انتخابات مجلس النواب.. تسهيلات استثنائية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة في أسوان.. فيديو    التنسيقية: إقبال كثيف للناخبين على لجان الاقتراع في المنيا    رئيس الوزراء: مواردنا من العملة الصعبة تغطي الاحتياجات.. وتدفق الاستثمارات الأجنبية يعكس الثقة في الاقتصاد    بحضور "الشوربجي" وقيادات المؤسسات الصحفية القومية.. الفريق أسامة ربيع في ندوة ب "الوطنية للصحافة": لا بديل لقناة السويس    الدفاع التركية: الطائرة المنكوبة كان على متنها 20 فردا    نجم الزمالك السابق يدافع عن عبد الرؤوف: «ابن النادي أفضل من أي أجنبي»    دويدار يهاجم زيزو بعد واقعة السوبر: «ما فعله إهانة للجميع»    الأرصاد تحذر من شبورة وأمطار غداً مع طقس خريفي مائل للحرارة في بعض المناطق    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    23 نوفمبر.. ندوة بردية الفلاح الفصيح ببيت السناري    «رجال يد الأهلي» يواصل الاستعداد للسوبر المصري    تعيين أحمد راغب نائبًا لرئيس الاتحاد الرياضي للجامعات والمعاهد العليا    الهلال السعودي يقترب من تمديد عقدي روبن نيفيز وكوليبالي    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    استقرار الحالة الصحية لمصابي حادث انهيار سقف مصنع المحلة    الشرطة تساعد المسنين للإدلاء بصوتهم في الانتخابات البرلمانية ببني سويف.. صور    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    انتخابات مجلس النواب 2025.. «عمليات العدل»: رصدنا بعض المخالفات في اليوم الثاني من التوصيت    «مبروك صديقتي الغالية».. وزيرة التضامن تُهنئ يسرا بعد حصولها على «جوقة الشرف» من فرنسا    تقنيات جديدة.. المخرج محمد حمدي يكشف تفاصيل ومفاجآت حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال46| خاص    مفوضية الانتخابات العراقية: 24% نسبة المشاركة حتى منتصف النهار    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    بسبب الإقبال الكبير.. «التعليم» تعلن ضوابط تنظيم الرحلات المدرسية إلى المتحف المصري الكبير والمواقع الأثرية    وزير الصحة يبحث مع «مالتي كير فارما» الإيطالية و«هيئة الدواء» و«جيبتو فارما» سبل التعاون في علاج الأمراض النادرة    «هيجهز في يوم».. طريقة سريعة لتخليل اللفت في المنزل بخطوات بسيطة    "الزراعة" تستعرض أنشطة المركزي لمتبقيات المبيدات خلال أكتوبر    الأزهر للفتوي: إخفاء عيوب السلع أكلٌ للمال بالباطل.. وللمشتري رد السلعة أو خصم قيمة العيب    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    بعد الأزمة الصحية لمحمد صبحي.. شقيقه: وزير الصحة تواصل مع أبنائه لمتابعة حالته (خاص)    صدام بين ترامب وحليفته الجمهورية "مارجوري تايلور جرين" بعد زيارة الرئيس السوري للبيت الأبيض    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    علي ماهر: فخور بانضمام سباعي سيراميكا للمنتخبات الوطنية    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    البورصة المصرية تخسر 2.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    أوباميكانو: هذا الثلاثي أسهم في نجاحي    الجيش السودانى يتقدم نحو دارفور والدعم السريع يحشد للهجوم على بابنوسة    إصابة 16 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق القاهرة–أسيوط الغربي بالقرب من دهشور    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    «أنا مش العقلية دي».. ياسر إبراهيم يرفض الاعتراض على قرار حسام حسن    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط وتنظيم كامل في يومها الثاني    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    "إنتلسيا" توقّع مذكرة تفاهم مع «إيتيدا» وتتعهد بمضاعفة كوادرها في مصر    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    الأهلي يكشف جاهزية إمام عاشور لمواجهة شبيبة القبائل بدوري الأبطال    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    وزير الصحة يبحث مع نظيره الهندي تبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية - الهندية    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    أحمد موسى يطالب إدارة المتحف المصري الكبير بإصدار مدونة سلوك: محدش يلمس الآثار ولا يقرب منها    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مركزية الثقافة الأفريقية
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2016

الحديث عن وحدة الثقافة الأفريقية لا يُبنى على مقارنة مع وحدة الثقافة الأوروبية، والمركزية الأفريقية لا تتحقق مقابل المركزية الأوروبية، فأخطر ما تعرضت له الثقافة الأفريقية تأويلها سياسيا، وهو ما أدى إلى الفصل الثقافى فى أفريقيا إلى شمال وجنوب، وبدلاً من الركون إلى وحدة ثقافية،
لجأ السياسيون إلى المنظمات السياسية كمعبر عن تلك الوحدة، ولا يمكن الحديث عن مركزية ثقافة ما ووحدتها فى ظل الفصل الثقافى والحضارى لهذه الثقافة إلى منطقتين، أفريقيا جنوب الصحراء، وشمال أفريقيا، وهو ما تطور بسبب الصراعات السياسية إلى ربط ذلك الفصل بالهوية واللغة والدين داخل الجماعة الواحدة. إن فصل الهوية السياسية لشمال أفريقيا عن الهوية السياسية لأفريقيا جنوب الصحراء، استتبعه فصل للهوية الثقافية، فتاريخ الثقافة الأفريقية الوحيد الذى لم يرتبط فى أى مرحلة بأجندة أو أيديولوجيا سياسية معينة يسعى لتطبيقها، فقد كان تاريخا للتحرر والنضال والدخول إلى عالم الحداثة ومابعدها.
المركزية الأفريقية
وقد تم وصم الأفارقة بعد الاستقلال وإلى نهاية الحرب الباردة بأنهم شعوب تعيش فى زمن ما قبل الحداثة وعاجزة عنها، ولا يمتلكون قدرة إبداعية باعتبار الغرب نواة الحداثة وبالتالى لا يمكن للمركزية الأوروبية أن تسمح للذين استعمروهم أن يقفوا معهم فى نفس اللحظة من التاريخ والتطور الحضاري، ووضعت دائما مصر وإثيوبيا فى دائرة الشرق التى فضلتها الأدبيات الأوروبية فى رؤيتها للعالم بين غرب وشرق، فى النقاشات التى تدور حول أصول الحضارة والإسهامات العالمية فيها، اغفالاً للانتماءالأفريقى لهما باعتبار بقية القارة غارقة فى ظلام وتعيش خارج التاريخ، وأثرت ازدواجية الشرق والغرب هذه على رؤية أفريقيا لذاتها باعتبارها مركزية ضائعة وسط هذا الثنائى المتصارع، ووسط الأعمال الفكرية فى كلا الاتجاهين خاصة أعمال المستشرقين والرد عليها.
ولا يمكن إنكار دور صياغة « تقاليد علم المصريات « بواسطة نمط التفكير الغربى مابعد الوطنى فى رفضه الهوية التاريخية الأفريقية لمصر القديمة، فاعتبار الحضارة السوداء مقابلا للحضارة الغربية اعتمادا على دمج مصر القديمة وبالطبع إثيوبيا جزء منها يخلق تواصلاً تاريخيا يعبر عن الهوية الأفريقية باعتبارها هوية لون، فتعمد الغرب تحديد وتعريف أفريقيا بأنها الأرض جنوب الصحراء، رغم القبول الغربى لوحدة الثقافة الأوروبية لكل الشعوب ذات الأصل الأوروبى بغض النظر عن موقعها الجغرافي، ورفضه نفس المنطق عند الحديث عن وحدة الثقافة الأفريقية، يطرح سؤال حول وصف العديد من أشكال التعبير السياسى ثقافيا بالتقليدى أو العرفى أو القبلى فى محاولة لإصباغ صفة المحلية الثقافية وحصرها فى إطارها المحدود والضيق؟
فكيف يمكن للمركزية الأوروبية التى أنتجت الكولونيالية الحديثة أن تقبل وفق أسلوب التفكير الغربى فكرة أن اليونان باعتبارها مرجعية حضارية قديمة لأوروبا كانت مستعمرة مصرية تدين بتاريخها لتلك الحضارة الأفريقية، وهو ما يفسر الهجوم الشديد الذى لاقته أعمال كل من حاول فتح النقاش العلمى فى هذا الاتجاه أمثال الشيخ «أنتا ديوب» و«مارتن برنال»، واعتبار أعمالهما جزءا من دراسات المناطق غير المنضبط، ورفض قبولها فى سياق الأعمال الفكرية الأساسية، وانبرى علماء المصريات بالهجوم الشديد عليها وتفنيدها وفقا لنفس الأسلوب فى التفكير الذى يتجاهل الآن كل الكشوف والحفريات التى يقوم عليها الأفارقة ومن يتعاون معهم للحضارة الأفارقة، فأقسى ما يمكن أن يتحمله العقل الكولونيالى هو فكرة أن ما يدرسه هو حضارة أفريقيا، حتى فى رؤية « كارل ماركس» لمركزية أوروبا والتفسيرات الرئيسية لتقدم الغرب، فالتقدم المفضى إلى أوروبا الإقطاعية ثم إلى أوروبا الرأسمالية، ثم الاشتراكية وبلوغ الشيوعية، يقابله الشرق الذى لا أفق لديه لتنمية ذاتية تقدمية ولا سبيل لإنقاذه إلا بواسطة الإمبريالية الرأسمالية، وصولاً لرفضه الدور الحضارى لمصر القديمة واعتباره اليونان القديمة فقط ينبوع الحضارة، متجاهلاً تماما الوجود الأفريقي، ويمكن فهم تلك الرؤية فى إطار تطور نظرة أوروبا للعالم بعد انتهاء فترة الحروب الصليبية، وبداية عصر الرحلات الاستكشافية، والناتجة عن رؤية أوروبا المسيحية للشرق وانعكست على رؤيتها لأفريقيا متمثلة فى الرحلات التبشيرية وخطاب الدور الحضارى ورسالة الرجل الأبيض، التى اتسمت بالجشع والاستيلاء على الموارد الفكرية والمادية للحضارات الأخري، خصوصا فى ظل التطور الصناعى وارتباطه بالموارد الأفريقية.
ولا تهدف هذه المحاولة لنقض صورة الحضارة الغربية باعتبارها مستقلة ومتقدمة ونقية مقابل صورة الحضارة الأفريقية باعتبارها تابعة وسلبية وجاهلة، إنما تهدف لإعادة رؤية التطور الحضارى لأفريقيا كوحدة واحدة فى ظل سياقها العالمى مما يطور مركزية أفريقية لنفسها، حيث كان لأفريقيا وجود لنفسها وليس وجوداً فى حد ذاته وفقا للتحليل الماركسى للاختلافات بين البروليتاريا والشرق، حيث مثَّل الوجود فى حد ذاته عنده تصورا سلبياً بينما الوجود لنفسه مثل ميلاً إيجابياً نحو التحرر، وبالتالى تهدف لتجنب الانطلاق من مركزية أوروبية أو مركزية شرقية لرؤية مركزية أفريقيا فى سبيل تطوير رؤية مركزية أفريقية.
إن فرضية انتشار الإسلام على سبيل المثال - فى أفريقيا كدين عقلانى يؤكد أن تلك البيئة التى انتشر فيها يجب أن تكون متطورة بما يكفى لقبول ذلك الدين، وليس مجرد قبوله، بل الإسهام الفكرى فيه باعتبارها مكونا وجزءاً أصيلاً منه، وليس أدل على ذلك من انتشار الحرف العربى واستخدامه، ومخطوطات تمبكتو شاهداً قائما على ذلك، ليس فقط كلغة للقرآن، بل أداة تعبير واتصال للغات الأفريقية، سواء كان المحتوى دينيا أو ثقافيا أو اقتصادى.
فبناء مركزية أوروبا على خصائص تتعلق بأصالتها وساميتها وأنها نمت بشكل مستقل وذاتى بفضل عقلانية الغرب العلمية وابداعه وتفرده والمنطق الذى يحكم تفكيره وبفضل الخصائص التقديمة والرأسمالية التى تحكم طبيعته، فى مواجهة مركزية أفريقيا التى بنيت على أنها جاءت لمواجهة الكولونيالية وأنها تابعة ونتيجة مباشرة لإيجابياتها وسلبياتها، لهو بناء مضلل يناقض التاريخ الحضارى ومرجعيته لكل منهما، فسمات التفكير الكلاسيكى الغربى المعتمد على الاستبعاد والفصل تقابلها سمات التفكير الأفريقى القائم على الاستيعاب والاندماج، فانتشار المسيحية والإسلام فى أفريقيا وانتشار اللغة العربية والحرف العربي/العجمى كثقافات نوعية يمثل استيعابا حضاريا للروافد الجديدة والمتنوعة فى سياق التطور التقليدى للأمم، وهو دليل قوة حضارة أفريقيا وتطورها ومركزيتها وجوهرها، وهو ما لايمكن قياسه بطبيعة الثقافة الأوروبية ومركزيتها المتمحورة على الذات واستبعاد الآخر.
ويظل السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا النقاش حول جدوى محاولة بناء فهم للجدل حول مركزية أوروبا وعدم مركزية أوروبا أو مركزية أفريقيا ضد مركزية أوروبا أو ضد عدم مركزية أوروبا، وهذه الإشكالية تدفعنا إلى فهم ثقافة أفريقيا ومركزيتها فى إطارها، وقبول أفريقيا لمنطق التراكم الحضارى مقابل الغرب الذى تطور حضاريا بمعزل عن الشرق، وذلك يأتى من موقف ضعف مقابل موقف مركزى أوروبى متفرد من عدمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.