متحدث الحكومة يوضح مهام لجنة الأزمات: التعامل مع أي تداعيات اقتصادية واتخاذ القرارات    توافق مصري تونسي حول أهمية العمل المشترك على وقف التصعيد في المنطقة    نتنياهو: الهجمات الإسرائيلية أرجعت البرنامج النووي الإيراني للوراء لفترة طويلة جدا جدا    رضا شحاته مديرا فنيا ل كهرباء الإسماعيلية    إغلاق مركز حضّانات و4 معامل تحاليل غير مرخصة في بني سويف    شوهته بموس.. مراهقة تُنهي حياة شقيقها الطفل في الدقهلية    ملك قورة تخطف الأنظار أثناء قضاء إجازة الصيف.. والجمهور يغازلها    بعرض خاص بمدينة 6 أكتوبر.. صناع فيلم في عز الضهر يحتفلون بإطلاق الفيلم وسط حضور فني واسع    موعد انطلاق فعاليات «أسبوع الشفاء» في المنيا (تفاصيل)    إيران: إحالة 28 متهمًا في 15 قضية متصلة بإسرائيل إلى النيابة العامة    ليتوانيا تبدأ إجلاء مواطنيها من إسرائيل برًا مع تصاعد التوترات مع إيران    القومي للمرأة ينظم لقاء تنسيقي مع محافظة القاهرة    ذكريات تترات الدراما المصرية تشعل مشاعر الحنين فى حفل كامل العدد بالأوبرا    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على محاولات إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني    بالصور.. تنفيذ إزالة على الرقعة الزراعية بقرية تفهنا العزب بزفتى    بعد العيد.. 5 مشروبات طبيعية تساعدك على استعادة رشاقتك بطريقة صحية    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بنقابة المنوفية.. ويطالبهم بالتسلح بالفكر والعلم    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    «فيفا» يوجه رسالة جديدة للأهلي وإنتر ميامي بمناسبة افتتاح المونديال    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. البلطي ب 80 جنيها    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    هل يلتقي ترامب ب زيلينسكي على هامش قمة مجموعة السبع في كندا؟    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    إمام عاشور: ما حدث ليس غريبا على بيتي الأهلي.. وسأعود أقوى    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرآة عارف
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 05 - 2012

وجاءت نورا‏,‏ مشرقة كبدر‏,‏ بفستانها الأزرق الخفيف‏,‏ المزين من أسفل بورود برتقالية تهفهف علي ساقيها كلما تحركت‏,‏ وأمها تجري وراءها بالمشط لتهذب من خصلاتها التي لا تستقر علي حال‏.‏ ورغم اختلافنا المطلق, كنت أحب نورا, وكانت تحبني كذلك, ولم أكن أخبر أحدا أني أحل لها واجب النحو والبلاغة من وراء أهلها.. جذبتني إلي الحجرة, وسمعت صياح زوجة خالي: يا مريم حرام عليك.. ألن تستبدلي بحذائك المطاطي هذا حذاء بناتيا أبدا ؟ صحت من وراء كتف نورا: ولكن هذا مريح أكثر يا خالة.
لم أكن واثقة من أنها سمعت كلماتي الأخيرة, فقد اختفينا في قلب الحجرة, والتي تحولت إلي ما يشبه الحلم.
كان أمجد شقيق نورا فنانا بحق, بلمسات بسيطة بفرشاته الذهبية غير شكل الجدران, علق الزينة والأنوار بمهارة فوجدنا أنفسنا فجأة في قلب شمس.
- لو أهداني أمجد المرآة لأحببته أولا, ولكنه لم يتحرك من مكانه كشقيق لنورا وكحامل فرشاته الذهبية أبدا.
توافد المدعوون وتصاعدت الموسيقي وبدأ الجميع يتضاحكون ويتراقصون.
ووقفت بجوار المائدة مثل خشبة, أرقب نورا كي لا تطوح التورتة بحركة مفاجئة في لحظة تجل.
لا أدري ماذا تمنت حين أغمضت عينيها وتمتمت بما يشبه الصلاة قبل أن تطفئ الشمع, بدت كأنها راحت من الدنيا, راحت ورجعت في لحظة, وبدأت توزع المأكولات والنكات, وأمها تطاردها بالمنديل والمشط.
وضعت طبقي علي طرف المائدة, وأشارت إلي نورا من بعيد, ولم أفهم إشارتها.. فمد عارف يده بهدوء وأخرج مرآته وناولني إياها مشيرا لقطعة الكريمة علي ذقني, ارتجفت يدي وأنا أمسحها, ناولته المرآة شاكرة ولكنه ردها إلي مبتسما: خليها معك من باب الاحتياط.
كان عارف صديقا لأمجد, ولم أكن رأيته من قبل.
فجأة صدحت أغنية شعبية معروفة فقفز من جواري, لف خصره بوشاح أخضر وراح يرقص مثل البنات, بالغ في تقليد حركات الراقصات الشرقيات ومال برأسه مرارا علي كتف أمجد وسط ضحك وتصفيق الجميع.
