يعتقد بعض البسطاء من المسلمين أن دين الإسلام قائم علي أداء شعائر تنحصر في الصلاة والصيام والزكاة والحج فقط, ولكننا نلفت الانتباه إلي أن هناك ركائز وأسس أخري يقوم عليها هذا الدين, ويأتي التفكر والتدبر في كون الله العظيم وبما به من مخلوقات وموجودات في مقدمة هذه الأسس, حتي بلغت الآيات التي تدعو الي التفكر والتدبر في كون الله ومخلوقاته عشرين آية في القرآن الكريم, منها قوله تعالي في سورة البقرة: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون البقرة219 وكذلك قوله: هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون الأنعام50. من فضل الله تعالي ونعمه التي لا تحصي علي عباده المؤمنين أن دعاهم إلي التدبر و التفكر في الكون العجيب ومخلوقاته وما تحويه من آيات وصور متباينة الألوان والأشكال دالة علي قدرة الله العظيمة. وتعد الألوان والأصباغ. نموذج من بدائع التكوين, ويعتبر عنصر الجمال في كون الله وتنسيقه وبديع صنعه يبدو للمتدبر فيه مقصودا في تصميم هذا الكون وتنسيقه, فمن كمال هذا الجمال أن وظائف الأشياء تؤدي عن طريق جمالها.. فهذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح منها.. ووظيفة النحل والفراش بالقياس إلي الزهرة هي القيام بنقل اللقاح لتنشأ الثمار. وهكذا تؤدي الزهرة وظيفتها عن طريق جمال ألوانها الزاهية البديعة.. وفي سورة فاطر تصوير جميل وبديع عن قدرة الله تعالي في بديع مخلوقاته وما تحويه من ألوان جميلة وذلك في قوله تعالي: ألم تر أن الله أنزل من السمآء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها وغرابيب سود28 فاطر.. إنها لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة علي مصدر هذا القرآن, لفتة تطوف في الأرض كلها تتبع فيها الألوان والأصباغ في كل عوالمها: في الثمار وفي الجبال وفي الناس وفي الدواب والأنعام.. لفتة تجمع في كلمات قلائل بين الأحياء وفي غير الأحياء في هذه الأرض جميعا وتدع القلب مأخوذا بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع الكبير الذي يشمل الأرض جميعا.. وتبدأ بإنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات المختلفات الألوان.. فإن أنواع الثمار وألوانها معرض بديع للألوان يعجز عن إبداع جانب واحد منه جميع الرسامين في جميع الأجيال, فما من نوع من الثمار يماثل لونه لون نوع أخر, بل ما من ثمرة واحدة يماثل لونها لون أخواتها من النوع الواحد, فعند التدقيق في أي ثمرتين أختين يبدو شيء من الإختلاف في اللون! وننتقل من ألوان الثمار إلي ألوان الجبال نقلة عجيبة في ظاهرها, ولكنها من ناحية دراسة الألوان تبدو طبيعية, ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها, بل إن فيها أحيانا ما يكون علي شكل بعض الثمار وحجمها كذلك, حتي ما تكاد تفرق به بين الثمار صغيرها وكبيرها ويتبين ذلك في قوله تعالي: و ماذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه ان في ذلك لآيات لقوم يذكرون. واللفتة إلي ألوان الصخور وتعددها وتنوعها داخل اللون الواحد بعد ذكرها الي جانب ألوان الثمار, تهز القلب هزا, وتوقظ فيه حاسة الذوق والجمال العالي التي تنظر الي الجمال نظرة تجريدية فتراه في الصخرة كما تراه في الثمرة علي بعد ما بين طبيعة الصخرة وطبيعة الثمرة, وعلي بعد ما بين وظيفتيهما في تقدير الإنسان, ولكن النظرة الجمالية المجردة تري الجمال وحده عنصرا مشتركا بين هذه وتلك, يستحق النظر والالتفات. ثم ألوان الناس, وهي لا تقف عند الألوان المتميزة العامة لأجناس البشر فكل فرد بعد ذلك متميز اللون بين بني جنسه, بل متميز من توأمه الذي شاركه حملا واحدا في بطن واحدة. وكذلك ألوان الدواب والأنعام, ومن ذلك وصفه جل وعلا للبقرة في سورة البقرة:.. إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين البقرة69, ووصفه تعالي للريح في سورة الروم باللون الأصفر في قوله تعالي ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون الروم آية51 هذا وقد حظي اللون الأخضر في القرآن الكريم بمنزلة طيبة وذلك بإضفائه علي ملابس أصحاب الجنة كما جاء في سورة الرحمن في قوله تعالي: متكئين علي رفرف خضر وعبقري حسان الرحمن آية76 وفي سورة يس: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون. يس آية رقم80 --------- مروة أبو الفضل باحثة بالمركز العربي للدراسات والبحوث