أسفرت نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية عن مأزق محير ليس فقط للقوى السياسية والثورية وإنما لعامة الشعب أيضاً، فبعد أن كانت جميع طوائف الشعب شبه حائرة فيمن يمكن أن تختار من بين مرشحى الرئاسة وتصنيفاتهم وأسباب رفض كل منهم إلا أن فوز كلاً من محمد مرسي والفريق شفيق وضع الشعب بأكمله في "حسبة برما".. ويقال أن المقولة الشهيرة "حسبة برما" ترجع لإحدى الوقائع التي حدثت بإحدى القرى التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية وهي قرية ( برما ) التي تبعد عن طنطا بحوالي 12 كيلو متر ، وقد جاءت هذه المقولة "حسبة برما" عندما اصطدم أحد الأشخاص بسيدة كانت تحمل قفصا محملا بالبيض فأراد تعويضها عما فقدته من البيض وسألها، كم بيضه كانت بالقفص؟ فقالت : لو أحصيت البيض بالثلاثة ستبقي بيضة ، وبالأربعة تبقي بيضة ، وبالخمسة تبقي بيضة، وبالستة تبقي بيضة ، ولو أحصيته بالسبعة فلن يبقي شيئا ، وهنا عرف انه كان بالقفص 301 بيضة ومن هنا جاءت المقولة "حسبة برما" التي لا يستطيع أحد أن يفهم كيف تمت. هذا بالضبط ما حدث بعد ظهور نتيجة الانتخابات المصرية، فلو صوت الشعب في الإعادة لصالح "مرسي" مرشح حزب الحرية والعدالة لكان معنى ذلك أن الناس اختاروا "الإخوان المسلمين زائد واحد" وهو المؤسسة العسكرية، وهذا معناه أن يسيطر الإخوان على الحكم في البلاد تماماً وبشكل نهائي ربما لمائة عام على الأقل حسب مشروع النهضة الذي يدعو إليه الحزب ويحتاج إلى ثمانية وعشرين عاماً للتنفيذ وهو ما أظنه شخصياً مشروعاً "لتمكين الإخوان" ويُنتظر أن ينفذه "بيزنس مان" الإخوان المهندس "خيرت الشاطر"، ولو صوت الشعب للفريق شفيق لكان معنى ذلك أن الناس اختاروا "النظام السابق زائد واحد" وهو المؤسسة العسكرية أيضاً وعندها سوف يعود النظام السابق بأجهزته وقياداته، ونعود سنة ونصف للوراء وكأن الثورة لم تقم وكأنه لم يكن هناك شهداء دفعوا أرواحهم ثمناً لحرية هذا الشعب، وحتى لو لم تعود ممارسات الأجهزة الأمنية لما كانت عليه في السابق من انتهاكات ضد الشعب إلا أن ذلك معناه على أقل تقدير أن يحتفظ رجال الأعمال من النظام السابق بنفوذهم بل وربما ينضم لهم رجال أعمال النظام الحالي من "الإخوان" ونعود ندور في حلقة مفرغة من زواج المال بالسلطة وهو ما سوف يحدث في الحالتين على كل حال لتعود ريما لعادتها القديمة ويعود الشعب يعانى من جديد.. لكن الملاحظ أن المؤسسة العسكرية تظل هي القاسم المشترك في الحسبتين وهو أمر طبيعي، فالمؤسسة العسكرية التي رسخت دعائمها في مصر طوال عقود لا يمكن بحال من الأحوال إغفالها في هذه الحسابات بل ولا يمكن الاستغناء عنها أيضاً كدرع واق وهام في الحفاظ على كينونة واستمرار الدولة المصرية وخصوصاُ أن هذا يمكن أن لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية، خاصة وأن الجيش قام ويقوم بدور كبير في الحفاظ على كيان الدولة اختلفنا أو اتفقنا معه في الإجراءات التي اتبعها من أجل ذلك.. ولأن الحسبة معقدة فعلاً ونتيجتها في الحالتين تبدو مقلقة إن لم تكن مخيفة للسواد الأعظم من الشعب، حتى لو قايضوا بها على مبدأ الأمن والاستقرار إلا أن هذا لن يمنع في كلا الحالتين من احتمال قيام ثورة أخرى أكثر ضراوة وربما لصدام بين أطراف لاعبة في الحياة السياسية قد تتنازع فيما بينها على السلطة والمال والنفوذ... كل هذا يجعلنا مضطرين للوقوف والتفكير وبالأحرى لطلب الضمانات ليس من مرشحي الرئاسة ولكن من المؤسسة العسكرية ذاتها التي أعتقد أنها وحدها الآن تملك القدرة على حل "حسبة برما" ذلك أنها تملك حق ودستورية إصدار القوانين و التشريعات، ولنتساءل بهدوء، أليس من الأفضل الآن وقبل إجراء انتخابات الإعادة أن تنزع المؤسسة العسكرية لإصدار إعلان دستوري يحدد صلاحيات الرئيس القادم؟ أو ليس ذلك هو الضمان الذي يمكن أن يضمن استقرار الحياة السياسية في مصر مهما كان المرشح الذي يختاره الشعب؟، ثم والأمر الأهم، أليس في ذلك ضمان لاستمرار الدولة في الاستقرار و التقدم وهو الأمر الذي نعلم جميعاً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المنوط به الآن الحفاظ على استقرار البلاد؟. قد يبدو هذا الطرح ساذجاً من فرط بداهته خاصة وأن جميع اللاعبين السياسيين بالقطع يعلمون ضرورته لحل الأزمة، ولكن، أولم نتعلم في علم المنطق أنه حينما تتعقد المسائل المنطقية أن نعود إلى البديهيات والمصادرات لنجد لها حلاً منطقياً سليماً؟ أنا هنا لا أدعو للتصويت أو لعدم التصويت لمرشح من المرشحين في الإعادة، لكنني حين أطرح هذا التساؤل فإنني بالقطع أطرحه حتى نستطيع جميعاً أن نفكر بشكل جاد وعاقل وهادئ أيضاً فيما يمكن أن يخرجنا من هذه الأزمة بسلام ويدفعنا للأمام دون مشاكل ولنستطيع جميعاً و معاً أن نجد حلاً ديمقراطيا سليماً "لحسبة برما"... المزيد من مقالات أحمد محمود