لا يختلف كثيرا المسحراتي في العصر الحالي عنه في العصور السابقة فنراه إلى الآن فى صعيد مصر بعد منتصف الليل ممسكا بيده اليسرى طبلته الصغيرة التي تُسمَى بازة، وباليد اليمنى قطعة صغيرة من الجلد يدق بها على البازة بنغمات متميزة عالية، وتكون بصحبته فتاة، أو يرافقه شاب يحمل له سلة ليضع فيها الهبات والعطايا التي يمنحها الناس للمسحراتي، بشكل يومي. ويعرفه الناس بدقات طبلته وصوته الجهوري، ولكل مسحر محفوظاته من الإنشاد الديني ويتلوها بالتبادل مع الطرق على طبلته بعد كل بيت شعري وأدى أول القول بامدح وأقول يارب عدد نجوم السما ويا نبات الأرض اغفرلى ذنوبي أنا والمسلمين يارب تانى من القول مدحك يا نبي استفتاح يا من تسلم عليك الشمس كل صباح ما أحلى مديحك يا نبي وما خفه على المداح ويكمل بسرد القصص النبوي، ومعجزات الرسول، ويقف قليلا عند بعض المنازل منتظرا رزقه داعيا لهم بدوام الصحة وسعة الرزق. ولكل مسحر منطقته، وتربطه بأهلها علاقة ودودة، ويعرف أسماء أطفالهم، ويناديهم بها ليسعدهم، وشاهدت بعيني بعض الأطفال يقدمون النقود للمسحراتي مقابل أن يسمح لهم بدق طبلته، وكثيرا ما يلتف حوله الأطفال خاصة في فصل الصيف، ويحملون الفوانيس الجميلة في موكب صغير ويصحبونه في رحلته كل ليلة. والمسحراتي من حفظة التراث الشعبي، ويردد أثناء جولته اليومية نصوص شعبية، منها قصة الغزالة، وقصة الجمل الذي اشتكى صاحبه للرسول، ولأنه غير متخصص في أداء هذا النوع من القصص، فإنه يحكيها في سياق التسحير بعبارات بسيطة، وربما يحفظ هذه النوعية من القصص لطول وقت التسحير عبر الشوارع الطويلة، وبهدف جذب الناس إلى ما يقوله: وآدى أول القول بمدح وأقول يارب عدد نجوم السما ويا نبات الأرض اغفرلى ذنوبي أنا والمسلمين يارب تانى من القول مدحك يا نبي استفتاح يا من تسلم عليك الشمس كل صباح ما احلي مديحك وما خفه على المداح وأنا إن ما مدحت النبي يا تقل أحمالى وأنا إن مدحت النبي اتشالت أحمالى بامدح نبي زين صاحب مقام عالي من هيبته رازق المليان والخالي أنا أمدح اللي خطر على الرمل لم علِّم قرا الهجاية النبي ولا جاله خطيب علام يا مكدب القول يلا نسأل العلام نسأل خطيب زين يكون قاري من الألف لَّلام واجب عليا امدحه من قبل ما اتكلم كمنه رب العباد على المصطفى سلم أنا أمدح اللي نزل صايم وربه أتاه شبعان تقوى من حوض النعيم سقاه وآدى آمنة ولدته وآدى جبرائيل سماه كشفوا على نجمته يلقوه رسول الله جات الغزالة لبنها على الثرى مثروب أضمنتها يا نبي لما اتمحى المكتوب قبل مديحي في طه يا صفوة المعبود كان النبي والصحابة جالسين صفين متجمعين عند أحمد بن رامه سيد الكونين لما أتاهم جمل يبكى بدمع العين لما أتاهم جمل يبكى ودمعه شين قال السلام عليكم منى إليك يازين قال عليك السلام يا دى الجمل مالك البت (لابد) ما جاى بتشكي من عَيَا حالك قاله يا مصطفى أنا مغرم بيك واسألك قاله يا مصطفى ليك حكاية تنكتب في أوراق بيني وما بين صاحبي يا صفوة الخلاق أنا كنت أمشى في الطرق ولا بالى إن حملوني حجارة لم كانت على بالى كان يجى صاحبي في صباي اليوم يشوف حالي يزيد عليقي يا نبي ويتوصى بى جمالى لما أتانى العيا يا احمد وانسقم حالي لما أتانى العيا يا احمد لقاني على الثرى مثروب ما كولش حاجة تقويني أهِّم وأقوم لقاني الجمل حاله وحال الشوم أنا بكرة ادبحه واشترى غيره جمل مخزون أنا بكره ادبحه واشترى غيره جمل عالي ينفعني يوم السفر في وقت ترحالى لما سمعت الكلام من صاحبي يا هادى نزلت أبكى على سأمي بعد حالي خايف من الدبح والسكين والجزار قال ارتاح يا جمل بحق الفرض لاريحك بحق من بسط السما والأرض لاريحك يا جمل من صاحبك وأساه يكفيك شر أذيته وبلاه قال اطرق الباب يا بلال وهات صاحبه في الحال بلال طرق الباب وقال يا ولاة الباب نزلت الجارية بالنور فرحانة ضربها اليهودي قلم على الخد قالها ليه الفرح جانا قالت له شفت محمد أبو عيون نعسانة ويكمل القصة باستدعاء النبي صاحب الجمل ويقول له ألا تتقى الله في هذا الجمل فانه اشتكى لي بأنك تتعبه وتجيعه. وظائف المسحراتي وكان من مهام المسحراتي قديما إيقاظ الناس لتناول طعام السحور، ويذكرهم بالصوم طبقا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". إضافة لإنشاده الشعر والقصص الديني حول معجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بجانب الابتهالات والأدعية الدينية، وأحيانا الوعظ بصورة فنية. وله وظيفة فنية وجمالية يمكننا وصفها بعرض المؤدى الواحد على مسرح الشوارع الذي يجوبها ويتفاعل مع جمهوره فيها، ويغنى لهم أبياتا شعرية وقصص غنائية فيها من الشعر والنثر حاملا معه طبلته الصغيرة كأداة موسيقية. ويستعين المسحراتي بمرويات التراث الموسيقى والغنائي الشعبي الخالص التي تنتمي للفن الدارج، وتحققت هذه الصلة الموسيقية لأن كثير من المسحرين على صلة بالإنشاد، ويعتبروا من المداحين. ومن الوظائف الوجدانية علاقة الود بين المسحراتي وأهل المنطقة، خاصة الأطفال الذين ينتظرونه كل ليلة، ويفرحون ويسرعون لاستقباله ويناديهم بأسمائهم ويلعبون بطبلته ويدقون عليها ويعطونه الهدايا النقدية والعينية. وعمل المسحراتي مهنة يرتزق منها، وربما هذا أحد الأسباب التي حافظت على استمراريته إلى الآن، وهو غالبا يعمل في وظيفة أخرى، وليس بمكنة أى فرد القيام بمهنة التسحير، فلابد أن تتوافر لديه شروط كأن يكون من حفة الانشاد الديني، ومن يكتسب منطقة لا يستطيع أحد آخر الاعتداء عليها. وحين تقترب نهاية رمضان ينشد المسحراتي من محفوظاته: شهر رمضان ما باقي فيه كام يوم قوم ابكي على حالك يا تارك الصلاة والصوم قلبي يحب النبي اليوم وغير اليوم لا أوحش الله منك يا شهر رمضان لا أوحش الله منك يا شهر الصيام لا أوحش الله منك يا شهر القيام لا أوحش الله منك يا شهر الفرقان لا أوحش الله منك يا شهر الحسنات لا أوحش الله منك ياشهرالتراويح