لقد تبوأ الأزهر الشريف ولايزال, وسيظل إن شاء الله تعالي منزلة سامية, ومكانة عالية, وقيمة علمية رفيعة في العالم الإسلامي, ليس لأنه جامع وجامعة منذ أكثر من ألف عام فحسب, وإنما لأنه منارة عالمية للوسطية في العالم الإسلامي كله, وهذا ما جعله يتفرد علي المؤسسات الدينية في العالم أجمع. وإن سر وسطية الأزهر الشريف تكمن في أنه هو المدرسة العلمية المنفتحة التي تطلع علي كافة المذاهب والتيارات الإسلامية, فهو المدرسة الوحيدة التي بدأت في مرحلة مبكرة بدراسة علوم: الفلسفة, والمنطق, وعلم الكلام, والملل والنحل, والتصوف, والفقه المقارن, ونحوها بالإضافة إلي العلوم الشرعية, كالتفسير, والحديث, والفقه, وعلوم القرآن, ومصطلح الحديث, وأصول الفقه, والتوحيد, وغيرها مما جعل الأزهر ينفتح علي الآخر. ولذلك كان من المستحيل أن يصدر الأزهر فتوي بتكفير فرقة من الفرق الإسلامية طالما تعترف بأصول الإسلام بل خرجت الفتاوي من الأزهر الشريف تبيح للمسلم أن يعبد الله تعالي وفق هذه المذاهب طالما تقيم أصول الدين فلا تقول بعبادة غير الله تعالي, ولا تنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة. إن الأزهر بتاريخه الممتد عبر الزمان هو حصن الدفاع عن الإسلام بمفهومه الصحيح, المعتدل, البعيد عن التعصب والتشدد, وهو حامي العقيدة من الفكر المنحرف, وهو المدافع عن الشريعة في مواجهة الأدعياء والمغرضين, وهو الممثل الشرعي للفكر, والفقه, وهو الذي يتولي قيادة العمل العلمي في مجال الاجتهاد الفقهي, وتجديد الفكر الإسلامي, وهو الذي يمثل قيادة الحركة العقلية الرشيدة التي تؤسس لنهضة الأمة, وتتفاعل مع التقدم العلمي والحضاري في العالم. وإن الأزهر الشريف ليرفض فرض رأي واحد, أو فكر معين, أو مذهب واحد, يدعي أنه هو المعبر عن الإسلام, لذلك يحرص الأزهر علي تدريس جميع المذاهب علي تنوعها وتعددها, ويجمع بين فقه الأحكام, وفقه الواقع, أي: أنه يجمع بين الأصول الثابتة والواقع المتغير. والأزهر هو القائم بالحوار بين الديانات والثقافات, والحضارات; للتوصل إلي نقاط الاتفاق, وللتعاون علي البر والتقوي, وهو الذي يعمل جاهدا علي تجديد الخطاب الديني. ومما لا ريب فيه أن الإعلام واحد من الأسلحة القوية الهامة في المعارك الفكرية والثقافية والدينية; إذ به تهيئة الرأي العام وتعبئته وتجييشه, فالإعلام وبخاصة الإعلام الديني سلاح ذو حدين, ولذلك فقد كافح الأزهر الشريف التطرف الإعلامي بكل الوسائل الممكنة, ومن ذلك: المرصد الذي أنشأه الإمام الأكبر شيخ الأزهر; لتتبع واستقراء ما يقرأ, أو يسمع, أو يشاهد من وسائل الإعلام المتنوعة, المرئية والمسموعة والمقروءة, من شبهات حول الإسلام أو حول القرآن أو حول شخص النبي صلي الله عليه وسلم, أو أي تطرف أو انحراف ديني يتم رصده من قبل الأزهر الشريف ثم يتصدي علماء الازهر رد هذه الشبهات, وإبطال هذا التطرف بكل وسيلة إعلامية ممكنة باللغات المختلفة.