لابد أن تتعامل الحكومة بسياسات أكثر كفاءة وعدالة ومصداقية, وهذه السياسات هي القادرة علي إعادة الاستثمار إلي الوطن مرة أخري. الاصلاح الاقتصادي في المرحلة المقبلة يتوقف بشكل أساسي علي الاصلاح السياسي. تحقيق ما يسمي الحماية الاجتماعية لغير القادرين علي دخول سوق العمل وغير القادرين علي الالتحاق بالتعليم أمر حتمي. الحل للقضاء علي البطالة هو تقديم قروض سهلة للصناعات المتوسطة والصغيرة. هذه هي بعض الأفكار التي طرحها الدكتور أحمد جلال مدير عام منتدي البحوث الاقتصادية, وهي مؤسسة بحوث إقليمية تغطي البلدان العربية وإيران وتركيا. د.أحمد جلال الخبير الاقتصادي المعروف عالميا الذي عمل في البنك الدولي لمدة ثمانية عشر عاما قضاها كخبير اقتصادي مختص بشئون الصناعة في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يجيب عن الأسئلة التي تشغل العقل المصري الآن.. وإليكم نص الحوار: } منذ أيام حذرت تقارير اقتصادية مهمة من استمرار تردي الوضع الاقتصادي إذا استمرت حالة فوضي الاحتجاجات والتدهور الأمني؟ }} أنا متفائل لما يحدث في مصر.. وما سوف يحدث.. يقولون إن الاقتصاد المصري ينهار والسياحة توقفت والمليارات خرجت.. وعجلة الإنتاج توقفت.. والاحتجاجات مستمرة والاحتياطي النقدي انكمش في فترة زمنية قليلة.. ولو استمر الوضع علي ماهو عليه فسينتهي الاحتياطي النقدي بهذه صورة قاتمة للاقتصاد المصري وكأنه يقف علي حافة الهاوية. وفي رأيي أن ما يحدث في مصر هو خسارة في الأجل القصير ونسبته متواضعة مقارنة بالمنافع العظيمة التي ستعود علي الاقتصاد المصري بعد أن يتم ترتيب أحوالنا السياسية في الخارج. ما نحتاجه الآن هو التعامل بنوع من الحصافة في إدارة الاقتصاد في هذه الفترة الانتقالية, سيصبح لدينا مصداقية عالية, لأن الحكومات القادمة هي حكومات بالضرورة مختارة ومنتجة, وبالضرورة ستستجيب لطلبات الشعب ولابد أن تتعامل بسياسات أكثر كفاءة وعدالة ومصداقية. } البعض يتهم ثورة25 يناير بمسئوليتها عن الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها مصر الآن.. بسبب ارتفاع البطالة وهروب السائح ولكن لا أحد ينسي أن العجز المالي والدين العام كانا مرتفعين قبيل الثورة؟ في رأيك هل أزمة مصر الاقتصادية مستحكمة بهذه الدرجة؟ }} كل هذا صحيح, التقديرات تختلف من شخص لآخر لدرجة أن البعض كان يتمني عدم قيام الثورة.. وفي رأيي هذا المنطق خال من بعد النظر, ويجب ألا ننظر تحت أقدمنا فقط لأسباب كثيرة جدا أولا لأن الحرية التي حصلنا عليها باهظة الثمن ولكي يتحول النظام السياسي في مصر إلي الديمقراطية والعدل والمساواة فأي ثمن لهذا هو بسيط. وثانيا.. التكلفة الاقتصادية لا تقاس أبدا بالشباب النبيل الذي قدم روحه فداء لهذا الوطن أثناء الثورة. ثالثا.. حتي من الناحية الاقتصادية. لاشك أن المنافع المتوقعة مع النظام السياسي الجديد بعد الثورة سيعوض التكلفة والخسارة الموجودة الآن في الفترة الانتقالية. رابعا.. لابد أن نتذكر أن التكلفة الاقتصادية التي دفعتها البلاد الأخري عند وقوع ثورات فيها أعلي جدا من التكلفة التي ندفعها.. فمثلا المتوقع في مصر الآن أن يصل معدل النمو السنوي من يوليو2010 إلي يونيو2011 من صفر إلي2% علي أحسن تقدير وهذا انخفاض في الدخل القومي, وكان المتوقع قبل قيام الثورة أن يصل إلي5%, ولكن عندما ننظر إلي بلاد مثل شرق أوروبا التي مرت بمراحل التغيير الثوري الذي مررنا به نجد أن معدل النمو لديهم وصل إلي30% بالسالب. } معني هذا أن التعافي للاقتصاد المصري ليس أمرا صعبا؟ }} هذا رأيي.. } ما الخطوات التي يجب اتخاذها للوصول إلي هذا التعافي الاقتصادي وهل لديك روشتة مصرية للخروج من هذا النفق المظلم؟ }} هناك ثلاث نقاط في منتهي الأهمية.. أولا: في رأيي أن الإصلاح الاقتصادي في المرحلة القادمة يتوقف بشكل أساسي علي الاصلاح السياسي.. بمعني أن الاصلاح الاقتصادي هو في يد السياسة وليس الاقتصاد, والسبب أن تحقيق الأمن والأمان هو أمر سياسي وبدون الأمن لن يأتي الاستثمار ولن يأتي المستثمرون ولن تعمل المصانع بكل طاقتها العملية ولن يأتي السائحون إلي مصر. أساس أي نشاط اقتصادي هو توافر الأمن والأمان.. الأمر الثاني هو تحقيق المصداقية.. بمعني أن الاستثمار يأتي إلي البلاد التي لديها نظام سياسي مستقر ويأتي إلي البلاد التي لديها قوانين فاعلة ولديها أيضا وضوح لطبيعة النظام السياسي بها. بمعني هل نظام الحكم برلماني أم دستوري؟ هل هناك ديمقراطية حقيقية؟ هل هناك تمثيل حقيقي لممثلي البرلمان؟ لأن أكثر ما يخيف المستثمرين ويقلقهم هو الخوف من الغد بسبب القلاقل والاضطرابات. ولذلك في رأيي كلما أسرعنا في عملية الاصلاح السياسي وكلما نجحنا في عودة الأمن والأمان في الشارع المصري, وكلما وضحت خريطة الاصلاح السياسي وتم الاتفاق المجتمعي عليها استطعنا تحريك النشاط الاقتصادي. المحور الآخر المهم هو طريقة التفكير في الاصلاح الاقتصادي, لابد أن نفكر في مسألة مهمة وهي ما العمل المفروض أن نقوم به في الأجل القصير؟ وما العمل الواجب القيام به في الأجل المتوسط؟ والأجل القصير وهو ما تقوم به الحكومة الانتقالية الحالية.. من تسيير الأمور بشكل جيد وتجنب اتخاذ قرارات مكلفة ماليا في الأجل الطويل. مثال آخر.. في رأيي أن الحكومة الحالية لا تتخذ قرارات مكلفة تؤدي لنتائج في المستقبل مرهقة.. بمعني أنه لا يتم توظيف موظفين في الحكومة, لأن بالفعل لدينا رقم كبير يصل إلي6 ملايين موظف وفي حقيقة الأمر موظف الحكومة لا ينتج.. وعلينا استغلال الثروة البشرية بشكل يفيد المجتمع أكثر من ذلك. أتمني أن تتجنب الحكومة هذه النوعية من القرارات, وفي رأيي أن ارتفاع الحد الأدني للأجور من الأمور المهمة التي أقدمت عليها الحكومة. } كيف يمكن تحقيق هذه العدالة التي تسهم في خلق حياة كريمة للغالبية العظمي من الشعب المصريين؟ تحقيق هذه العدالة يتم من خلال ثلاثة محاور..المحور الأول هو أنه لابد أن تصبغ السياسات الاقتصادية بطابع اجتماعي.. لذا بدأت الدولة في إقامة مشاريع استثمارية فيجب أولا إقامتها في الصعيد لأن الفقر هناك ذو كثافة عالية. وإذا قدمت فرص للتعيين في الوظائف يجب أن تتساوي الفرص وأيضا تتساوي الخدمات مثل التعليم والصحة والمرافق والمجاري بين كل المناطق والبداية بالمناطق التي تعاني من التجاهل والفقر أولا. من ناحية أخري, لابد من اصلاح منظومة التعليم, لابد أن يتواكب التعليم مع العصر الحالي حتي يوفر لصاحبه عملا محترم, ولابد أن يمنح التعليم لصاحبه مهارة تؤهله لدخول سوق العمل للقرن الحادي