فيما يلي الحلقة الثانية من قصة من وحي الخيال ..الأسماء فيها غير حقيقية ولا المناصب ولا الأحداث ، وهي من ست حلقات. ملخص الحلقة الأولى: شاهدته شاردا.. صديقي علاء نصر الدين، ذلك الصحفي المرموق، المهندم جدا، الأنيق في غير تكلف، المتزوج، الذي تغير حاله بين يوم وليلة، بعدما كانت الضحكة لا تفارقه صار الحزن ملازما له، وأصبح الشرود صفة ملازمة له، وحينما سألته عن السبب قال: أسماء عاملة الكافيتريا، التي شغفته حبا،ولم يستطع الفكاك من هذا الشعور الذي يحاصره، ويسألني باعتباري صديقا له : هل من حل؟ الحلقة الثانية انت بتقول إيه ياعلاء انت اتجننت ، انت نسيت نفسك ولا نسيت أنك صحفي كبير ..انت نسيت نجلاء وابنك.. اقعد هنا فهمني أسماء مين دي إيه اللي حصلك بالظبط؟. فى يوم من الأيام دخلت مكتبي صباحا كالعادة، رأيتها تقدم قهوتي التي طلبتها من الكافيتريا ..كان حضورها مبهرا فى المكان..كأنه قبسٌ من نور.. كان طاغيا ..وقفت مكاني مشدوها.. استغرقت في النظر إليها..هالني جمالها وهدوء ملامحها..أيقظتني براءة ملامحها.. لم تهتم.. تجنبت النظر نحوي.. تلعثمت..وارتبكت من نظراتي إليها.. فسقط منها فنجان القهوة علي المكتب, ثم بدأت تمسح زجاج مكتبي..هل تصدق أنني مازلت محتفظا بالفوطة ياسمير؟ ليه ياعلاء ؟ لست أخجل منك حينما أصارحك: بأنني أحتفظ بها لأنها من أسماء.. ومنذ هذا الوقت وأنا أفكر فيها.. أشعر أحيانا بالجنون لأنني لم أرها ..وحينما كانت تغيب كان حزني لغيابها يؤلمني.. ولا أعرف من ولا كيف أسأل عنها ....... ظل علاء يتحدث وأنا أستمع بذهول، وكأنه لم يعد يشعر بوجودي معه.. كان يحمل كثيرا من الحنين فتركته يكمل ما بدأه: عارف يا سمير الحنين ؟ أن يعود بك الحنين للجمال فجائز، أن تنغمر معه ذلك الحنينُ في حوار هامس يهز كيانك، فذلك محتمل.. أما أن يجرحك الحنينُ لتركك له يئنُ في غير هوادة، كي تنغمس فيه.. رافضا عودتك دونه.. فهذا أقربُ أنواع العذابات.. التي يصطلي بها من يملكون قلبا.. يحملٌ في ثناياه رونقا.. ينمُ عن نسق غير محسوس.. لكنه موجود ينبضُ بداخله وآيةً نبضه رعشة.. في إطار من الوهج.. يظللُ ذلك الإطارُ هيامٌ كماء زلال.. منطو على رقة إحساسات.. قلما نلمسُها حال غربتنا.. وما أدراك أن يغترب قلبُك.. وتئن نفسُك وأنت قابعا مازلت داخل وطنك..أو بيتك وذاك أقسي أنواع العذابات...... أختلفُ معك.. وقد تختلف أنت معي.. ولكنني لن أبوح بسر إن اعترفت لك: أنني أفتقدٌ هذين العينين.. ولا أدري كيف أضمُهما لصدري.. كي أعبر طريق عودتي لنفسي .. فكيف أعودُ إذن.. وعالمي ضائعٌ.. مرتعشٌ.. خائفٌ ومتردد.. كيف افتقدُ من يعزفُ جمالا.. ويقطرُ عسلا.. ويغني إشراقا.. حاولتُ يا صديقي أن أمسك بالأمل.. فانفلت مني.. استوقفتني كلماته المتتابعة فسألته: هو أنت زعلان مع نجلاء؟ فقال بعد اكتراث :ذهبت نجلاء مع أبيها سيادة اللواء ما أنت عارف الشركة بتاعتهم نجلاء مين يا عم سمير.. نجلاء متجوزاني صورة أو واجهة لمصالحها مع أبيها .. وصار قلميُ بديلا للأمل.. إلي أن رأت عيناي أسماء تبدل كوني.. فإلي متي أظلُ محروما منه الجمالُ.. ثم هل أعيشُ ما تبقي بين تلك الدموع وهذه الآهات اقتربتُ منه هامسا: كيف ستواجه يا علاء واقعا مليئا بالأضداد؟ فأجابني: من يملكُ إذن أن يعيد لي نفسي..فليعدها .. رحلتي مع نجلاء انتهت يا سمير..كفاية كده أنا كرهت البروتوكول وكرهت الجو بتاعهم ده عايز أرجع إنسان؟؟؟ لا يا علاء واضح إنك اتجننت بجد عايز ترجع انسان مع مين .. أسماْء؟؟؟.. قبل حكمك أخبرني يا سمير ماذا تفعل لو أن كلماتك لا تستطيع أن تحمل ماتنطوي عليه نفسُك .. ثم هل أنت نفسٌ واحدة أم عدة وجوه؟ وماذا عن إحساساتُك التي لم تعد تملك ركوب كلماتك.. هي أكبر.. هي أعمقُ.. هي ترتعشُ.. لكنها تحولت لنسيج.. لاينفك قابعا داخلك.. يتمردُ.. يرفضُ ذلك النسيجُ الانصياع لعائلة سيادة اللواء.. .... يبقي الحكمُ لك.. أقرب لحدوتةٍ لا بداية لها ..ولا تمتلك نهاية.. كما أننا لم نمتلك بعد.. مفاتيح النفس.. معاك ياعلاء وبعدين إيه اللي حصل؟ يومين تلاتة مش فاكر كنت بدور عليها دايما وبتابعها في كل مكان ولم يكن بيننا إلا نظرات وقررت في يوم أن أكلمها بأي طريقة وطلبت قهوتي وطلبت منها أن تجلس وسألتها عن اسمها.. فقالت والحمرة قد ملكت وجهها: أسماء ياسعادة البيه ..لم يستغرق حوارنا ثلاث أو أربع دقائق علمت منها أنها تساعد أباها القعيد.. لأن أمها توفيت منذ عامين.. رأيت في عينيها حزنا دفينا.. تخيل ياسمير أنها بكت.. (الحلقة الثالثة يوم الجمعة القادمة) [email protected]