لست مع اشتراكية الفقر وضد سياستها التي سقطت في عقر دارها، لكنني مع العدالة الاجتماعية وتحقيقها من خلال منظومة ضريبية ناجحة، فمن يملك يدفع، ومن يكسب لابد أن يلتزم بدفع ما عليه من ضرائب كما يحدث في كل الدول الرأسمالية والاشتراكية علي السواء، ومن المهم أن يتم إصدار قانون بتحويل جريمة التهرب من الضرائب إلي جريمة مخلة بالشرف لا يستطيع من يرتكبها أن يعين بالوظائف العامة أو يترشح للبرلمان وأن يتم حرمانه هو وأولاده من دخول السلك القضائي أو كليات الشرطة أو الكليات العسكرية وغير ذلك مما يترتب علي الجرائم المخلة بالشرف. للأسف الشديد هناك خلل جسيم في المنظومة الضريبية المصرية، حيث من يدفع الضرائب هم طبقة الموظفين الحكوميين أو غير الحكوميين، وكل من يتقاضي أجرا ثابتا من أية جهة، ودون ذلك فهناك قطاع ضخم من الاقتصاد الهامشي يضم تجار الأراضي والعقارات وكل أنواع التجارة الأخري وهو قطاع يضم الملايين من المليونيرات لايدفعون ضرائب في معظم الأحوال وإن دفعوا لايدفعون إلا النذر اليسير. هذا القطاع الهامشي الضخم بالإضافة إلي قطاع آخر رسمي من الشركات والأفراد يتلاعب بالدفاتر والسجلات كفيلان بحل مشكلات تمويل الاقتصاد المصري لو تم اخضاعهما للضريبة العادلة المستحقة، ودفعوا كامل مستحقاتهم، ووقتها لن تحتاج مصر إلي المعونات أو المساعدات من هذه الدولة أو تلك. وزراء المجموعة الاقتصادية مشغولون بالدوران حول أنفسهم، وبتفاصيل أخري ويتركون القضية الرئيسية في كيفية إقامة مجتمع ضريبي عادل يطبق علي الجميع بشفافية وصرامة كما يحدث في كل المجتمعات. لقد صدر يوم الأحد الماضي القرار بقانون رقم 96 لسنة 2015 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة علي الدخل ويقضي برفع الإعفاء إلي 6500 للفرد وهو مبلغ هزيل وكان يجب زيادته إلي 12 ألف جنيه علي الأقل، ثم بعد ذلك فرض ضريبة تبدأ من 10% ثم تتصاعد لتصل إلي 20% لمن يبلغ دخله 200 ألف جنيه سنويا أي ما يعادل 16 ألف جنيه شهريا، وهذا طبيعي وعادل، لكن الغريب، والمثير جاء بعد ذلك حينما ساوت الشريحة الخامسة بين من يبلغ دخله 201 ألف جنيه سنويا، أي نحو 17 ألف جنيه شهريا ومن يبلغ دخله ملايين الجنيهات وأخضعهم جميعا لشريحة واحدة هي 22٫5%، وهو ما يعتبر قمة عدم العدالة، وكان لابد من التدرج في الشرائح لتصل إلي 30 أو 40% للشرائح المليونية، لأن المستفيد الأول من توحيد الشريحة الأخيرة وخفضها من 25% إلي 22.5% هم المليونيرات فقط، والقول إن هناك ضريبة أخري تبلغ نسبتها 5% علي ما يجاوز المليون قول حقيقي لكنها ضريبة للأسف مؤقتة ومحددة بنسبة واحدة اعتبارا من السنة الضريبية الحالية، وبالتالي فهي تقريبا سقطت ولن تطبق إلا علي العام الضريبي المنتهي لأنها تم تطبيقها طبقا للقانون رقم 44 لسنة 2014، ومعني ذلك أن مدة العام قد انتهت. الحالة الضريبية في مصر كارثة ولابد من حل جذري عاجل لها من خلال إعادة هيكلة مصلحة الضرائب ودعمهم ماديا ومعنويا وبشريا علي أن يتزامن ذلك مع إعادة تخطيط الاقتصاد المصري بشكل واضح لضم الاقتصاد الهامشي إلي الاقتصاد الرسمي، وربط كل التعاملات في الدولة بالضرائب، وذلك بأن يكون هناك ملف ضرائب لكل مواطن من البالغين في مصر سواء أكان معفي منها أو خاضعا لها، وأن يتم تدوين بيانات الملف الضريبي علي بطاقة الرقم القومي بحيث يتم كشف كل المتهربين، وحرمانهم من التعاملات مع جميع الأجهزة في الدولة سواء تعاملات رسمية أو غير رسمية. أتمني لو تعاون وزراء المجموعة الاقتصادية وبالأخص وزيرا التخطيط والمالية علي انجاز مهمة الاصلاح الضريبي الشامل، ومد مظلة الضرائب علي جميع شرائح الاقتصاد المصري الرسمي وغير الرسمي وهي مهمة ثقيلة لكنها ممكنة، لأنها في النهاية تعني توفير موارد ضخمة مستحقة للخزينة المصرية، وفي الوقت نفسه تحقق العدالة الاجتماعية بمفهومها العصري، فلا يجوز أن تخضع شريحة بسيطة من المجتمع للضرائب، وتترك باقي الشرائح التي تربح الملايين دون أن تدفع مليما واحدا، وإن دفعت فهي تدفع «الفتات» بشكل يحرم خزينة الدولة من أهم مواردها. القضية لابد أن تكون ضمن أولويات الحكومة العاجلة لأنها تتعلق بموارد الخزينة وبمستقبل دولة تسعي للنهوض والوقوف علي قدميها بعيدا عن المعونات، وفي الوقت نفسه تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها العصري والشامل. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة