وسط إنشغال العالم العربي بما يحدث في سوريا, ومنطقة العباسية بوسط القاهرة مرت في هدوء شديد الذكري الرابعة عشر للشاعر الكبير نزار قباني وبالتحديد يوم30 إبريل الماضي, ورغم مرور هذه السنوات مازالت كلماته مضيئة بدواوينه, وإشعاعا يدخل القلوب والعقول والبيوت من دون إستئذان, عبر أصوات المطربيين والمطربات, لقد كتب قصائد ورود, وقصائد سيوف, كتب أشعارا أقامت الوطن العربي ولم تقعده, وقصائد تنادت بها العيون والشفاه. وطوال مشواره لم يكتب قصيدة لتغني عبر صوت مطرب أو مطربة, ولم يطلب من أحد أن يلحن له قصيدة, كان يبدع فقط, رغم علمه أن القصيدة المغناة هي الأبقي والأسرع في الوصول إلي الملايين, لهذا سعد كثيرا عندما اكتشف أشعاره الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب في منتصف الستينات ولحن له قصيدته الرائعة أيظن التي غنتها مطربتنا العظيمة نجاة الصغيرة,ويومها كان شاعرنا الراحل يعمل دبلوماسيا في السفارة السورية في بكين عاصمة الصين, وفي اللحظة التي كان فيها الملايين من المحيط إلي الخليج يستمتعون بلحن عبدالوهاب البديع وكلمات نزار الرائعة وشدو نجاة الساحر, كان نزار يتلهف شوقا إلي سماع صوت مولوده الغنائي الأول, فآتي براديو ومضي يقلب بالمؤشر علي كل المحطات عله يفلح في العثور علي إذاعة القاهرة لكنه لم يفلح, ومرت الأيام والشهور وعندما أستمع تنهد بعمق وقال الآن أشعر أنني داخل كل القلوب والبيوت العربية لقد دخلت كلماتي كل حجرة عربية من خلال صوت نجاة ولحن عبدالوهاب وبعد النجاح الساحق لقصيدة أيظن أصبحت أشعاره مشاعا لكل المطربيين فغنت له أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ, وعندما حدثت النكسة عام1967 كتب قصيدته الرائعة القدس التي يقول مطلعها: بكيت حتي إنتهت الدموع, صليت حتي ذابت الشموع ركعت حتي ملني الركوع, سألت عن محمد فيك وعن يسوع يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء, يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء يا قدس يا منارة الشرائع, يا طفلة جميلة محروقة الأصابع يا واحة ظليلة مر بها الرسول, حزينة حجارة الشوارع حزينة مآذن الجوامع, يا قدس يا جميلة تلتف بالسواد.... وما إن نشرت القصيدة حتي أعجبت عبدالحليم حافظ, وطلب من صديقه الملحن محمد الموجي تلحينها, وخلال أيام قليلة إنتهي الموجي من تلحينها وسجلها عبدالحليم حافظ, وفي نفس الوقت نالت القصيدة إعجاب الفنانة الكبيرة شادية فأسرعت بكلماتها إلي الموسيقار الكبير رياض السنباطي لتلحينها وبالفعل لحنها وسجلتها شادية, وعندما علم عبدالحليم بهذا وحبا في شادية التي كان يعتبرها وش السعد عليه ومثل أخته ف لم يفرج عن القصيدة, ونفس الأمر فعلته شادية وحبست القصيدة في درج مكتبها ولم تخرجها,لأنها لا تقل جدعنة ولا شهامة عن عبدالحليم, وأيضا لأن قانون حق المؤلف يمنع تلحين كلمات الأغنية الواحدة بلحنين مختلفين. وتمر الأيام والشهور والسنون وبحسها الوطني تأتي المطربة لطيفة وتعيد إكتشاف هذه القصيدة الجوهرة وتعهد بها إلي المطرب والملحن كاظم الساهر ليلحنها وتقدمها بصوتها بعد35 عاما من نشرها.