أحمد شمس الدين الحجاجي واحد من الرعيل الثاني من دارسي الأدب الشعبي في العالم العربي. وبقدر ما ينتمي إلي أبناء جيله، بمعاصرته – عمريا– لهم، فإنه يُعد نموذجا مختلفا عن كثيرين منهم في الطريق الذي اختاره لنفسه، علي نحو يجعلنا نصنفه في دائرة العلماء الموسوعيين، الذين لم يتوقفوا عند حدود تخصصهم الدقيق « المُقدَّر » لهم. فالحجاجي بدأ حياته العلمية دارسا مسرحيا خالصا، فكان عنوان رسالته للماجستير عام ( 1965 ) «النقد المسرحي في مصر في الفترة (1876-1923) »، و رسالته للدكتوراه « الأسطورة في المسرح المصري المعاصر » عام (1973). ولا نعرف أهي الميول الشخصية التي دفعت الحجاجي إلي خوض الكتابة في مجالات معرفية أخري؟ أم أن التخصص ( المسرح.. ذلك العلم البيني الذي يتشابك مع مجالات معرفية أخري) هو الذي دفعه للكتابة في المجالات الأخري؟، ففي الماجستير تشابك المسرح مع النقد مع الدراسة التاريخية، في حين تشابك المسرح في الدكتوراه مع علم الأساطير « Mythology ». وأغلب الظن أنْ العاملين توفرا له: رغبته هو شخصيا في هذا، ومساعدة التخصص له، لتحقيق طموحاته العلمية، وتنويع إنتاجه، الذي اتسع لمجالات متعددة. لهذا اتجه الحجاجي في 1976 لدراسة الأدب الشعبي، بمحاولته جمع « حكايات الأشباح والأرواح » من مدينة الأقصر، ثم مبادرته عام 1978 لجمع « الروايات الشفاهية للسيرة الهلالية » من محافظتي قنا وأسوان. وكان هذا أهم مداخله – فيما بعد – للكتابة في الأدب الشعبي، وتخصصه فيه لاحقا. وبجانب هذا نقد الرواية العربية، فكتب عن الطيب صالح، ويحيي حقي، وغيرهما. وكانت القضية المحورية الأساسية التي احتلت جزءا كبيرا من مساهماته تأصيل الأنواع الأدبية العربية. مثل المسرح، بالاعتماد علي الجذور الشعبية العربية، التي مثلتها فنون خيال الظل، والقراقوز، وصندوق الدنيا، وغيرها. وتأصيله للرواية العربية حيث يراها نبتت نتيجة لحاجة اجتماعية ملحة، ودفعت كتابنا لتأمل تراثنا النثري (الرسمي منه والشعبي )، مثل المقامات والرسائل والأخبار والقص الشعبي (القصير منه والطويل ). والمتأمل لكتابات الحجاجي النقدية والإبداعية سيلحظ اهتمامه بتأصيل المسرح والرواية والشعر استنادا إلي الأدب الشعبي بمفهومه القديم. وهو محور يرتكز علي قاعدتين أساسيتين، هما الأسطورة والسيرة، ويؤكد ذلك دراساته التي ترتكز علي هذا الأصل واتخاذ الأساطير أو السير مادة للدراسة تارة، أو من العناوين تارة أخري، حيث نجد «الأسطورة في المسرح المصري المعاصر»، و«انسلاخ الشعر من الأسطورة »، و « الأسطورة والشعر العربي»، و «الطيب صالح: صانع الأسطورة»، و« قنديل أم هاشم بين العلم والأسطورة »، و« مولد البطل في السيرة الشعبية »، و«النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية »، و« مولد البطل بين الرواية والسيرة الشعبية»، و«سيرة الشيخ نور الدين». وفي دراسته للسير الشعبية في كتابيه « مولد البطل» أو « النبوءة »، وفى مقالاته، تتضح قيمة محاولته في زوايا عدة، منها انتقاله بدراساته من مرحلة التعميم في السير الشعبية، إلي التخصيص. فدراساته اهتمت بمراحل معينة من حياة البطل الشعبي، كالمواليد وقدر البطل أو نبوءته، واهتمت تارة أخري بدراسة شخصيات مثل « الزناتي خليفة »، أو دراسة قضايا السيرة مثل روايتها أو دراسة مقارنة لها تارة ثالثة. وتجسد هذا التخصيص في دراسة السيرة بعد أن كانت الدراسات السيرية تنطلق من دراسة السير دراسة تاريخية أو فنية، أو تتناول دراسة شخصية البطل في كل مراحلها.وحاول الحجاجي عبر دراسته « مولد البطل » صياغة قانون عام للسير الشعبية، بدأها بدراسة مرحلة الميلاد، وتعرفه علي القوانين والعناصر الخاصة بها، وهو ما صرح به في مقدمة كتابه « النبوءة أو قدر البطل ». ومحاولته هذه لصياغة قانون عام للسيرة الشعبية العربية كانت في سبيل التوصل إلي الخصائص الفنية التي تميز السيرة الشعبية بوصفها نوعا أدبيا. ومحاولته هذه علي درجة كبيرة من الأهمية، ربما تتوازي مع محاولة الدنماركي «أكسل أولريك» في بحثه عن «القوانين الملحمية» الغربية. وفتح الحجاجي المجال بدراساته تلك أمام غيره من الباحثين ليخوضوا معترك الكتابة في هذا المجال.