والعشرين الأمر الأخير هو تحقيق ما يسمي بالحماية الاجتماعية في كل مجتمع, هناك عدد من المواطنين غير قادرين علي دخول سوق العمل وغير قادرين علي الالتحاق بالتعليم. إما بسبب ظروف أسرية حادة أو إعاقة ما.. وليس لديهم مهارات أيضا.. هؤلاء لابد من تقديم المساعدة لهم والحماية الاجتماعية. } هل يمكن للاقتصاد القومي أن يحقق نموا دون الاعتماد علي المعونات والقروض وتدفق رءوس الأموال أو بمعني آخر كيف تري الاعتماد علي القروض الخارجية؟ }} لايوجد دولة الآن في القرن الحادي والعشرين تستطيع الاعتماد علي اقتصادها فقط, كل الدول تحتاج إلي إقامة علاقات مع الدول الأخري سواء للاستيراد والتصدير أو فتح أسواق. والمعروف اقتصاديا أن النمو يتحقق في أفضل صوره في وجود آليات سوف تسمح بالمنافسة ولم تنجح دولة دون الاستفادة من الفرص التي تقدمها الأسواق العالمية حيث إنه في المراحل المبكرة من التنمية عادة ما تكون المدخرات المحلية غاية في الانخفاض والأسواق المحلية محدودة للغاية والتكنولوجيا المحلية غير متطورة مما لا يسمح بتحقيق معدلات نمو سريعة.. مع ملاحظة أن الاندماج في الأسواق العالمية يجب أن يخطط له بعناية حتي يساعد علي تخفيف حدة قيود التنمية. ولهذا.. لابد أن نتعامل كدولة مع المعونات والقروض ولكن هذا لا يعني أن كل ما يقدم لي من قروص جيد.. لابد أن أوافق علي المعونات أو رءوس الأموال الأجنبية بشروط تتفق مع مصالح التنمية المحلية لأن ليس كل رأس مال أجنبي مفيدا بالنسبة لي. لابد أن احصل كدولة علي فائدة أعلي من العائد الذي سيحصل عليه المستثمر القادم. كان المسئولون في السنوات السابقة يوافقون علي أي تدفقات رأسمالية من الخارج.. ولكن علميا واقتصاديا الأمر لابد أن يدرس أعمق من ذلك لأنه لابد أن نسأل أنفسنا أولا هل هذه التدفقات الرأسمالية هي التي يحتاجها الاقتصاد القومي أم لا؟ وهل ستوفر فرص تشغيل مناسبة أم لا.. وهل ستساعد علي نقل التكنولوجيا أم لا.. منذ أيام كنت أشارك في مؤتمر اقتصادي في كولومبيا عندما قال رئيس الدولة ووزيره المالي, أن الموارد الأجنبية متاحة جدا ومشكلتنا كدولة ليست في الحصول علي الاستثمار الأجنبي, ولكن المشكلة في نوعية هذا الاستثمار. } بعدما تم كشفه من فساد لبعض رجال الأعمال في النظام السابق أصبح القطاع الخاص يعاني من الشك في نواياه.. وتحول إلي قطاع سيء السمعة في معظم الأحوال؟ وهذا التعميم يضر أكثر مما يفيد, كيف نتجاوز هذه العقدة الاقتصادية؟ }} لاشك أن القطاع الخاص أصبح سييء السمعة لأن نموذج أحمد عز مسيطر علي أذهان الجميع, وهناك كتاب اقتصادي مهم بعنوان القطاع الخاص الطيب والقطاع الخاص الخبيث, لاقتصادي مهم حاصل علي جائزة نوبل واسمه بومل أشار في الكتاب إلي أنه من الظلم التعميم ولأن القطاع الخاص هو قطاع كبير الحجم ومتشعب ومتداخل وهناك أيضا القطاع والخاص تحت بير السلم وكل المجتمعات في حاجة شديدة إلي القطاع الخاص الطيب وبدونه لن يحدث أي نمو اقتصادي في المجتمع, هذا هو القطاع المنتج, الدءوب, المبتكر, المتصدر, والمنتج والمنافس والذي يحقق ربحا بدون استغلال للمستهلك. أما القطاع الخاص الذي يعتمد علي العلاقات الشخصية والرشاوي وتسقيع الأراضي والمضاربات.. هذا هو القطاع الخاص السييء الذي لا نريده