التعامل مع الأطفال وإعدادهم للعبادة من الأمور التى تقلق أولياء الأمور، فالبعض يشدد على ولده فى سن مبكرة حتى يكون ملتزما منذ الصغر، والبعض يرى أن ذلك سابق لأوانه، وعندما يكبر الولد أو الفتاة يؤدى ما أوجبه عليه الشرع, استنادا إلى أنهم لا يزالون دون سن التكليف..وهو ما يدعونا ونحن فى شهر رمضان المعظم للنظر فى كيفية تدريب الأطفال على العبادات وما هى الطريقة المثلى لتعويدهم على الصيام؟ يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، إن من رحمة الإسلام بنا أنه لم يكلف أحدا فوق ما تطيق نفسه، وجعل البلوغ شرطا للتكليف والمساءلة الشرعية، فالشرع لم يكلف الصبى دون البلوغ بالصلاة والصيام وغيرها من العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث، عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم» ، لكن الصحابة كانوا يعودون أولادهم على العبادات منذ الصغر فكانوا يدربونهم على الصلاة وعلى الصيام، وبعضهم كان يصطحب ولده معه فى الحج، رغم عدم بلوغه حد التكليف الشرعي، ورغم عدم وجوب الفريضة عليه فى هذه السن.. ففى الصلاة نجد التوجيه النبوى «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ»..أما عن الصيام فقد ورد عن الربيع بنت معوذ الأنصارية أنها قالت فى سياق حديثها عن صوم يوم عاشوراء: «..فكنا نصومه، ونصوِم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن (الصوف)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار». ويؤكد الأطرش أنه يجب على ولى الأمر من الأمهات والآباء ان يدربوا أولادهم على الصيام وسائر العبادات والتكاليف الشرعية قبل وجوبها، لا أن يتركوهم حتى البلوغ ويصبح الأمر عليهم عسيرا وشاقا، ذلك أن التعود على العبادة فى الصغر يربى الطفل على ذلك فإذا ما كبر وتعمق لديه الوازع الدينى صار ارتباطه بالعبادة آكد، وكان تطبيقه لها أيسر. ويلفت الشيخ شعبان عبد الحكيم، من أئمة وزارة الأوقاف، إلى أننا يجب أن نغرس العبادات فى أبنائنا بالتطبيق العملى قبل الكلام، كأن نبين لهم حقيقة الصيام وكيف يكون، وأن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، ولكنه بالإضافة إلى ذلك صيام عن كل ما يغضب الله عز وجل، فلا يجوز للصائم أن يكذب أو يغش أو ينافق أو يؤذى غيره، أو يتلفظ بألفاظ لا تليق بالمسلم، وأن مثل هذه السلوكيات ينهى عنها الإسلام فى رمضان وفى غير رمضان، واتباعها فى رمضان أوجب لإتمام الصيام رجاء قبوله من الله عز وجل. فشهر رمضان فرصة ليس لتعويد الطفل على الصيام فحسب، بل لمعايشته أجواء العبادات وتعميق العقيدة لديه، ولتعويده على ذلك بالإضافة إلى اصطحابه إلى المسجد وربطه بصلوات الجماعة وصلاة التراويح بحسب قدرته. ويحذر الدكتور ناصر محمود وهدان، الأستاذ بكلية التربية جامعة قناة السويس، الآباء أثناء تعليمهم الأطفال الصلاة والصيام ونحوها أن يعتمدوا إلى أسلوب العنف والترهيب وإرغام أبنائهم على العبادة دون حب وإقبال، فالترهيب وحده ينفر من العبادة ويجعل أداءها مرتبطا بالفرار من عقوبة الأب فقط، دونما رغبة حقيقية فيها وهذا مما ينبغى أن يتجنبه أولياء الأمور والمربون فى سائر العبادات، لاسيما فى المرحلة الأولى لتدريب الأطفال. ومن ثم فإنه ينبغى مراعاة سن الطفل وطاقته على التخلى عن الشراب والطعام، فالطفل ابن السبع سنوات ليس كابن التسع سنين، وما يناسب طفلا قد لا يناسب آخر، ولو كان فى مثل سنه، لأن طاقات الأطفال تختلف، ففى البداية يمكن توجيه الطفل بالصيام حتى الظهر، فإن استطاع فليزد حتى العصر فإن استطاع فليكمل يومه، ويصوم يوما ويفطر يوما، ويمكن أن يصوم أولا بعض ساعات ويستزيد فيها حسب طاقته. مع الحرص على إيقاظ الطفل فى السحور وتواجده الدائم على مائدة الإفطار ترقبا لأذان المغرب، حتى لو لم يصم، حتى يعيش جو الصيام. ومما يقلل رغبة الأطفال وصغار السن فى الصيام الانشغال بكرة القدم فى نهار رمضان، فذلك مما يجهد الطفل ويشعره بالعطش الشديد والاضطرار للإفطار.. لذا يجب توجيه الأطفال للعزوف عما يستنفد طاقاتهم بالنهار، والانشغال بمراجعة ما يحفظونه من كتاب الله ومواصلة الحفظ فى شهر القرآن، وتوجيههم كذلك لمتابعة البرامج التليفزيونية الهادفة، والبعد عما لا قيمة له، وتتبع برامج الأطفال التى تساعد على غرس الصيام فى نفوس الناشئة، لتحقيق هدفين فى هذا الجانب: الأول التثقيف الملائم للطفل بما يتماشى وسنه، والثانى شغل وقت الطفل وإلهاؤه عن التفكير فى الشراب والطعام، ولا مانع من رصد جائزة مالية أو هدية للطفل فى اليوم الذى يصوم فيه تحفيزا له على ذلك.