بنايات مرتفعة وناطحات سحاب على أحدث طراز، وسائل مواصلات وقطارات سريعة ومعالم الحضارة تبدو فى كل مظاهر المدينة، يكفى فقط كتابة كلمة «هيروشيما الأن» فى محرك البحث على الإنترنت وستشاهد صورا لمدينة يابانية لن تتخيل أنها تعرضت فى يوم من الأيام لقنبلة نووية تم إلقاؤها من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية أخفت المدينة فى لحظات, فقوة الإنفجار وحدها قتلت فى الحال أكثر من 70 ألف شخص، وقبل نهاية تلك السنة كان أكثر من 140 ألف من سكان هيروشيما قد لقوا حتفهم جراء الإشعاع الذري, ناهيك عن المشوهين والمرضي. «واجبنا تكريس كل جهودنا لتجنب الحروب أيا كان شكلها» هذا ما كتبه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى سجل الزائرين فى متحف هيروشيما الذى يحوى تخليدا ضخما لهذه الكارثة, والذى قام كيرى بزيارته فى إطار إستضافة اليابان وللمرة الأولى لإجتماع وزراء خارجية دول مجموعة السبع, دعوا فيها إلى عالم بلا أسلحة نووية, ورغم أن الزيارة وصفت ب "التاريخية" كونها أول زيارة لوزير خارجية أمريكى للمدينة, غير أن اليابانيين لم يستطيعوا الحصول على إعتذار رسمى عن هذه الكارثة كما كانوا يأملون.غير أن 71 عاما كانت كفيلة لهيروشيما بإبهار العالم, فالمدينةاليابانية ترقى أصولها إلى عام 1589 عندما شيد الاقطاعى مورى تروموتو قصرا على الدلتا الواسعة لنهر أوتا، ومن هنا جاء اسم هيروشيما (هيرو تعنى الواسع وشيما تعنى الجزيرة), وكما تستطيع «الجزيرة الواسعة» التى تعبرها ستة أنهر ويصلها بحر داخلى بمدينة أوساكا المزدهرة، أن تتباهى بماضيها التجارى العريق, فقد كانت تحتضن صناعات ثقيلة ومركزا عسكريا استراتيجيا خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية، تستطيع أيضا التباهى بأنها أصبحت من أهم وجهات السياحة العالمية, حيث يزورها الملايين سنويا, لكن أبدا لم تكن المهمة سهلة على الشعب اليابانى فى تجاوز أزمته الشاقة, فالبناء بدأ فى الأيام التالية للإنفجار, حيث بدأت عمليات جمع الجثث وحرقها ثم بدأت عملية أكثر صعوبة فى القيام بتنظيف آثار الحطام والركام الناتج من المبانى المحطمة. كان على اليابانيين أن يقوموا بعملية تنظيف لمساحة تبلغ حوالى 2٫4 مليون متر مربع وتم هذا بالفعل على مدى أربع سنوات كاملة. بعد هذا بدأت الحياة تعود للمدينة، بشكل متقطع لكن ببطء شديد ولتسيطر على غالبية السكان مشاعر الانتقام. من هنا فإن التحدى فى إعادة بناء المدينة لم يكن فقط من الناحية الفيزيائية كالمبانى والمنشآت والمساكن، ولكن من الناحية النفسية والعاطفية أيضا. كيف يمكن إزالة المشاعر السلبية للسكان وسط كل مشاعر الغضب والصدمة وتحويلها لمشاعر إيجابية تعيد بناء المدينة من جديد؟ كان من المهم جدا لدى اليابانيون توثيق تلك الفترة فى متحف هيروشيما التذكارى للسلام والذى يعتبر أهم مَعلم من معالم المدينة, على الزائر أن يكون متماسكا لهول مايرى، سيرى عرضا سينمائيا للمدينة قبل القصف الذري، عمال يذهبون إلى المعامل وموظفون إلى مكاتبهم وطلبة إلى معاهدهم وأطفال تدفعهم أمهاتهم بالعربات, ثم تتغير الصورة رأسا على عقب، خراب ودمار وقتلى مشوهون وحيوانات نافقة ومصانع مهدمة ولسان بشرى قد اندلق من فم صاحبه! ثانى أهم معالم المدينة هو نصب السلام ويطلق علية "القبر الخاوي" حيث سجلت أسماء الضحايا وفى كل صباح يُبدل إكليل الزهور بأخر، هذا النصب أصبح الجاذب الأبرز لأعداد كبيرة من السياح كل عام وصل عددهم تقريبا إلى 363 مليون زائر عام 2014, النصب التذكارى الذى شيده اليابانيين عام 1954 إعتبرته منظمة اليونسكو إحدى مواقع التراث العالمي, المدهش فى الأمر أن غالبية هؤلاء الزوار كانوا من الأمريكيين يليهم الأستراليون ثم الصينيين, ثم خلف النصب هناك الشعلة المتوهجة للسلام. أما بناية القبة فهى فى الحقيقة قبة القنبلة الذرية, وهى أكثر معلم باق يشير إلى حجم المأساة التى طالت المدينة بتدشين أول قنبلة ذرية سقطت بالقرب منها. صمم هذه البناية معمار تشيكى فى عام 1915، والبناية تحفة معمارية، صمد الهيكل الصخرى وكل ما عداه دمِّر، وبقى هيكل لقبة البناية يمنع الدخول إليها لمخاطر الإشعاع! مدينة هيروشيما حاليا تعد مركزا صناعيا هاما, فالبضائع الواردة من المدينة لا تتوقف عبر مطارها الدولى ومينائها الكبير, تتمثل أبرز الصناعات فى هيروشيما فى صناعة الصلب والسيارات والمطاط والكيماويات والسفن وآلات النقل. كل هذه الأمور أدت إلى جذب الكثير من الاستثمارات والأعمال إلى المدينة خصوصا وأن تكاليف بدء عمل ما فى هيروشيما يقل عن مثيلاتها من المدن اليابانية الكبرى الأخرى. هيروشيما الأن تبدو تماما مثل شجرة الصفصاف, تلك الشجرة الوحيدة التى نجت من القنبلة الذرية, فرغم أنها كانت قريبة جدا من مركز الإنفجار وقت إلقاء القنبلة, وعلى الرغم من سقوط الشجرة بسبب الإنفجار إلا أن جذورها قد نجت وترعرعت براعم جديدة فى قاعدتها, لقد نهضت من الرماد.