أتابع منذ زمن تجربة الدكتور مهاتير محمد.. رئيس وزراء ماليزيا الأسبق.. هذا الرجل الذي صنع معجزة ماليزيا الاقتصادية، واستطاع أن ينقلها بحكمته ورؤيته الفريدة من دولة فقيرة إلي خانة: النمور الآسيوية. تجربة مثيرة ، جديرة بالدراسة والتحليل، والتقاط نقاط قوتها، وعناصر تفردها. مهاتير محمد الآن خارج السلطة، لم يعد رئيساً للوزراء، لكنه شخصية عالمية لايزال، يدعي إلي جميع المحافل الدولية ليلقي محاضرات مفيدة وغنية عن تجربته في ماليزيا، وكيف حقق لها كل هذا الرخاء الاقتصادي بالفكر لا بالمال. قال مهاتير في محاضرة بالإمارات إن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلي الأزمة المالية العالمية هو: ابتعاد الحكومات عن التدخل فيما يجري في السوق. وهو خطأ فادح لأن السوق يجب ألا تترك لأشخاص لايعنيهم رخاء المجتمع في شيء، لكنهم يتسابقون من أجل حصد الأرباح الضخمة. وطالب الدكتور مهاتير الحكومات المختلفة بالتدخل في التشريعات والقوانين والآليات التي تتعلق بالسياسات النقدية والمالية، وفي مقدمتها »صندوق النقد الدولي«. وقال: إن الأزمة المالية التي تعرضت لها الدول الآسيوية في التسعينات تجربة يجب علي دول العالم الآن الاستفادة منها. فحين راحت معظم الدول الآسيوية تطبق نصائح »البنك الدولي« و»صندوق النقد الدولي« تركت ماليزيا هذه النصائح، وقامت بنفسها بدراسة السوق وتدخلت في آلياته فضخت مليارات الدولارات للشركات والمؤسسات والأفراد. وكذلك تدخلت في أسعار صرف العملات بما يحقق الانتعاش الاقتصادي، ويخرج ماليزيا من كواليس الأزمة الاقتصادية في ذلك الوقت. معني ما قاله مهاتير محمد أن نصائح »صندوق النقد الدولي« و»البنك الدولي« ليست قاطعة ولا حاسمة ولاملزمة لأي دولة تريد أن تنهض من عثرتها الاقتصادية. معني كلامه أيضاً أن الحل يجب أن يخرج من قلب المجتمع وليس من خارجه. الحل الذي تنسجه رؤية ناضجة متعمقة لمشاكل البلد، تقدم حلولاً وخططاً »علي مقاس« ذلك البلد. هل يمكن أن نستلهم شيئا من كلام مهاتير محمد. الماليزي.. الوطني.. صانع المعجزة في بلاده التي كانت فقيرة وأصبحت الآن من أكثر الدول الآسيوية انتعاشا ورخاء؟ إنه إنسان طبيعي.. ليس أسطورة.. ولا بطلا خرافيا من أبطال أفلام »الثري ديمنش«. إذن فالحل ممكن.. والتجربة بتفاصيلها متاحة، ونتائجها مذهلة وهائلة.. فلماذا نغمض أعيننا، ولا نري إلا أنفسنا؟! هل يأتي اليوم الذي ينتج لنا الفكر الاقتصادي - وخبراؤه كثيرون في بلادنا - رؤية مصرية خالصة تنطلق من واقعنا وخصوصيتنا، وتقلع بنا إلي فضاء الأمل؟ هل نحلم بيوم تصبح فيه التجربة المصرية مضربا للمثل مثلما فعلت التجربة الماليزية؟