انشغلت الدنيا بالحادث الإجرامى لسقوط طائرة مصر للطيران القادمة من باريس فجر الخميس 19/5/2016، وطبيعى جداً أن تنطلق ماكينة الإعلام ووسائل الاتصال بالتحليلات، والتعليقات، فالحادث فى توقيته، ونوعيته، وطريقة تنفيذه، وجنسيات ضحاياه، يستدعى كل هذا الاهتمام، ويتطلب. * ولكن ... لاحظت كمراقب، يهتم منذ عقود بقضايا الإرهاب والتيارات المتطرفة .. ظاهرة مؤسفة، وهى؛ هذه (الشماتة) المستترة أحياناً، والمعلنة فى أغلب الأحيان، فى مصر، شماتة تفوح من روح فضائيات وقلوب ساسة وخبراء مدعين، للأسف أغلبهم ينطق بالعربية. * لماذا ؟ إن البعد الإرهابى فى الحدث واضح، والضحايا أبرياء ومن كل الجنسيات، فلماذا هذا الإلتواء وتلك الشماتة فى الحديث أو التعليق على الجريمة ؟! . * إن المتأمل على سبيل المثال للتغطية الإعلامية لقناة الجزيرة على مدى يومى (الخميس والجمعة) للحدث، سوف يدهش لهذا الكم من (الشماتة) الملتحفة زيفاً برداء الإعلام والحياد والموضوعية، والمتأمل لمواقف ساسة قطر وتركيا وإسرائيل وإعلامهم سوف يقف مندهشاً لكل هذا (الغل) من بلد اسمه (مصر) وليس من نظام يحكم هذا البلد !! لماذا ؟! . دعونا نسجل الآتى فى الإجابة عن هذا السؤال : أولاً : لاشك أننا أمام جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، وليس ضد دولة محددة اسمها (مصر)، ومن هنا (فالشماتة) فى مصر وتشويه الإجراءات الأمنية بها وتحميل الأخطاء الفردية والاختراقات الإرهابية، لوطن بكامله؛ هو (حالة سياسية) تعبر عن حقد أنتجه فشل فى تغيير لمصلحة تلك القوى يطال الحكم خلال السنوات الثلاث الماضية، إن الشماتة هنا هى الوجه الآخر للفشل السياسى ضد بلد لم ينجح الشامتون على تنوعهم فى ترويضه وإخضاعه لأدائهم !! . ثانياً : إن الكراهية أو الشماتة فى الموت فعل ضد الإنسانية، ناهيك عن الدين، وتحضرنى هنا الحكمة الخالدة لأمير المؤمنين على بن أبى طالب عندما خاطب مالك الاشتر حاكم مصر آنذاك حاثاً إياه على العدل والمساواة والضمير الحى (يا مالك : إن الناس صنفان إما أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق)، لقد غاب هذا النقاء الإنسانى فى التعامل مع ضحايا الظلم أو الإرهاب، ونحسب أن من شمت فى الموت، والخراب، سواء كانت وسائل إعلام أو نخبا سياسية، ينسحب منه تلقائياً هذه النظرة الإسلامية والإنسانية الراقية التى قدمها قبل أكثر من ألف عام على بن أبى طالب !! لقد شوهت المصالح والسياسة وصراع الحكم إنسانيته فضلاً عن (دينه) وعقيدته !! . ثالثاً : وإذا ما تدرجنا فى التحليل قليلاً، وبعدنا عن التقييم الأخلاقى (للشماتة) كما جرى خلال الأيام الماضية، فإننا لا ننكر أن ثمة أخطاء فى استراتيجية مصر والدول العربية فى مواجهة الإرهاب وأن العشوائية، وغياب المتابعة، والارتباك فى إدارة الأزمات والأحداث الإرهابية سواء على الأرض أو عبر الطائرات والمطارات، ملحوظ وموجود ولكن السؤال : هل يخلو بلد الآن فى العالم وبعد سنوات الزلازل السياسية والاجتماعية الخمس الماضية من هكذا (إرهاب) وفوضى، وارتباك ؟ إذا كانت الإجابة هى (لا) وهى بالفعل كذلك فإن الشماتة أو (النقد) لما يجرى فى مصر وطريقة معالجتها للإرهاب فى سيناء أو عبر المطارات، يصبح بلا قيمة حقيقية، ويصبح هدفه ليس التقويم والتصحيح، وإلا كانوا وجهوا فقط النقد لفرنسا لأن الطائرة خرجت من مطارها، ولكن هدفهم إصابة الناس بالإحباط وضرب الاقتصاد الوطنى وزعزعة استقرار البلاد وهو عين ما تريده الدول والتنظيمات المتآمرة على مصر منذ 30/6/2013 وحتى اليوم !! . رابعاً : إن فقدان، الناقدين، والشامتين فى مصر بعد حادث الطائرة، يتعدى فى ظنى، مجرد الفساد الأخلاقى لهم والعطب فى إنسانيتهم، إلى تصور أننا إزاء مؤامرة، يلعب فيها هؤلاء دوراً غير مباشر فى محاولة تركيع مصر عبر ضرب اقتصادها وسياحتها، فالإرهابيون الذين صنعوا هذا الحدث، لن يتحقق هدفهم إلا بنتائج نفسية وسياسية واقتصادية على الأرض، وآلة الإعلام والسياسة المعادية هى الكفيلة بتحقيق ذلك، لأن الحدث الإرهابى فى ذاته سيصبح بلا تأثير من غير ضجيج الإعلام الشامت والذى يدعى (الموضوعية) !، وتعانق الحدث الإرهابى وإزهاق أرواح ضحايا أبرياء لا ذنب لهم؛ مع إعلام وسياسة شامتة كارهة لهذا البلد، هو تعانق يؤدى إلى النتيجة المرجوة، لأن الإرهاب هنا يقوم على ساقين الأول الحدث الإجرامى والثانى الضجيج الإعلامى والسياسى المصاحب له والموظف له ثم الموجه رسائل متنوعة تصب فى تركيع مصر وإخضاعها. * على أية حال .. إن هذا الحادث الإرهابى، والذى أصاب مصر وفرنسا وكل من لديه ضمير إنسانى بألم شديد، لن يكون الأخير ما بقى أمثال هؤلاء القتلة ومناصريهم فى الإعلام طلقاء، إن الأمر يتطلب من مصر ودول العالم التى ابتليت بهذا الوباء، أن تعيد ترتيب استراتيجيتها من جديد، وألا تخضع لإعلام (الشماتة)، وساسة الكراهية، وأن تبنى حساباتها القادمة على أسس أكثر وعياً وتخطيطاً وقوة؛ إننا أمام تحالف (إجرامى) دولى، يهدد الدين والحياة، قبل الاقتصاد والأمن؛ والطرق التقليدية لمواجهته فشلت؛ وآن للاستراتيجيات الجديدة فى المواجهة أن تتقدم وألا يؤثر فيها أو يحيطها دعاة التفكيك والخراب فى منطقتنا والعالم، سواء بأجنحتهم الإرهابية المسلحة أو الإعلامية الشامتة. لمزيد من مقالات د. رفعت سيد أحمد