كان دائما موقف التشكيك من جانب الرجعية في كل خطوات ثورة يوليو, فعندما تبنت سياسة عدم الانحياز, كان الكلام عما يمكن أن تجره هذه السياسة علي البلاد من أضرار! والكلام لجمال عبد الناصر.. وبعد ذلك, حينما فتحنا الطريق إلي الشرق, وبدأنا الاتفاقات مع الدول الشرقية, وكانوا أول ناس كيفوا أنفسهم حسب الوضع, وتعاملوا مع الدول الشرقية. إن أكثر من كسب من التجارة مع الدول الشرقية هم الرأسماليون, الذين كانوا يعارضون قبل ذلك أن تكون لنا سياسة حيادية إيجابية غير منحازة. وفي كسر احتكار السلاح كان للرجعية موقف, لقد شعرت بالخوف, وبعض الناس ذكروني بجواتيمالا, فهي عندما أخذت سلاحا من الشرق, أمريكا لم تتركها.. أمريكا لن تتركنا, وستقضي علينا!. كذلك ان التفكير الرجعي كان باستمرار هو المؤثر في تأميم قناة السويس, لقد كان موقف الرجعية هو التشكيك والفرح! التشكيك أن ذلك موقف لن ننفد منه, نفدنا من عمليات قبل ذلك, السلاح, عدم الانحياز, إذن الغرب لن يتركنا بأي حال من الأحوال ننفد بقنال السويس. بعد تأميم قنال السويس بدأ العدوان.. ما الذي حدث؟ الشعب كله هب ليدافع عن بلده وعن أرضه وعن شرفه, ولكن كانت الفئات الرجعية المعروفة تجتمع لتهمس وتتكلم, وتبحث كيف تنتهز هذه الفرصة لتخدع الشعب, لقد بدأوا يقولون إنهم سيرفعون عريضة, تحت شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه, وإنهم سيطلبون أن يتفاوضوا مع الإنجليز!.. وقد قلت حينئذ: إن أي شخص سيأتي ليقدم عريضة بهذا الشكل, يعتبر خائنا ولايحتاج إلي محاكمة, وانما الواجب علي أن أنفذ عليه الحكم فورا في حديقة مجلس الوزراء! لأن أي تردد بالنسبة لهؤلاء الناس قد يضر بالبلد. طبعا اختلفوا علي شيء واحد, وهو من الذي سيقدم هذه العريضة؟!. وطبعا لم نؤاخذهم علي المني في حكومة تحت حماية الإنجليز! ولم نمسهم بشيء. والرجعية المصرية كان لها أيضا دور في الحصار الاقتصادي, الذي بدأ بعد معركة قنال السويس, هربوا الأموال وضاربوا بالنقد, ثم عندما أعلنا تمصير الشركات البريطانية والفرنسية, هربوا الأموال وضاربوا بالنقد, ثم عندما أعلنا تمصير الشركات البريطانية والفرنسية, تجمعوا فورا وقدموا يفطا, كل واحد فيهم يريد شركتين ثلاثا من الشركات الممصرة. وأنا قلت إن جميع هذه الشركات تنضم للقطاع العام.. إننا لن نستطيع أن نجعل الرأسماليين يزيدون تحكمهم.. وعندما بدأنا في التصنيع, ماذا كان دورهم في التصنيع؟ باستمرار كل كلامهم إن رأس المال خايف.. رأس المال كاشش, رأس المال جبان.. وطبعا من رأس المال؟ هم.. هم يريدون ان نترك لهم كل شئ.. إذن كيف نطمئن ونحن ثورة؟!.. سعر الجنيه كان ينزل في الخارج, لأنهم هم الذين كانوا يهربون الأموال!.. وكان الغرض من هذا الكلام أن نخاف, وأن نلقي اليهم بمقاليد الأمور! من كل ماسبق يتضح ان المعركة من أول يوم لثورة 23 يوليو مع الرجعية المصرية هي معركة فيها شد وجذب, وفيها صراع طبقي, والكلام مازال لجمال عبدالناصر.. أنا من أول ما نشأت في هذا البلد وأنا طالب, شاعر إن فيه صراع طبقي. لأنه كان هناك ظلم اجتماعي, وكانت هناك طبقة تسود وتتحكم.. بعد تراجع الاستعمار في عام 1957, وإنتصار الثورة السياسية بجلاء الإنجليز, واستعادة قناة السويس, كان من الطبيعي أن ننتقل إلي المرحلة الثانية, وهي الثورة الاجتماعية فالحرية الاجتماعية كانت تعني أن يكون للمواطن الحق في نصيب من ثروة وطنه, طبقا لجهده الخاص. فماذا فعلت الرجعية؟! أقلمت نفسها, خصوصا بعد أن أعلنا تكوين الاتحاد القومي.. وأن هناك صراعا طبقيا, ولكن لانريد أن نحل هذا الصراع بالعنف ولابالقوة ولابالدم, وإنما نحله داخل الاتحاد القومي. بعد 1957 رفع الرجعيون يفط الاشتراكية.. وبدأ بعد ذلك الانحراف في قطاع الصناعة والتجارة والمقاولات, ووصل الأمر الي حد التخريب, بالرشاوي ففي سنة 1960 الثورة بدأت تتعثر, الرأسمالية المستغلة بدأت تنفذ, وبدأت تتسرب وتتسلل الي الحكم.. يعني تقريبا أنا في يوم من الأيام قلت: ان الرجعية والرأسمالية المستغلة بدأت تسرق الثورة! لقد كانت متصدرة في الاتحاد القومي, وفي التجارة, وفي الأرباح. وبالطبع اشتد عداء الرجعية للثورة بعد القوانين الاشتراكية في 1963,1961 وكانت حربا خفية عليها. ما الهدف من إثارة تاريخ ثورة23 يوليو الآن؟ ان قيمة التاريخ هي في استشراف المستقبل وألا نقع في أخطاء الماضي, وأن نختصر الوقت في مراحل الثورة السياسية والاجتماعية, بألا نتبع منهج التجربة والخطأ. كل ما أردت ان أذكر به, أنه يوجد في مصر الآن صراع طبقي ليس أقل ضراوة مما كان في عام 1952 وما بعدها, بل بالعكس إنه أشد تدميرا لاختلاف عوامل الصراع عن الحقبة الأولي, من زيادة السكان, وارتفاع نسبة الفقر فيما بينهم الي 41% وازدياد الوعي الشعبي بهذا الصراع, في ظل التقدم في أجهزة الاعلام المرئي المحلي والدولي, وإتاحته للجميع. إن كل هدفي هنا هو تأكيد خطورة الصراع الطبقي, والتحذير من الرجعية المصرية التي استمدت القوة في عهدي السادات ومبارك, نتيجة للجمع بين المال والسلطة, وتلونت بكل لون. إنني أدعو الي البدء فورا في تنفيذ الثورة الاجتماعية, فقد مضي أكثر من عام علي ثورة 25 يناير ولم يحصل الشعب بعد علي أي مكسب! وفي نفس الوقت ينبغي ان تضع القيادة السياسية خطة لحل هذا الصراع الطبقي بطريقة سلمية, فهو قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار والأمن في بلدنا. المزيد من مقالات د. هدى عبد الناصر