هل يليق بالدكتور فاروق الباز «القادم من أمريكا» أن يتبرع بعشرة آلاف دولار فقط لصندوق «تحيا مصر» ؟ وأين «يكتنز» المليارات التى جمعها على مدى عشرات السنين من العمل فى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ثم فى مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن ومن محاضراته فى العديد من مراكز الابحاث والجامعات حول العالم؟ سؤال مشروع تردد على مواقع النميمة، وطرحته على الدكتور فاروق الباز منذ شهور ثم قلت له منذ أيام إن صندوق تحيا مصر صار الآن شريان حياة لمشروعات تنموية فى القرى والأحياء تتكلف عشرات الملايين وآخرها مائة مليون جنيه منحها الرئيس لعمال الشركات المتعثرة وكان بوسعك أن تجعل هذا الرقم بالملايين لتكسب صيتا وتلهث خلفك عشرات الفضائيات مقابل تعليق أو تصريح ، وكان فى يقينى أنه ينافس بعض رجال الأعمال الذين تبرعوا بالملايين ، وأتبعوا ما أعلنوه بأطنان من المن والأذى فى فضائياتهم، كما تمتعوا بالإعفاءات الضريبية أو استمرار الهروب من الضرائب، بعضهم رفع قضية لاسترداد ما دفعه من ضرائب للدولة، وكان بوسع العالم المرموق أن يطلب هذا المبلغ من أى جهة أو مؤسسة أو شركة، وأعرف عشرات القنوات الفضائية وضعت رهن إشارته شيكا على بياض مقابل الظهور على شاشاتها ولو مرة كل أسبوع ، وبعض الشركات حول العالم وضعت رهن إشارته طائرة خاصة مقابل زيارة لها لالتقاط صورة مع رئيس وزرائها واستعمال منتجات شركاته أو إشادة بنشاطه أو سياسته. لكن الرجل لم ولن يفعل لسبب بسيط وواضح شرحه لى: اننى كرست كل جهودى وما أفهم فيه لأبقى جديرا بلقب «المواطن المصرى الصالح» الذى منحته لى محافظة الدقهلية منذ أكثر من 30 سنة، وهو وإن كان يحمل الجنسية الأمريكية تقديرا لفضله فى برنامج الفضاء الذى تقوم به وكالة ناسا وعلى نهضة البحث العلمى هناك، إلا أنه لا ينسى أنه مواطن مصرى، وخلال ندوة الأهرام الأخيرة سأله أحد الشباب إن كان النظام التعليمى الموجود فى أمريكا سببا فى نبوغه، فقاطعة الدكتور فاروق الباز قائلا إنه مدين بالفضل للتعليم المجانى فى المدارس المصرية وجامعة عين شمس التى تخرج فيها والتى أهلته لأرفع المناصب العلمية فى أمريكا، والدكتور الباز يشعر بمسؤلية لأن الملايين من شباب مصر يعتبرونه المثل والقدوة، ومرات عديدة اتصل به أجده على سفر أو يقيم فى لوكاندة او فندق فى جنوب السودان أو الصومال أو ماليزيا أوتشاد على حسابه الخاص ليتحقق من نتيجة بحث علمى او رسالة دكتوراه أجراه أحد تلامذته فى أى بقعة مصرية بها فرصة للتنمية . غطت الأبحاث التى أجراها بنفسه أو أشرف عليها أو وجه بها أحد تلامذته كل بقاع الوطن، لن أتحدث عن مشروعه العظيم ممر التنمية الذى رفض نسبه اليه قائلا لى: إنه لم يعد مشروعى الآن بل أصبح ملك مصر. وبعيدا عن ممر التنمية غطت بصمات الدكتور فاروق الباز كل البقاع الحيوية فى مصر، آخرها دراسة الدكتوراه التى أعدها الباحث مصطفى أبوبكر بجامعة الأزهر عن الكنز الجوفى المدفون غرب جبل الحلال ويمر بمنطقة السر والقوارير بسيناء ، ومنها مجرى النيل القديم فى كنز سهل الجلابة غرب كوم أمبو الذى توصل إليه الدكتور أحمد جابر وشاركت فيه جامعات بوسطن وتوهوكو فى اليابان.وهو المشروع الذى يضيف مليون فدان كدفعة أولى إلى حصة مصر الزراعية جنوب ممر التنمية ومنها أيضا مشروع وادى قنا الى البحر الأحمر للدكتور محمد عبد الكريم بجامعة جنوب الوادى صاحب الدراسة القيمة عن منابع نهر الكونغو إلى أطراف المصب شمال الدلتا، كما أن الدكتور الباز لايزال لديه الحماس والاستعداد للغوص بحثا وتنقيبا عن كنوز مصر المعدنية فى أعمق طبقة من طبقات الأرض فى صحرائنا الغربية أو باحثا عن مخزون المياه الجوفية من خلال تحليله الصور الجيولوجية الملتقطة لمصر من فوق سطح القمر والسفن الفضائية ، والدكتور الباز فى كل هذه المواقف والأدوار التى يتجاوز عائدها المليارات يؤدى دوره كعالم مصرى يمكن أن تختلف أو تتفق معه لكنه يشعر بفضل وطنه ويحرص على مصالحه ويضع نصب عينيه الحصول على أحب الألقاب إلى نفسه وأشرفها وهو شهادة «المواطن الصالح» فى نظر أهل قريته طوخ الأقلام مركز السنبلاوين والتى منحتها له محافظة الدقهلية ! ورغم معرفتى بعطاءات الدكتور فاروق من فضل الله عليه إلا أن هذا لم يمنعنى من مداعبته بالسؤال الذى سيسأله المئات : أنت مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن وتتبرع بعشرة آلاف دولار.. كيف فكرت فى هذا المبلغ «المتواضع» ، فرد بمثل شعبى مداعبا: يا أخى «كل برغوت على قد دمه»، ثم انا موظف وأستاذ بالجامعة وأعول أسرة من بنات وأحفاد مثل كل المصريين الموجودين بالخارج، وميزة هذا الرقم أنه يستطيع أن ينال شرف التبرع به موظف شاب أو مهندس بدول الخليج أو باحث دكتوراه بجامعة أوروبية، والهدف ليس سباقا على الرقم الكبير لكن إحياء فكرة العطاء ب«اللى تقدر عليه» ، فالرقم الدعائى المرتفع قد يشكل حاجزا للذين لا يستطيعون تجاوزه عكس الرقم البسيط يجدد الفرصة والأمل للمشاركة فى التنمية أمام ملايين المصريين فى الداخل والخارج ويقول لهم إنك تقدر تحب مصر وتعبر عن حبك زى فاروق الباز وأكتر!. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف