بتحصيلها لمدة عام واحد إلي أن تم الغاؤها، وأشار التقرير إلي أن مصلحة الضرائب أقرت عددا من الضوابط لتنظيم عملية خصم الضريبة من الذين دفعوها منها أن يكون الممول هو المتحمل لعبء الضريبة الإضافية، وان تكون المبالغ التي تم سدادها تتعلق بنفس العام المالي الذي يجري محاسبة الممول عنه ضريبيا وذلك طبقا لقانون ضريبة الدخل رقم 91 لسنة 2005 والذي نص في مادته رقم 23 علي انه يعد من التكاليف واجبة الخصم الرسوم والضرائب التي تتحملها المنشأة عدا الضريبة التي تؤديها، وبما أن الضريبة الأضافية تقررت كضريبة سنوية اضافية يؤديها كل ممول أو منشأة يتجاوز دخلها السنوي المليون جنيه فان هذا الأمر يسمح لمؤديها بخصمها من وعاء ضريبة الدخل تطبيقا لذلك النص. إذن فلماذا كانت تلك الضريبة أصلا؟ ولماذا صدور قرار بقانون لها؟ أم انها سياسة «الطبطبة» علي أصحاب الصوت العالي ممن لايريدون أداء مستحقات الدولة والوقوف إلي جانبها في الظروف الحالية!! الإصلاح الضريبي هو الحل الناجح للمشاكل الاقتصادية الحالية في مصر، ولو طبقت العدالة الضريبية في مصر علي الجميع لكان هناك شأن آخر، وطبقا لتقديرات الخبراء والمنشور في الأهرام أول أمس الجمعة في تحقيق الزميل سيد صالح في صفحة 22 فان هناك اكثر من 40 الف منشأة متهربة من الضرائب طبقا لما هو مدون في السجل التجاري، وتلك المصانع تتهرب من الضرائب والرسوم بطرق احتيالية مثل عدم إصدار فواتير ضريبية، وعدم إمساك سجلات ودفاتر محاسبية، ويصل حجم إسهام تلك المصانع والمنشآت إلي نحو 40% من اجمالي نشاط السوق، ولو استطاعت الحكومة فرض نظام ضريبي عادل وشفاف وصارم في آن واحد كما يحدث في كل دول العالم فان ذلك طبقا لتقديرات الخبراء يتيح موارد هائلة للدولة تصل إلي 150 مليار جنيه طبقا لنسب التحصيل الحالية علي المنشآت الخاضعة للضرائب مما يضاعف من ايرادات الدولة ويحقق العدالة للمجتمع الضريبي. من المهم ان تعيد الحكومة النظر في المنظومة الضريبية في مصر، واعادة هيكلة مصلحة الضرائب ودعمها ماديا ومعنويا وبشريا علي أن يتزامن ذلك مع إعادة تخطيط الاقتصاد المصري بشكل واضح لضم الاقتصاد الهامشى إلي الاقتصاد الرسمي، وربط كل التعاملات في الدولة بالضرائب، وذلك بان يكون هناك ملف ضريبي لكل مواطن من البالغين في مصر، سواء أكان معفيا منها أو خاضعا لها، وأن يتم تدوين بيانات الملف الضريبي علي بيانات بطاقة الرقم القومي بحيث يتم كشف كل المتهربين، وحرمانهم من التعاملات مع جميع الأجهزة في الدولة سواء تعاملات رسمية أو غير رسمية، علي أن يتزامن ذلك مع تشكيل المجلس الأعلي للضرائب والصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 358 لسنة 2010 والمعطل حتي الآن وتحديد أختصاصاته وصلاحياته بما يضمن تنمية الموارد الضريبية وضم الاقتصاد الموازي، بالاضافة إلي ضرورة أن يتبني مجلس النواب مشروع قانون لتحويل جريمة التهرب من الضرائب إلي جريمة مخلة بالشرف لايستطيع من يرتكبها أن يعين بالوظائف العامة أو يترشح للبرلمان، وأن يتم حرمانه هو وأولاده من شغل المناصب العامة أو الالتحاق بكليات الشرطة أو الكليات العسكرية أو التعيين في السلك القضائي وغير ذلك مما يترتب علي الجرائم المخلة بالشرف، ليس معني ذلك أنني أطالب بالتعسف الضريبي وإنما فقط أطالب بما يحدث في كل دول العالم الرأسمالية قبل الاشتراكية من عدم التهاون في التهرب الضريبي أو التردد في فرض الضرائب التصاعدية العادلة كما يحدث في امريكا نفسها «أم الرأسمالية» والاقتصاد الحر كما يقولون أما نحن في مصر فالوضع «معكوس» فهناك شريحة بسيطة من المجتمع هي التي تدفع الضرائب أما الحيتان وباقي الشرائح فهي لاتدفع مليما واحدا، وان دفعت فهي تدفع «الفتات». فتح الملف الضريبي هو بداية الاصلاح الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية وتجنيب الدولة متاعب أخري كثيرة نحن في غني عنها الآن ومستقبلاً. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة