صندوق النقد الدولي يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر خلال الأسبوع الجاري    أسعار النفط تتراجع 2.51%.. وبرنت يسجل أقل من 60 دولاراً للبرميل    أول تعليق من الحوثيين على هجوم الاحتلال الإسرائيلي على اليمن    الرئيس السيسي يشهد انطلاق النسخة 25 من بطولة العالم العسكرية للفروسية    الداخلية تكشف ملابسات تداول فيديو يتضمن اعتداء 3 أطفال على آخر بكفر الشيخ    أمن القاهرة يكشف ملابسات سقوط عامل من علِ بباب الشعرية    سؤال برلماني لرئيس الوزراء ووزير البترول حول وقائع غش بنزين أضرت بمئات المواطنين    ياسمين رئيس: فيلمي فضل تريند لمدة شهر (صور)    داليا البحيري وخالد صلاح وعلاء الكحكي في عزاء المنتج وليد مصطفي    محافظ الإسكندرية: استمرار تكثيف القوافل الطبية المجانية بنطاق الأحياء تنفيذًا لتوجيهات السيسي    زراعة الشيوخ توصي بسرعة تعديل قانون التعاونيات الزراعية    غدًا.. دينية النواب تستكمل مناقشات قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    سفير العراق يشيد بدور مصر فى دعم العراق.. ويؤكد: نسعى لبناء عاصمة إدارية    تصل ل 40.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة غدًا وخلال الأيام المقبلة في مصر    خوفا من الإلحاد.. ندوة حول «البناء الفكري وتصحيح المفاهيم» بحضور قيادات القليوبية    الرئيس عبد الفتاح السيسي يصل مقر بطولة العالم العسكرية للفروسية رقم 25 بالعاصمة الإدارية "بث مباشر"    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    عاد من الاعتزال ليصنع المعجزات.. كيف انتشل رانييري روما من الهبوط؟    محافظ سوهاج يفتتح المبنى البديل لمستشفى المراغة المركزي لحين الانتهاء من المستشفى الجديد    محافظ السويس يشهد ندوة وجعل بينكم مودة ورحمة لتوعية الشباب بأسس تكوين الأسرة    يونيسيف: قطاع غزة ينهار والأطفال والنساء يموتون جوعا    يديعوت أحرونوت: 4 مليار دولار تكلفة توسيع إسرائيل للحرب في غزة    «جبران»: تصديق الرئيس السيسي على قانون العمل في عيد العمال قرار تاريخي    الرابطة ترفض الاتهامات: لا نفرق بين الأندية    أيرلندا تحذر من توسيع إسرائيل حربها على غزة: ما يتعرض له الفلسطينيون مقزز وعديم الرحمة    وفاة نجم "طيور الظلام" الفنان نعيم عيسى بعد صراع مع المرض    عقب زيارة «زيلينسكي».. التشيك تعلن دعم أوكرانيا بالذخيرة والتدريبات العسكرية    لاوتارو يعود للتدريبات قبل موقعة برشلونة وإنزاجي يترقب حالته النهائية    وزير العمل: وقعنا اتفاقية ب10 ملايين جنيه لتدريب وتأهيل العمال    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني| صور    جانتس: التأخير في تشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر يضر بأمن الدولة    سفيرة الاتحاد الأوروبي ومدير مكتب الأمم المتحدة للسكان يشيدا باستراتيجية مصر لدعم الصحة والسكان    محافظ المنوفية: تعزيز منظومة إنتاجية القطن والارتقاء به    الغرف السياحية: التأشيرة الإلكترونية ستؤدى إلى زيادة كبيرة في أعداد السائحين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم 5 مايو    حزب المؤتمر يدعو لتشريعات داعمة للتعليم الفني وربط حقيقي بسوق العمل    وضع السم في الكشري.. إحالة متهم بقتل سائق وسرقته في الإسكندرية للمفتي    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    وصلت لحد تضليل الناخبين الأمريكيين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي.. «التصدي للشائعات» تناقش مراجعة وتنفيذ خطط الرصد    مصر تحصد 62 ميدالية بالبطولة الأفريقية للمصارعة بالمغرب وتتصدر كؤوس المركز الأول    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    الرئاسة الروسية: سننظر إلى أفعال المستشار الألماني الجديد    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    «اللعيبة كانت في السجن».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على كولر    وزير التعليم العالي يُكرّم سامح حسين: الفن الهادف يصنع جيلًا واعيًا    انهار عليهما سور جنينة.. الصور الأولى من موقع مصرع شقيقتين في قنا    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    هيئة الصرف تنظم حملة توعية للمزارعين فى إقليم مصر الوسطى بالفيوم    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامى : تجديد الفكر الدينى يعنى مراجعة علوم التفسير والحديث والفقه
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 04 - 2016

► اختلاف الائمة الاربعة رحمة للمسلمين بينما ادى اختلاف علماء الكلام الى الحروب
► التصورات الشعبية للدين تعبر عن الوجدان الجمعى وتنطوى على مصداقية لا نظير لها فى التاريخ الرسمى
► ظاهرة الإسلام السياسى ذى المعتقدات المتطرفة ارتبط ظهورها بجماعة الإخوان المسلمين
► التجديد يجب أن يشمل كل المذاهب فى العالم الإسلامى
► التعددية سنة إلهية محمودة حتى لو تعلق الأمر بالعقيدة

المفكر محمود اسماعيل استاذ التاريخ الاسلامى بجامعة عين شمس يبحث منذ سنوات فى تفسير عقلانى للتاريخ الاسلامي، وفى كل محاولاته وقراءاته كان يثير جدلا صاخبا بين التأييد والرفض ربما لأن معظم ما يقدمه مختلفاً فى منطلقاته ونتائجه عما يتم الترويج له فى ميدان قراءة التراث والاستفادة منه.
وينطلق محمود اسماعيل من قراءة لا تتنكر للتاريخية التى تضع الحوادث فى سياقاتها التاريخية وتفهم الظروف السياسية والاقتصادية والطبقية التى أفرزتها قبل ان نحكم عليها بمنطق الراهن الآن .. وفى اجاباته على أسئلة الملف الخاص بالدعوة الى تجديد الخطاب الدينى والتى لم تعد دعوة نخبة تريد إصلاح ما أفسده المتطرفون بل خطاب دولة تريد فهم الدين على مرآة العصر بدلا من فهم العصر على ايقاع الماضي... ويرى المفكر محمود اسماعيل أن الدعوة لتجديد الخطاب الدينى تكتسى أهمية مضاعفة هذه الايام نتيجة ما يشهده العالم العربى الآن من فوضى خططت لها الدوائر الإمبريالية والصهيونية العالمية لتمزيق العالم العربى إلى كيانات قزمية متصارعة، معولة فى ذلك على جماعات الإسلام السياسى فى إثارة حروب دينية وطائفية باسم الإسلام.. وهذا نص الحوار ..
ما المقصود بمصطلح الخطاب، وهل يمكن تطبيقه على النص الدينى المقدس، أو ينسحب فقط على النصوص الشارحة والتفاسير؟
يكتسى هذا السؤال وجاهته نظرا لالتباسه فى أذهان بعض من مشايخ الأزهر أنفسهم، فما بالك بغير المتخصصين فى علوم اللغة والدين الإسلامي.
والتجديد المستهدف لا يتعلق بالعقيدة، كما نص عليها القرآن الكريم، بل بالتفاسير والشروح التى يتضمنها علم الكلام، أو التوحيد، أو علم الأصول، لا لشيء إلا لكونها اجتهادات بشر يصيبون ويخطئون. بل إن بعض هؤلاء أضفوا على تفاسيرهم – لضآلة معارفهم – الكثير من الإسرائيليات والأساطير بل والخرافات أحيانا.
ومنهم من قال بالتشبيه والتجسيم للذات الإلهية، دون الالتفات إلى النص القرآنى بصددها فى عبارة "ليس كمثله شيء". ومنهم من لجأ إلى "التأويل" الخاطئ عمدا لإسقاط صفات – بل أسماء الله الحسنى – على الحكام باعتبارهم – فى نظرهم – خلفاء الله على الأرض، خوفا أو طمعا . ومن أسف فإن معظم هؤلاء كانوا ولا يزالون من الأشاعرة.
أما ما يجب تجديده ، فيتعلق بعلم الفقه الخاص بالمعاملات ، دون العبادات . وقد أبلى الكثيرون من الفقهاء المستنيرين فى تأسيس "علم أصول الفقه" – كالشافعى والشيبانى والشاطبى والطوفى والعز بن عبد السلام وغيرهم – بلاء حسنا فى تجديد الشريعة الإسلامية ، فقعدوا للقياس والاستحسان والاستصلاح والمصالح المرسلة ومقاصد الشريعة، بدرجة لو أخذ باجتهاداتهم لأغنتنا عن اللجوء إلى الدساتير والقوانين الأجنبية، ووجدنا حلولا ناجعة لنوازل ومستجدات مشكلات العصر.
أما عن المفهوم العلمى لمصطلح الخطاب، فقد وضعه أرسطو الفيلسوف فى إطار بقوله أنه "الكلام المقنع" المدجج بالبراهين والأدلة، وذلك فى كتابه المعنون "ريطوريقا" أى "الخطابة"، التى عرفها اللغويون العرب بعلم "البلاغة" الذى يعبر عن الأفكار والمعانى بالكلام البين الواضح، فضلا عن البرهنة عليه بالأدلة المنتظمة بهدف الإقناع والتصديق. ولم نذهب بعيدا والقرآن الكريم يدلل على كل ما سبق فى الآية «وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب».
وهل ثمة خطاب دينى شامل جامع يمكن تجديده أم أنها خطابات متعددة رغم الانتماء لدين واحد؟
ثمة خطابات متعددة .. فهناك الخطاب الدينى الرسمي، إن جاز التعبير، وهو الذى تتبناه المؤسسات الدينية السنية، كالأزهر فى مصر وجامعة القرويين فى المملكة المغربية والزيتونة فى تونس، على سبيل المثال. وكلها تتبنى المذهب الأشعرى فى أصول الدين، وإن اختلفت فى أصول الفقه، ففى الأزهر يجرى اعتماد المذاهب الفقهية الأربعة، بينما يسود المذهب المالكى بالنسبة للمغاربة.
وثمة خطاب آخر يتعلق بالاتجاه السلفى الذى يستمد مرجعيته من فكر ابن تيمية، سواء فى أصول الدين أو أصول الفقه. ومعلوم أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل يشكل بدوره مرجعية ابن تيمية المعادى للأشاعرة فى أصول الدين، ومبدأ الاجتهاد فى الفقه. ويعد المذهب الوهابى أهم المذاهب السلفية المعاصرة، فهو أكثرها رواجا وانتشارا، رغم تعصبه الشديد، واعتبار المذاهب الأخرى لا تمت بأدنى صلة إلى الإسلام!
أما الخطاب الصوفى فهو على نوعين: أولهما التصوف الطرقى الذى أصل له الإمام الغزالى بالنسبة لأهل السنة. وثانيهما التصوفى العرفانى الإشراقى الغالب على تصوف الشيعة، وبعض من أهل السنة خصوصا فى الغرب الإسلامي. ومن أهم أعلامه ومنظريه ابن العريف وابن عربى وابن سبعين والسهروردى فى الشرق الإسلامي.
وثمة خطاب آخر يتمثل فى الخطاب الدينى الإباضي، ويعبر عن الإباضية فى سلطنة عمان وبعض نواحى بلاد المغرب. وهو اتجاه مرفوض من لدن الخطابات السلفية خصوصا التى تكفره، كما تكفر المتصوفة بالمثل.
أما عن ظاهرة الإسلام السياسى الذى يتبنى معتقدات الحاكمية والتكفير ونحوها من أفكار التطرف، والتى تتبنى معاداة المذاهب الأخرى كافة، وتعمل على محوها جميعا عن طريق العنف وسفك الدماء ، فقد ارتبط ظهورها بجماعة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا سنة 1928، ونظُر لفكرها سيد قطب، الذى تعد كتاباته مرجعية جماعة الإخوان، وما تولد عنها من جماعات وتنظيمات – كالجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة وتنظيم القاعدة الذى تولد عنه تنظيمات النصرة وداعش ونحوها – فهى تعادى كل الأديان والمذاهب الدينية باعتبارها "جاهلية" وجب تقويضها بالقوة توطئة لإحياء الخلافة الإسلامية عن طريق "الجهاد" الذى يفضى إلى انتشار الإسلام فى العالم بأسره.
من أجل ذلك لم تجد غضاضة فى التحالف مع الصهيونية والإمبريالية الغربية لتحقيق مشروعها "الوهمي" “الطوبوي"..
إخفاق الإصلاح
كيف تقرأ عملية الإصلاح الدينى وتجديد الفكر الإسلامى منذ الإمام محمد عبده حتى الآن.. ولماذا لم تصبح تيارا سائدا فى الثقافة المصرية؟
أجبت عن هذا السؤال فى كتاب يحمل عنوان "الفكر الإسلامى الحديث بين السلفيين والمجددين ، ولا أقل من الإشارة إلى العوامل الآتية فى عجالة.. إن حركة التجديد بدأت متأخرة – أوائل القرن التاسع عشر – بالقياس لحركة الإصلاح الدينى فى أوروبا التى حدثت فى القرن الثامن عشر – وإن بدأت إرهاصاتها فى عصر النهضة الأوروبية – ويرجع نجاحها إلى ارتباطها بظهور الطبقة البرجوازية ثم إنجاز الثورة الرأسمالية التى تمخضت عن ظهور الدولة الوطنية وإحلال القورانين المدنية محل نظيرتها الكنسية، وتعاظم النزعة الإنسانية بعد تحريرها من إسار اللاهوت، ونمو الفكر العقلانى الليبرالى وتطبيق المنهج العلمى التجريبي..إلخ. بما شكل مناخا عاما مواتيا لنجاح حركات الإصلاح الديني.
وبخصوص العالم الإسلامي، لم تتخلق به طبقة وسطى قوية لتقود حركة التطور، بل كانت برجوازية هزيلة لم تستطع القضاء على الإقطاع لكونها بورجوازية تجارية ارتبطت مصالحها بالدولة المهيمنة على قوى الإنتاج ، فتنكرت لمهامها التاريخية فى قيادة العامة ، وانحازت إلى الدولة – فى معظم الأحيان – وصدق ابن خلدون بأن الدولة "هى السوق الأعظم للتجار".
ومع إخفاقها فى إنجاز ثورة رأسمالية – كما حدث لنظيرتها فى أوروبا – إلا أنها نجحت فى إحداث "صحوة برجوازية" كانت من وراء ظهور التيارات الليبرالية العقلانية التى أنجزت حركة الترجمة وحركة تدوين العلوم خلال قرنين يتيمين فى المسار الطويل للتاريخ الإسلامي.
وإذ تعاظمت الإقطاعية على مستوى الإنتاج والإدارة واتخذت طابعا عسكريا فى الغالب الأعم – على الصعيد السياسي- فقد أجهضت الطبقة الوسطى منذ منتصف القرن الخامس الهجري.
نجم عن ذلك دخول الفكر الإسلامى طور الانحطاط، حيث اختفت العلوم الطبيعية أو كادت بعد تحريمها وتجريم المشتغلين بها. أما العلوم الدينية فقد تجمدت وتخلفت بعد أن فشى التقليد والنقل على حساب العقل ، وساد الاتباع على حساب الإبداع . ولا غرو، فقد حوصر المبدعون وأحرقت كتبهم وصودرت ممتلكاتهم، وأودع الكثير منهم السجون باعتبارهم "أهل بدع وضلالات" .
وظل الحال على هذا المنوال حتى بواكير العصر الحديث، حيث ابتلى العالم الإسلامى بالاستعمار الأوروبى. وإذ أسفر ذلك عن صحوة برجوازية – بعد القضاء على الإقطاع – فقد أفرزت تيارات فكرية حداثية بدرجة أو بأخرى. تلك التى عبر عنها الطهطاوى والأفغانى ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبى وخير الدين التونسى وغيرهم. حاول هؤلاء القيام بحركة إصلاح دينى فى صورة إحياء للتيارات العقلانية فى التراث الإسلامى من ناحية، والإفادة من علوم الغرب من ناحية أخري.
ولكن اسهاماتهم لم تتحول الى تيار عام ؟
للأسف أن نجاحهم كان محدودا لعدة أسباب، منها تعاظم الاتجاهات السلفية التقليدية الموروثة عن عصور الانحطاط الطويلة، وخصوصا بعد مؤازرتها من قبل المستعمرين الذين رأوا فى اتجاه التجديد ما يشكل خطرا على الوجود الاستعماري. منها أيضا توزع جهود المجددين بين مهمة تحقيق الاستقلال وبين نشاطاتهم فى تجديد الفكر الإسلامي. وكذلك تفشى الأمية بين الجماهير بما يحول بينهم وبين قبول الفكر التجديدي، خصوصا بعد انتماء الكثيرين إلى التصوف الطرقى المفضى إلى التواكلية والشعوذة والخرافة وما شابه.
مع ذلك، أنجب المجددون العديد من التلاميذ الذين لم يتقاعسوا عن حمل رسالتهم، من أمثال لطفى السيد وسعد زغلول وطه حسين وأمين الخولى والشيخين على ومصطفى عبد الرازق وغيرهم من رواد الحركة الوطنية وتجديد الفكر الديني.
بالمثل أنجب هؤلاء الرواد تلامذة نجباء أنجزوا الكثير من مشروعات التجديد فى الفكر الإسلامى ، فضلا عن بث روح التنوير بهدف التثوير، كما هو حال حسن حنفى ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم كثير.
التقريب بين المذاهب
أشرت الى رفض بعض المذاهب الدينية فهل يمكن الحديث عن محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية على غرار ما قام به الشيخ محمود شلتوت خلال ستينات القرن الماضى ، ومن ثم التوصل إلى خطاب دينى عام وجديد؟
أنوه قبل الإجابة على هذا السؤال بأن التعددية سنة إلهية محمودة، حتى لو تعلق الأمر بالعقيدة. فما أكثر الآيات القرآنية الدالة على مصداقية تلك المقولة. لكن ثمة فارق كبير بين التعددية على هذا النحو الإيجابي، وبين التشرذم والفرقة كنتيجة للجدل السفسطى المفضى إلى العدمية حول مسائل هامشية جرى إقحامها على العقيدة. والأنكى أن يتحول هذا الجدل إلى التفكير المفضى إلى نفى الآخر، بل تقويمه بالسيف كما يجرى الآن – للأسف – فى معظم دول العالم العربي. وحسبنا أن الرسول (ص) قد نهى عن الجدل بصدد القضاء والقدر، على سبيل المثال. بل يحمد للإمام مالك أمر أصحابه وتلامذته – رغم اتساع معارفهم الدينية – بالبعد عن اللغط واللجاج فى الدين، اللهم إلا إذا ما كان مرتبطا بالعمل. والأهم هو نهيهم عن الاشتغال بالسياسة.
نفهم من ذلك أن البحث فى أمور الدين مشروع وواجب منوط بالعلماء فقط. ففى مجال الفقه – على سبيل المثال – لم نسمع عن ضغائن وصدام بين الأئمة الأربعة ، برغم اختلافهم فى الكثير من المسائل والأحكام الفقهية . بل كان هذا الاختلاف – فى حد ذاته - “رحمة" للمسلمين.
على العكس من ذلك أفضى الخلاف بين علماء الكلام فى المسائل الغيبية إلى مذابح واغتيالات، بل وحروب لا تزال نيرانها مشتعلة إلى الآن. هذا على الرغم من نص القرآن الكريم على كون مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله سبحانه. وأن الإيمان بالغيب محله القلب والتصديق بالعقل وترجمته إلى عمل وسلوك.
أما عن الحكمة من نهى الإمام مالك لتلامذته عن الاشتغال بالسياسة وإقحامها فى الدين، فيعزى إلى ما يترتب على هذا الإقحام من إساءة إلى الدين وإخفاق فى السياسة فى آن. وحسبنا تدليلا على ذلك من وقائع "الفتنة الكبري" المؤسفة وما نجم عنها من ظهور الفرق والمذاهب السياسية الدينية التى نكتوى بنارها إلى اليوم.
وفى ذلك يقول الشهرستانى "ما سل سيف فى تاريخ المسلمين أنكى مما وقع من خلاف بسبب النزاع على الخلافة".
نستخلص من ذلك حقيقة مهمة بصدد هذا الحوار، وهى أن كل المذاهب الإسلامية الأساسية – فى العالم الإسلامى حاليا – كالشيعة وأهل السنة والإباضية مسلمون موحدون. كما أن ما بينها من خلافات عقدية مزعومة لا وجود لها أصلا. بل يرجع تاريخ هذا الاختلاف إلى أسباب سياسية جرى ويجرى تبريرها بالدين ليس إلا.
نعود إلى ما ذكرت فى سؤالك عن محاولة المرحوم الشيخ محمود شلتوت للتوحيد بين المذاهب أو التقريب بينها على الأقل، وهو ما وفق بصدده خصوصا بين مذهبى أهل السنة والمذهب الشيعى الإثنى عشرى – أو الجعفرى – لا لشيء إلا لعاملين أساسيين. أولهما أن الحوار جرى توقيتا فى ستينيات القرن الماضى حيث جرى تطوير مؤسسة الأزهر من ناحية، ووجود مشروع وطنى استقطب الجماهير بكل معتقداتها من ناحية أخري. وثانيهما أن الشيخ الجليل كان على قناعة لا يشوبها أدنى شك فى كون الشيعة – كأهل السنة – مسلمين موحدين. وهو ما يفسر إقدامه على تدريس هذا المذهب فى جامعة الأزهر، بل لم يجد غضاضة فى اعتماد بعض أحكام الفقه الجعفرى فى القضاء المصري.
وما نؤكده أن ما أقدم عليه الشيخ الجليل كان له نظائر فى التاريخ الإسلامى – إبان عصور الازدهار – كما هو الحال بالنسبة إلى محاولة مماثلة من جانب جماعة "إخوان الصفا"، وأخرى تتعلق بدعوة المهدى بن تومرت إمام الموحدين ، على سبيل المثال.
هل تعتقد ان الأزهر يمكن ان يقوم بدور فى هذا الصدد فى الوقت الراهن ؟
أغلب الظن – وليس بعض الظن إثما – أن الإجابة ستكون "لا".
تجديد أم إصلاح
هل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الدينى أم إلى إصلاح دينى على غرار ما حدث فى أوروبا، والأهم هل التجديد أو الإصلاح يحتاج إلى حوار مجتمعى شامل؟
للإجابة على هذا السؤال المعقد والمركب، لا مناص من تحديد المصطلحات والمفاهيم. فتجديد الخطاب الدينى يعنى فى نظر البعض مجرد تجديد لغة الخطاب ، وعند البعض الآخر – ونحن منهم – أن المطلوب حقا هو تجديد الفكر الدينى ذاته، لأنه لا قيمة لخطاب لا تنطبق لغته على مضمونه ومغزاه. وإذا ما جرى تجديد الفكر يتجدد الخطاب تلقائيا.
أما عن مصطلحى "التجديد" و"الإصلاح" ، فثمة التباس بصدد مفهوم كل منهما. فالتجديد فيما نرى لا يمس ثوابت العقيدة ، بقدر ما يعنى تجديد الشريعة، وذلك عن تجديد علم أصول الفقه . لقد أسهم علماء أصول الفقه القدامى بجهد كبير فى وضع أصول وقواعد هذا العلم، تلك القواعد هى التى يلتزم بها المشرع فى استنباط الأحكام.
لذلك نرى ضرورة تجديد تلك القواعد من خلال معطيات الواقع المتغير دوما، وذلك عن طريق المراجعة والحذف والإضافة ، كى يتسق مع الواقع الذى يتعامل معه. وهو ما جعل التجديد ضرورة عملية نص عليها الرسول (ص) فى قوله :”أن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمور دينها".
أما مصطلح "الإصلاح" فيعنى – لغة – أن أمرا ما قد اعوج، ومن ثم تدعو الحاجة إلى تقويمه بإعادته إلى سابق وجوده. أما عن المعنى "التاريخي"، فالأمر أكبر من تقويم المعوج. ذلك أن حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا استهدفت إلغاء الأفكار والمفاسد التى عجت بها تفاسير اللاهوتيين برمتها لأمور العقيدة والشريعة فى آن. فالحركة البروتستانتية لم تكن مجرد إصلاح بقدر ما كانت ثورة على اللاهوت برمته، وذلك بالعودة مباشرة إلى الكتاب المقدس، وهدم الفكر الكنسى برمته.
لذلك أصاب رئيس الجمهورية حين دعا إلى "ثورة دينية" شاملة على العكس من تصور شيوخ الأزهر الذين نظروا إلى "التجديد" على أنه مجرد "إعادة ترتيب الأولويات" عند البعض، أو تطوير خطبة الجمعة عند البعض الآخر. بل إن أحد أساطين علماء الأزهر أعلن أن التجديد يكمن فى تعليم الدعاة الكمبيوتر وبعض اللغات الأجنبية.
وماذا يعنى التجديد فى رأيك ؟
إن تجديد الفكر الدينى يعنى مراجعة العلوم الدينية أو الشرعية و"تطهيرها من الجهالات بالحكمة" على حد قول إخوان الصفا..
وما الحكمة إلا القراءة العقلية النقدية للموروث الديني، أعنى علوم التفسير والحديث والفقه والكلام ، وتطهيرها من الخرافات والأساطيرونحوها.
ولا يمكن تحقيق ذلك دونما الإحاطة بالثورة المنهجية والمعرفية الحديثة والمعاصرة، وهو ما يفتقر إليه "أهل الذكر" من شيوخ الأزهر.
على أن الإنصاف يقتضى الإشارة والإشادة ببعض هؤلاء المشايخ ، لكنهم للأسف من المغضوب عليهم. هؤلاء هم المنوطون بتجديد الفكر الدينى إلى جانب المفكرين المستنيرين ، وما أكثرهم.
هل تعتقد ان هناك مسائل بعينها يجب ان يشملها التجديد الان كحل مرحلي؟
ليست هناك مرحلية فى هذا الصدد، فالفكر الدينى كله بحاجة إلى التجديد . وإذ سبق لنا الإشارة إلى أن الفقه بالذات يشكل حجر الزاوية فى عملية التجديد، فعلم الفقه يستلزم ضرورة تجديد العلوم الدينية الأخرى ، خصوصا علمى التفسير والحديث، باعتبارهما أساس ومصدرى التشريع.
والأهم ضرورة فهم الواقع الآنى بخصائصه ومشكلاته باعتباره مناط التشريع وموضوعه، بل هو الغاية والهدف من عملية التجديد فى التحليل الأخير، وهو الفيصل فى تحديد مدى النجاح أو الإخفاق لتلك المهمة.
الثابت والمتغير
هل يمكن أن يكون الدين أداة التغيير فى الوقت نفسه الذى يدعو فيه إلى الثبات؟
الثبات يتعلق بالعقائد فقط، أى فى تحديد العلاقة بين الإنسان وخالقه. أما عن الشريعة فمعظمها مبادئ عامة سامية كالحرية والعدالة والمساواة ونحوها. وهى قيم صالحة لكل زمان ومكان. ولكون الإسلام خاتمة الأديان السماوية وحتى يوم البعث والنشور، تستهدف شريعته تحقيق هذه المبادئ عن طريق الاجتهاد، بكل السبل والوسائل "فشريعة العدل شريعة الله" ، و"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها".
ما هى برأيك العناصر المفقودة أو الفريضة الغائبة فى الخطاب الدينى السائد؟
باختصار شديد نحددها فى آفة "التقليد" التى حمل القرآن الكريم عليها فى الكثير من آياته. وقد وضع الإمام السيوطى مؤلفا فى هذا الصدد، بما يغنى عن البيان. أليس من العبث أن يعطل معظم فقهاء العصر نشاط العقل الذى ميز الله به الإنسان عن كل المخلوفات بذريعة الاقتداء ب "السلف الصالح"؟!
يرى الباحث السودانى عبد الله النعيم أن علمانية الدولة فريضة إسلامية، بينما يذهب الكثيرون من المعممين إلى أنها تعنى الإلحاد . فما هو رأيك فى هذه المسألة؟
كتبت الكثير دفاعا عن العلمانية ويمكن الرجوع إلى بعض مؤلفاتى ، مثل كتاب "فصل المقال فيما بين الإسلامويين ونبوءة الدجال من اتصال"، وكتاب "الإسلام السياسى بين الأصوليين والعلمانيين"، فضلا عن عدة مقالات نشرت بصحيفة الأهالى منذ عامين بعنوان "العلمانية بين المسيحية والإسلام"، أتحدث فيها بأنه لا تعارض البتة بين الإسلام والعلمانية ، بل إن الإسلام بشر بالعلمانية قبل ظهورها فى أوروبا بقرون، حين ميز وفصل بين "عالم الغيب" و"عالم الشهادة" ، مدللا على ذلك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. وفى كتابى "الخلافة الإسلامية بين الفكر والتاريخ" أثبت أن العالم الإسلامى لم يشهد البتة نمط الحكم الثيوقراطي. ولشد ما كانت دهشتى حين أخبرنى الناشر أن الأزهر اشترى 200 نسخة واشترت وزارة الأوقاف 300 نسخة من هذا الكتاب !
ولماذا لم يشهد العالم الإسلامى – كما شهدت دول أمريكا الجنوبية – تيارا يعبر عن "لاهوت التحرير"؟
بل شهد الكثير من التيارات على صعيد الفكر الدينى السياسى عبرت عن "لاهوت التحرير"، خصوصا فرق الخوارج والشيعة والتصوف العرفانى "وقد اشرت الى ذلك فى كتابى "الحركات السرية فى الإسلام". والأهم أن التاريخ الإسلامى حافل بالكثير من الثورات الاجتماعية التى قادها الفقهاء المستنيرون انطلاقا من مبدأ "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" ، وذلك فى كتابى "المهمشون فى التاريخ الإسلامي".
وكيف ترى أثر التصورات الشعبية للدين فى عملية "أنسنة" الفكر الدينى وتجديد الخطاب؟
سؤال غاية فى الأهمية أجبت عنه فى كتاب "الاسطغرافيا والمثولوجيا"، فضلا عن معلومات إضافية فى مشروع "سوسيولوجيا الفكر الإسلامي" وإذ لا يتسع المجال للشرح، نكتفى بالإشارة إلى الأمثال الشعبية – خصوصا سيرة السيد البطال وسيرة على الزيبق – وخيال الظل، وكرامات المتصوفة وغيرها. وكلها تشى بإبداعات العوام التى تعد – فيما أرى – بمنزلة تاريخ صادق يعبر عن الوجدان الجمعى وينطوى – رغم جموح الخيال – على مصداقية لا نظير لها فى التاريخ الرسمى الذى "دبجه مؤرخو السلطة للملوك الظلمة" ، على حد تعبير ابن عربى فى كتابه "العواصم بين القواصم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.