الدكتور محمود عبد الفضيل, استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة, وعضو مجلس إدارة البنك المركزي, قامة اقتصادية كبيرة, معروف بأرائه الصريحة وانتقاداته للنظام الاقتصادي المصري في أثناء فترة حكم الرئيس السابق. أحدث مؤلفاته كتاب' رأسمالية المحاسيب' الذي كشف فيه عن شبكات الفساد التي انتشرت في كل القطاعات الاقتصادية المصرية خلال العقود الثلاثة الماضية, الأهرام التقت معه في هذا الحوار في محاولة لاستكشاف خارطة طريق للاقتصاد المصري, وفيه لفت الانتباه إلي أهمية قضية' العدالة الاجتماعية', كما أوضح الكثير عن تفاصيل لا نعرفها عن مؤسسات التقييم الدولية التي خفضت تقييم مصر مؤخرا بأكثر من درجة. . ما هي أهم المشكلات التي يواجهها الاقتصاد المصري حاليا ؟ .. أمور كثيرة, منها أن الاستقطاب بين التيارات الاسلامية والعلمانية أدي الي ما يمكن ان اسميه حرب استنزاف سياسية اقتصادية واهدار للطاقات, في العالم يحاولون البحث لحلول لمشكلات, ولكن في مصر للأسف يحاولون البحث عن مشكلات لكل الحلول, الأزمة السياسية الموجودة هي عدم التفريق بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي, والصراع الآن ليس بين مباركيين و'غير مباركيين', الصراع بين قوي جديدة تريد أن تدفع المجتمع إلي الأمام, وقوي قديمة تريد أن تشد المجتمع إلي الوراء وهو صراع سيستمر طوال المرحلة الانتقالية التي قد تمتد لمدة4 سنوات. القضية الكبري هي قضية العدالة الاجتماعية, المشكلة فيها هي كيف يمكن أن نصنع' توليفة' بين' اقتصاد سوق' وبين' عدل اجتماعي' ؟, في فترة مبارك كانت المجموعة الاقتصادية تسير وفق' سياسة توافق واشنطن'Washingtonconcensus, والقائمة علي ثلاث أمور أساسية, تحرير الأسواق وخصخصة المنشآت العامة والاندماج في إطار العولمة, كانت الأسواق بلا أي تنظيم, وكانت سياسة الخصخصة لكل ما هو عام بغض النظر عن كفاءة تشغيله هي المتبعة, وقد نأت دول أخري عن اتباع' توافق واشنطن' كما فعلت ماليزيا, والسبب هو القيادة السياسية الواعية لمهاتير محمد, وطبقة رجال الأعمال الوطنيين, التي ساندت سياسته, لانهارت تجربة مهاتير محمد. . هل هناك نموذج مماثل لطبقة رجال الأعمال الوطنيين في ماليزيا في مصر! .. في مصر كانت الشريحة العليا من رجال الأعمال بالصورة التي تحدثت عنها في كتاب' رأسمالية المحاسيب', وهي شريحة احتكارية ومرتبطة بالرأسمالية العالمية- وبعضهم موجود الآن في طرة- أما الشريحة التالية فيمكن أن نطلق عليها رجال أعمال منطقة' البين بين', فهم ليسوا وطنيين وليسو احتكاريين في الوقت نفسه, أما الشريحة الثالثة فمنهم صناع الأثاث الكبار في دمياط, والشريحة الأخيرة لها مصلحة في وجود العدل الاجتماعي الذي يوجد قوة شرائية لدي بسطاء الناس, ويمكن أن تمثل في مصر' الرأسمالية الوطنية . كثير من الشخصيات الاقتصادية التي خدمت في نظام مبارك مازالت في مناصبها, ما هي قوة الحشد المطلوبة لقلقلة هؤلاء وإحلال قيادات وطنية بديلة ؟ .. المشكلة أن نظام مبارك طبق سياسة' الأرض المحروقة' قبل أن يرحل, وجرف الأرض من الكوادر الجيدة, التي إما تقاعدت أو هربت, والنتيجة هي وجود حلقة مفقودة بين كوادر من الشباب المخلص الذي لا يملك الخبرة, وبين الجيل الذي تقاعد ولديه الخبرة. أدي ذلك لصراع بين القوي القديمة وقوي الاصلاح, وهو أمر حادث في اتحاد العمال, وفي القضاء بين تيار الاستقلال والقضاة الذين انحازوا لنظام مبارك في السابق, ومن أجل ذلك نجد بعض التعثرات علي طريق الاصلاح, وهو صراع سيمتد بين4 أو5 سنوات, حتي يتم تكوين الأرض المناسبة لإعادة البناء. . ما هو النموذج الاقتصادي الذي نأمل أن يقود مصر في المرحلة القادمة ؟ .. لابد أن يكون محل الثقة من حيث الكفاءة والاخلاص, وأعتقد أن الدوائر المالية الخارجية عندما تجد فريقا بهذه المواصفات فسيتعاملون معه, وهو أمر تحقق من قبل, فعندما تجد هذه الدوائر هذا النوع من الاقتصاديين المخلصين, حتي لو لم يكونوا من مؤيدي سياسات العولمة- التي يدعمها الغرب- فإنهم يتفاوضون معهم, ولابد من بناء حكومة قوية وفريق اقتصادي قوي ووضع قيادات اقتصادية في كل المرافق لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية في ذات الوقت. . حتي لو وجدت هذه المجموعة الاقتصادية, إلي أي مدي سوف يؤثر عدم الاستقرار الأمني في تبديد أي الجهود التنموية والإصلاحية ؟ .. لن تستمر حالة عدم اليقين فترة طويلة لأنه أمر يؤثر علي الوضع الاقتصادي وعلي الاستثمارات, وعندما يحدث استقرار سياسي وأمني, ولو حتي بصورة نسبية, سوف يؤدي إلي تراجع أجواء عدم اليقين, ومن هنا سوف يتشجع المستثمر الجاد بالنظر إيجابيا لمصر والعودة, وأيضا سوف ينعكس ذلك علي التصنيف الائتماني وعودة العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي, وبالمناسبة, سوف يستمر اقتصاد السوق, لأنه من الصعب انتهاج منهج آخر, ولكن ما نوع اقتصاد السوق المرغوب ؟ هناك تجارب أخري مفيدة للرد علي ذلك, فهناك اقتصادات سوق اجتماعية, في ألمانيا, وهو نوع آخر من اقتصادات السوق تختلف عن سياسات الأنجلو ساكسونية, وهناك أيضا' اقتصادات السوق المحكومة' في أسيا ويسمونهاGovernedEconomy وهناك تجربة' النمو التشاركي'sharedgrowth, كلها تجارب واضحة تم فيها تهذيب اقتصاد السوق, وعند استقرار الأوضاع فسوف ينظر رجال المال والأعمال نظرة عادلة. . هل أثرت الأزمة المالية علي مصداقية مؤسسات التقييم الدولية, والتي كانت قد أعطت تقيمات مرتفعة لكبريات بنوك الاستثمار الأمريكية, أمثال ميريل لينش, ثم انهارت هذه البنوك في يوم واحد, وكيف نتعامل مع تقيمات هذه المؤسسات المتراجعة لمصر ؟ .. مصداقية هذه المؤسسات تأثرت بالأزمة الأسيوية من قبل, لأنها كانت تعطي تقيمات مرتفعة لبلدان كثيرة ثم مرت كلها بالأزمة المالية الأسيوية في7991, ثم تكرر الأمر في الأزمة العالمية في8002, يمكن أن نري أن هناك درجة من درجات التواطؤ من هذه المؤسسات, وأذكر أن وزيرا جاء من تايلاند بعد الأزمة المالية في أسيا وقال لي عن هذه الوكالات أنها كانت تشجع المسار الاقتصادي لهذه الدول ثم بعد الأزمة أخذت هذه الوكالات في انتقاد نفس سياسات التي شجعتها من قبل, فهناك قدر من النفاق, ومنظمات التقييم الدولي يمكن تشبيهها بعسكري المرور, فهي منحازة وفق تأثيرات سياسية, لأنها- كعسكري المرور- تقوم بتقييمات اقتصادية جيدة أو سيئة وفقا لرضاها عن سياسات هذه البلاد, كعسكري المرور الذي يسمح للبعض بالقيام بأمور معينة ولا يسمح للبعض الآخر وفقا لهواه, فأنا لا أثق في تقييمات هذه الوكالات, ولكن للأسف هذا هي' شرطي المرور' الوحيد المتاح في العالم الآن!! . هل تغيير ساحة الاقتصاد العالمي, وظهور لاعبين جدد مؤثرين, ألا يؤدي ذلك إلي وجود بدائل لعسكري المرور سيئ السمعة هذا ؟ .. هو أمر صعب, فأثناء الأزمة الأسيوية ظهرت دعوة لعمل' صندوق نقد أسيوي', بديلا عن صندوق النقد الدولي ولكنها كانت فكرة حاربتها بشدة الولاياتالمتحدة وهذه الوكالات هذه من نتاج' العولمة المالية', إضافة إلي الثلاث منظمات التي تحكم الملعب الاقتصادي, صندوق النقد الدولي, البنك الدولي, منظمة التجارة العالمية-5991- وأضيفت هذه المؤسسات- عساكر المرور- لتلعب دورا كبيرا وخطيرا من حيث توجيه الاستثمارات العالمية, وللأسف لاشك أن مؤسسات التقييم الدولية يمكن أن' تخنق' اقتصادات دول ما أو' تعوم' اقتصادات دول أخري, فللأسف هذه المؤسسات تلعب دورا خطيرا علي ساحة الاقتصاد الدولي الآن ربما يفوق دور صندوق النقد الدولي. ولكن هناك مجموعة من الدول تعمل لوضع نظام اقتصاد عالمي جديد والتي أسميها' الطليعة' ومنها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا, ويمكن أيضا أن نضيف كوريا الجنوبية وماليزيا- فهناك تحول ملحوظ في مشهد الاقتصاد العالمي.