الدكتور أحمد جلال, وجه اقتصادي بارز, يوصف بالاستقلال الفكري, لا يظهر كثيرا في برامج التوك شو كغيره, ويشغل حاليا منصب المدير التنفيذي لمنتدي البحوث الاقتصادية. ربما يعطيك موعدا لحوار صحفي بعد عامين من طلبه, لكنه عندما يفعل, يترك لك باحة واسعة من خبرات ثلاثة عقود من العمل في مجال التنمية, وخبرات ثلاثين دولة نامية عمل فيها من خلال عمله في البنك الدولي. عندما تسأله عما يتردد حول ترشيح اسمه لمناصب مهمة, يطلب منك إغلاق الكاسيت ليقول لك إنه رشح ثلاث مرات لمناصب وزارية, ولكنه ليس الوقت الصحيح الذي يقبل فيه هذا الترشيح, فلابد من انتظار الوقت المناسب بعد الفترة الانتقالية حتي يقدم ما لديه من عطاء, وفي نهاية اللقاء سيعطيك عددا من الأبحاث ويرفض الوعد بموعد مقبل حتي يري ماذا ستنشر! بدأ الحديث من الماضي نحتاج ألا ننظر فقط للوضع الحالي, ولكن نحتاج أن ننظر ماذا كانت أخطاء النظام السابق, وكيف كان يمكن إدارة المرحلة الانتقالية أفضل مما تم, وكيف يمكن أن نبدأ خلال المرحلة التالية, عملية البناء الحقيقي لتحقيق النمو مع العدالة الاجتماعية, اقتصاديا ومؤسسا, ليكون لدينا إطار ديموقراطي به قدر عال من الحرية وتوازن بين السلطات. يستمر جلال في وصف أهم الخطايا الاقتصادية للنظام السابق كان لدينا اقتصاد ترتكز سياسته علي القطاع الخاص والاستثمار الخاص والنمو, ولم يكن يعطي كثيرا من الاهتمام لمن يحصل علي عوائد النمو, وفكرة التوزيع ومحاربة الفقر والاهتمام بالعشوائيات, القطاع غير الرسمي وفسر ذلك بأن السياسيين الذين كانوا يحكمون وكانوا يحققون مصالحهم من خلال النظام الحاكم مما يساعده علي البقاء في السلطة حتي عندما كانوا يهتمون بالتوزيع كانت ذرا للرماد في العيون, فهذه هي القصة. يبدو جلال متفائلا عندما يسترسل في المرحلة الانتقالية بين نظام قديم ونظام جديد, تكون عادة التكلفة الاقتصادية عالية, ولكن الأهم أن هذه التكلفة ليست أعلي مما كانت عليه في دول أخري مرت بتحول سياسي, كما حدث في أوروبا الشرقية علي سبيل المثال. علاج المشكلات في الأجلين القصير والطويل يقسم د.جلال مشكلات مصر الاقتصادية حاليا إلي نوعين قصيرة الأجل وطويلة الأجل, ويحذر من اتخاذ حلول لمشكلات الأجل القصير تنتج من شأنها الاضرار أو زيادة مشكلات الأجل الطويل, فلايمكن أن تستمر الحكومة في الاقتراض من البنوك المحلية, ويري أن الحلول الواجبة في الأجل القصير تلبية بعض الطلبات العاجلة والمشروعة, علي سبيل المثال أن يكون هناك دعم للصناعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق الحصول علي قروض ثم إعادة اقراضها في البنوك. ويؤكد علي التشغيل العام فهناك شوارع يجب أن يتم رصفها لذا يمكن أن أقيم برامج للتشغيل العام من هذا النوع تؤدي إلي إيجاد الوظائف, أيضا لو أردت أن أقوم بمهمة عاجلة يمكنني أن أنظر علي العشوائيات, مازلنا واقفين علي كوبري المرحلة الانتقالية, فالنظام كما هو, وجميع رجال الاقتصاد مازالو في مواقعهم, وجميع رؤساء البنوك العامة والمؤسسات الاقتصادية, فاذا كان النظام كما هو يتحكم ويحكم فكيف يمكن أن يؤتمن هذا النظام علي أخذ البلاد إلي أية مراحل تالية ؟ يجيب: هناك أمران هنا, الأول فكرة توقع المدة التي تستغرقها الفترة الانتقالية, تصور الناس أن كل شئ سيتغير فجأة, وهذا غير صحيح, فالأمر يستغرق سنوات, وليس شهورا, سنمر بمرحلة التحول, خلالها يمكن أن ننتهي من مرحلة بناء المؤسسات وانتقال السلطة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ويقول ذلك مستشهدا بالمراحل الانتقالية في الدول الأخري والتي استغرقت سنوات وليس شهورا. ويعترف بأنه مازال النظام القديم موجودا, وقد يكون النظام القديم هو الطاغي أكثر من الجديد, انما هناك تغيير أيضا فكرة الثورة مستمرة هي فكرة مهمة, لأنها فعلا لابد أن تكون مستمرة وأنها لو ليست مستمرة لن نصل إلي شئ, فكرة الرغبة والطلب الالحاح علي استمرار الثورة في غاية الأهمية لأنه من خلال هذا الضغط الشعبي, سوف نقوم بالتغيير وبصورة تراكمية, وسوف نصل لمحطة قطار مختلفة عما نحن فيها, الحكم علي الأشياء الآن مجحف وغير واقعي. الأموال المنهوبة وعن أثر عودة الأموال المنهوبة علي الاقتصاد المصري يقول جلال: استعادة هذه الأموال لها اجراءات وطرق للحصول عليها, نحن نريدها, ومطلوب العمل علي استعادها وإيجاد مجموعة متخصصة ومتفرغة لاتخاذ الاجراءات القانونية, لكن مع الأسف سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا, وهو أمر يجب دم التخلي عنه, لكنه لن يسعفني في الأجل القصير. الإصلاح الاقتصادي والمستقبل عندما سألت جلال عن الاصلاح الاقتصادي أحالني إلي عبارة شكسبير الجمال يتوقف علي من ينظر عليه ثم استرسل كل فريق يعرف الاصلاح, كما يريد, بعض الناس يضعون تعريفا للاصلاح يتفق مع مصالحهم, ويتماشي مع توافق واشنطن.. وبعض الناس يحبون التوازن بين النمو والعدالة الاجتماعية يركزون علي الجانب الاجتماعي, والاصلاح الحقيقي يتطلب اصلاح التعليم والبحث العلمي, وهو موضوع طويل.. الاصلاح الاقتصادي هو ما يخدم الاهداف التي تحددينها من الأول, هناك من يقيس نجاح بلد بارتفاع معدل النمو, أنا لا أتفق مع هذا, وبالتالي الاصلاح الذي يخدم النمو الاقتصادي هو اصلاح معيب, الاصلاح الاقتصادي هو ما يحقق الأمرين, النمو مع العدالة الاجتماعية, وبالتالي السؤال المطروح هو: ما هي الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة من أجل أن أحقق هذين الهدفين. وعن دور الرئيس القادم في إصلاح الاقتصاد قال جلال: نجاح أو فشل اقتصاد دولة ما لا يتوقف علي شخص ما, أيا كان, رئيسا, أو رئيس مجلس شعب أو رئيس وزراء, الأهم هو طبيعة هذا النظام, هل به ديموقراطية, هل السلطات تتمتع باستقلالية وحرية أم لا, لتأكيد أن الأفراد لاينحرفون عما يحقق المصلحة العامة بشكل عام, اذا لم يتأت هذا النظام و جاء رئيس عظيم الشأن كشخص, وكانت هناك قوي أخري تحاربه, والرئيس ليس له أساس شعبي أو غير قادر علي تنفيذ المطالب, وأصحاب المصالح هم الأقوي, لن يكون هناك حل. يختتم الدكتور أحمد جلال حديثه, قائلا: ما يحدث في مصر الآن هو تغيير, هناك تغيير يأخذ شكل حرف الV وتغيير يأخذ شكل حرف الU, عادة الدول عندما يحدث بها تغير سياسي يهبط الأداء الاقتصادي وبالضرورة يصعد مرة أخري. والسؤال إلي أي مدي ستدوم فترة الأداء الاقتصادي السيئ؟ هل تستمر أم تكون قصيرة الأجل, دائما مع التحولات السياسية يحدث تباطؤ اقتصادي, وبطالة, وفي بعض الأحيان تطول هذه الفترة, لكن المؤكد في كل التجارب الأخري أن الأداء الاقتصادي يتدني أثناء التحولات السياسية ويتحسن فيما بعدها, لذلك ايماني أن الاقتصاد المصري سوف ينتعش ويكون اداؤه أحسن بكثير بعد فترة التحول, ومن الصعب توقع كم يستغرق هذا الأمر, ربما يستغرق من ثلاث إلي أربع سنوات, أو دورة لمجلس الشعب كاملة.