لم أجرؤ علي التصفيق, فالمشهد لم يعجب أبي بتاتا, ولولا خوفه من غضب خالي لجرني من يدي ومشينا فورا, وكنت أعرف أن هذا ما سيفعله علي أي حال ولكنه فقط في انتظار اللحظة المناسبة.
استقرت مرآة عارف في كفي, ومشيت.. كف مع عارف وكف في يد أبي حتي وصلنا للبيت, لتستقر المرآة في الدرج..
أصحو من نومي مرارا وأتحقق من نوم أبي لأفتح نور غرفتي, وأطيل النظر إليها بحوافها المذهبة وبريقها الفريد, ثم أرفعها ببطء أمام وجهي فأراني, ويا للعجب, جميلة فيها.. نعم, بوجهي المدور وبشرتي الصافية وشعري المنسدل الناعم والأنيق رغم قصره, عيناي.. هاتان عيناي, برموشهما السوداء الطويلة وحدقتيهما اللامعتين, هذان هما حاجباي الخفيفان, وذاك هو فمي.. وردي وصغير ومنمنم.. مرآتك يا عارف سحرية.. ساحرة وشريرة, تريني الأشياء علي غير حقيقتها.
مرآتي يا عارف غيرها تماما, تنقلت في أكثر من حجرة ثم استقررت في حجرتي. كتراث باق من غرفة نوم أمي احترمتها تماما ووثقت بها, وثقت أن بشرتي سمراء متجعدة ومليئة بالشوائب, وأن عيني صغيرتان للغاية تحيطهما الهالات السوداء. فمي لم أكن أستطيع رؤيته بوضوح بسبب الخط الأسمر الممتد بعرض المرآة في مكانه تماما, ينبغي أن أثني ركبتي أو أشب عاليا لأري فمي, ولم أكن أفعل لأنني لم أر داعيا لذلك. في لمحة سريعة أطمئن أن ملابسي لا بأس بها وأن شعري ليس مهوشا تماما, لم تكن هناك مرآة أخري في البيت لأتحقق من أي شيء.. مرآة الحمام كانت عالية جدا بالنسبة لي, وضعت فقط ليحلق فيها أبي ذقنه بانتظام عسكري كل صباح.
في بيت خالي مرآة الحمام كانت منخفضة لكن الإضاءة كانت خافتة جدا, كنت أعجب بشكلي فيها وأرجع ذلك لغموض الإضاءة القادر علي إخفاء العيوب..
مرآة حجرة نورا كانت لنورا.. يكفي أن تشرق هي فيها وأشاهدها أنا.
كنت أسلي نفسي بحكاية قرأتها قديما عن البنت التي كانت تحب النظر لنفسها في المرآة, وتمنت أن تملك مرآة أكبر لتري نفسها أكثر وأكثر, فاستجابت المرآة المسحورة لطلبها وظلت تتمدد وتتمدد حتي غطت الجدران وأغلقت النوافذ والباب, وحبست البنت الصغيرة في الظلام غير قادرة علي رؤية أي شيء لتعود وتندم وتكره كل المرايا..
اكتفيت بجدراني وبابي ونافذتي حتي أتت مرآتك أنت يا عارف لتدير لي رأسي.. تستقر أمامي كمارد صغير, توسوس لي, تخرج لسانها لمرآتي, ولا أعرف أيهما أصدق.
ظل عارف ومرآته رفيقي خيالاتي لفترة طويلة, حتي بعد أن انتقلنا أنا ونورا للكلية, واستبدلت بحذائي المطاطي آخر ذا كعب صغير, وسمحت لخصلاتي أن تطول قليلا, كما سمحت لأذني أن تستقبلا همسات الإعجاب العابرة في الطريق..
كنت ونورا نقضي الدقائق الطويلة في حمام الكلية, نعدل مكياجنا وملابسنا, وكنت قد تعلمت أن أبادل الآخرين نظرة بنظرة, وكلمة بعشرة, وأن أضحك حين أريد أن أضحك, ولا أخبئ فمي بكفي أبدا.
ظلت مرآة عارف معي حتي بعد أن أحببت أحمد في الكلية, وأثناء خطبتي للمهندس أشرف والتي لم تدم سوي ثلاثة أشهر..
وظلت معي حتي زواجي من محمود, وقبعت ببراءة في درج التسريحة في غرفة نومي ولم تفضح لي سرا..
الآن أجري وراء ابنتي هدير بالمشط لأهذب لها خصلاتها المتطايرة, ابنتي اسمها هدير وفي حجرتها ثلاث مرايا.. واحدة طويلة واثنتان مدورتان, وهي تقاتل باستماتة منذ سنتين كي تضيف إليها مرآة أخري صغيرة بإطار مذهب, تستقر في درجي ولن تمسها يدها أبدا ما دمت علي قيد الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.