تحضرني في إطار المشهد الراهن عبارة مأثورة تقول: إن الإنسان عدو ما.. يجهل وأي فهم وتفسير لهذه العبارة لا بد أن يدفعنا إلي الإحساس بالخطر عندما يتزايد مقدار التباعد بيننا وبين الفكر والعلم والتقدم العالمي المعاصر. لأن هذا التباعد يجعلنا في وضع المغترب إزاء تيارات فكرية وبحوث علمية واختراعات تقنية وبالتالي يشيع في نفوسنا- تلقائيا- ألوانا من الشعور بالعداء نحو ما نجهل.. ومن ثم يختلط الشعور بالعداء نحو ما نجهل مع مشاعر أخري مثل الكراهية والتزمت والرجعية إزاء الأفكار والعلوم العصرية فنفقد عنصر العقل الراجح و نتشيع لأساليب الحياة البدائية ونتهاون في تقديرنا وتصورنا لكل ما هو جديد وحديث وعصري! إن التراث الحقيقي لأية أمة ليس فقط في مخطوطات ومجلدات وإنجازات الماضي وإنما التراث الحقيقي هو في الفكر والعلم المعاصر فالتراث النافع لأية أمة هو آخر شوط قطعه الفكر الإنساني في مرحلته الحاضرة, ولعلنا نتذكر جيدا أن تراث أوروبا الغربية كان في يوم من الأيام هو آخر ما قدمه الفكر العربي إلي الثقافة العالمية. إن تراثنا الحقيقي لا يتم الحفاظ عليه بدعوات الجمود والانعزال والانكفاء علي النفس والاغتراب عن الآخرين وإنما التراث الحقيقي هو القدرة علي متابعة واكتساب ما جري علي امتداد الكرة الأرضية من إنجازات علمية وتيارات فكرية ضمانا لاستمرار تجديد العقل والتزود بالمعرفة. ثم لعلي أقول صراحة: إننا إذا كنا نسعي جادين منذ سنوات لإقامة الجسور بين أوطان أمتنا فإننا في نفس الوقت نحتاج بشدة إلي جهود مماثلة لإقامة وتقوية الجسور مع الآخرين لأنه بدون هذه الجسور سوف نحكم علي أنفسنا بانعزالية وانطواء تخاصم ضرورات الإطلال علي كل ما هو جديد في العلم والفكر الإنساني. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: من ينطق بالحق لا يصمت علي الباطل! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله