كنت في مهرجان افينون في فرنسا وكان عرض باليه رامايا يحظي بإقبال مدهش وكبير.. استمع الي نصيحة صديق مجرب رنت في داخلي.. طالما الطوابير طويلة جدا علي عرض سينمائي او مسرحي ادخل فورا ولا تفكر.. جربتها مع الفيلم الامريكي الشهير يوم الاستقلال ولم اندم.. دخلت قصر الباباوات القديم لأتابع العرض.. ازياء مزركشة صينية واسيوية وحركة بطيئة جدا جدا جدا ونطق عجيب للكلمات من افوه الممثلين.. تحاملت علي نفسي علي مدي اربعين دقيقة ثم قررت الخروج.. تراجعت وقلت انتظر الاستراحة حتي لا احدث جلبة اثناء الخروج.. خرجت وتشاهدت.. ورحت اسأل اصدقائي الفرنسيين لماذا هذا الهوس بعرض يشبه عروض الكابوكي يوم افتتاح الاوبرا المصرية.. قالوا انها حضارة الصمت.. بدون ضد هذه السرعة القاتلة وضد عصر اللهوجة.. هو فن تشريح الزمن. انه عرض جميل لعالم مثالي.. عجبت من التفسير ولكنني تعلمت الصبر علي تذوق فنون الآخر.. وليس في الحياة وحدانية إلا لله.. اما الدنيا من حولنا فهي قائمة علي التعددية.. البولوفونية..وليس اللحن الميلودي المفرد.. والاوروبيون استطاعوا هضم كل المتناقضات.. عشقوا زوربا اليوناني كما صوره نيكوس كازنيتزاكس عفويا تلقائيا يحب الحياة حبا جما ويستمتع بكل مباهجها هكذا ببساطة وهم في المقابل فتنوا بنيتشة المثالي المؤمن بقدرة العقل البشري علي الابداع بلا حدود.. ومن هنا ظهرت نظريته السوبر مان وان الانسان سوبرمان يستطيع ان يفعل المستحيلات وكان نصيحته دائما عش في خطر. الكاتب انس زاهد شغلته هذه الثنائية ايضا فألف كتابه.. هكذا سكت نيتشة.. هكذا تكلم زوربا.. وعقد مقارنة بين الفكر النيتشوي والفكر الزوربي.. فيقول ان الاثنين بلغا من التفوق ما يجعل الحياة بكل جمالها وجلالها تتواري امامهما خجلا لانها اضيق من ان تستوعب طموحات هذا الثنائي الفريد.. يقول نيتشة.. لقد اصبح كل شيء صغيرا.. فإني حيثما اوجه انظاري لا اري غير ابواب خفضت ارتاجها ولابد لمن يعبر ان ينحني.. فمتي اعود الي وطني الفلسفي حتي لا ارغم علي الانحناء امام كل صغير؟!.. وعلي العكس زوربا حاول ان يحقق مشروعه علي الارض فأيهما صح وايهما خطأ وايهما انت؟!.. الفلسفة في مواجهة الفطرة... من يكسب؟.. اذكر مرة في احدي اسفاري جلس الي جانبي في الطائرة مسئول اماراتي..و تطرق الحديث الي مشروع النهضة هناك. وكيف اسسوا الوحدة ثم انطلقوا نحو مشروع التحديث المدهش والسريع.. كيف فعلها البدوي وهو لم يحصل علي درجات الدكتوراه ويدرس فلسفات التقدم وتتوفر لديه تراكمات معرفية عميقة.. ضحك الرجل وقال.. ربما لهذا السبب تقدمنا.. اخذنا الحياة هكذا ببساطة من زوربا فنجحت التجربة.. هل قال الحقيقة؟!.. الآن الفلاسفة ينصحونك باستخدام نظرية المقافزة.. ان نقفز جميعا فوق النظريات والفلسفات والاشكاليات الي افق مفتوح متحرر يطلق خيال العقل.. إذن هي دعوة لتصفير الذاكرة والتخلص من الكراكيب الفكرية قبل التحليق او قبل الرقص مع زوربا أو مع نيتشه. [email protected] المزيد من مقالات جمال الشاعر