كان ومازال هاجسي في البحث عن الحقيقة والبطلان في مسألة ملكية جزيرتي صنافير وتيران، من جهة، تلك الكلمات الخالدة التي سجلها الملك سنوسرت الثالث (1887- 1849 ق. م) في لوحة »سمنة الثانية« عند حلفا علي حدودنا مع السودان، يقول: كلُ ولدٍ أُنجِبُه ويحافظ علي هذه الحدود يكون ابني وأُلحِقُه بنسبي، وأما من يتخلي عنها ولا يحارب دفاعا عن سلامتها فليس ابني ولم يُولد من ظهري، وقد أَمَرتُ بإقامة تمثالٍ عند هذه الحدود، حتي تحاربوا للمحافظة عليها.. فغني له المصريون: ما أعظمَ اغتباطُ أراضيك، وقد ثبَّتَ حُدودها!! ومن جهة ثانية، ثقتي بغير حدود في وطنية وصدق الرئيس السيسي، الذي سجلت في فترة تردده في الترشح للرئاسة تأييدي انتخابه رئيسا، إنطلاقا قبل أي شيء من حقيقة أنه قد سجل اسمه بين أعظم القادة العسكريين من المصريين الوطنيين بدوره الحاسم في اسقاط حكم جماعة الإخوان، الذي هدد بقاء مصر: دولة ووطنا وأمة وهوية؛ كما عرفناها وعرفها العالم بأسره منذ أبدعت الحضارة واكتشفت الضمير. وعلي طريق بحث تعهدت باستكماله بقدر ما يتيح الوقت، أشير، أولا، الي وثيقة لمجلس الأمن تضمنت مناقشاته في 15 فبراير 1954، وعنونها ناشروها: نص وثائق الأممالمتحدة بمصرية مضايق وجزر تيران وصنافير. وقد قرأت الوثيقة، وتبين لي أنها تتضمن مناقشة شكوي اسرائيل من منع مصر عبور سفن اسرائيل من المرور عبر قناة السويس وخليج العقبة ومصادرة ما تراه تهديدا لها من البضائع المتجهة اليها علي سفن غيرها، تطبيقا لمرسوم مقاطعة اسرائيل الذي أصدره الملك فاروق، وتوسعت مصر في تطبيقه بعد ثورة 1952. وفي الوثيقة يؤكد ممثلا مصر- غالب وعزمي- أن الهدنة ليست السلام، وأن مصر قد احتلت الجزيرتين مرة في 1906 مع قطع علاقة مصر بالامبراطورية العثمانية، وأخري بالاتفاق مع السعودية في 1950 في سياق الصراع مع اسرائيل، وردع مطامعها للاستيلاء عليهما. ومع تأكيد احتلال مصر للجزيرتين مع إنهاء علاقة مصر بالامبراطورية العثمانية وترسيم حدود مصر الشرقية معها قبل تأسيس المملكة العربية، يسجل ممثل مصر في مجلس الأمن أن السعودية طالبت بالجزيرتين قبل اتفاقها المذكور مع مصر، أي كانتا متنازعا عليهما؛ رغم احتلالهما وادارتهما وممارسة السيادة عليهما من جانب مصر. لكن الوثيقة لا تثبت مصرية أو سعودية الجزيرتين، ولا تسجل موقفا للأمم المتحدة في هذا الشأن. وثانيا، أن الخرائط الأجنبية التي نشرها ناشطون علي صفحات الفيسبوك تبين موقع جزيرتي تيران وصنافير، لكنها لا تكشف جوهر الحقيقة، التي أبحث عنها، وهي ملكية الجزيرتين. وانطلاقا من تسليمي بقدسية عدم التفريط في أي جزء كبر أو صغر من أرض مصر، انطلقت في البحث من حدودها المعاصرة- بعدما ولي زمن الامبراطوريات والتوسعات المصرية عبر التاريخ: القديم (الفرعوني)، والوسيط (الفاطمي والأيوبي والمملوكي)، والحديث (محمد علي). ورأيت أن المرجعية في حسم الالتباس ليست في حروب مصر لمنع مرور اسرائيل عبر مضيق تيران، وإنما: للوثائق الرسمية ذات الصلة وخاصة المصرية، ومدي توافق تعيين حدود المياه الاقليمية في مضيق تيران مع الاتفاقيات الدولية وقانون البحار، وما سجله كبار أساتذة القانون الدولي المصريون، بجانب ما سجله من هم موضع ثقة الأمة المصرية من كبار المفكرين والباحثين والسياسيين والعسكريين والدبلوماسيين من الوطنيين المصريين. وأكتفي هنا بشهادة الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية، وهو من معارضي النظام ويقينا ليس مواليا له، يقول: فقط لتوضيح الحقائق وليس لتبييض وجه الحكومة، التي كانت إدارتها لملف جزيرتي تيران وصنافير تتسم بالإستهانة البالغة بالرأي العام، ويبرز أن الدكتور حامد سلطان- وهو أستاذ أساتذة القانون الدولي العام المصريين- في كتابه العمدة القانون الدولي العام في وقت السلم، الصادر عام 1961، في الفقرة 730 بصفحة 635 قد سجل بالنص: (أنه ويوجد عند كتفي الخليج، عند مدخله جنوبا، أرخبيل صغير يشتمل علي عدد من الجزر الصخرية الصغيرة يبلغ نحو 30 جزيرة كانت كلها تابعة للمملكة العربية السعودية)، ذاكرا في هامش الصفحة أن منها تيران وصنافير. ثم سجل في الفقرة 737 بصفحة 643 اتفاق السلطات المصرية والسعودية علي أن تقوم مصر باحتلال الجزيرتين، وذلك عقب احتلال إسرائيل لأم رشراش التي كانت واقعة تحت السيطرة الأردنية واحتلتها إسرائيل في وقت الهدنة، وهي التي أصبحت ميناء إيلات فيما بعد. وثالثا، فيما سمي بجمعة الأرض والعرض، التي شارك فيها وطنيون لا تحركهم أجندة مصلحية أو كراهية النظام، لكن الصوت الأعلي كان للمزايدين والمعارضين من كل لون ومن احتكروا لأنفسهم صفة الثوريين، واختلط الحابل بالنابل كما تقول العرب. لكن الأدهي كان إعلان جماعة الإخوان مشاركتها في المظاهرات التي دعا إليها النشطاء احتجاجا علي إعلان الحكومة أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان داخل المياه الإقليمية للسعودية.. وقالت الجماعة الفاشية التكفيرية في بيان لها: نحن أمام مجموعة من المجرمين الذين يرتكبون أكبر عملية بيع لتاريخ وأرض وعرض مصر!! وقد حان وقت الاتحاد والعمل المشترك لإزاحتهم وإنقاذ مصر!! وليكن يوم الجمعة بداية لشرارة غضب جديد وحقيقي متصاعد لا يوقفه شيء سوي (تحرير مصر)!! وكتبت علي صفحتي بالفيس بوك أدعو لأن يتذكر المدافعون عن مصرية تيران وصنافير- وبينهم وطنيون دون ريب- أنهم إن اصطفوا مع جماعة الإخوان الإرهابية لن يخدموا سوي أجندة (تخريب مصر): غاية الجماعة الخائنة والمجرمة والعميلة والمنافقة، التي هدد مشروعها ولا يزال- فكرا وعملا- وجود مصر: وطنا ودولة وأمة وهوية. ولأول مرة تصرفت وزارة الداخلية- ,اظن أن هذا بتوجيه من القيادة السياسية- بحكمة مع المظاهرات، ولم تلجأ الي عنف مفرط، وأفرجت عمن ألقي القبض عليهم من المتظاهرين، وقد مر اليوم بسلام يؤكد ضرورة تعديل قانون تأميم الحق في التظاهر. وللحديث بقية. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم