مازالت تتكرر المشاهد المؤسفة، منها ما وقع تحت قبة البرلمان أثناء عرض الحكومة برنامجها أمام مجلس النواب يوم الأحد الماضى، اذ حاصر السادة النواب الوزراء بطلبات المزايا والمنح والسباق حول الاستئثار بالتأشيرات والموافقات، حتى أخرت اجتماع المجلس وانعقاده نصف ساعة!!، واستمرار هذه المشاهد السيئة من شأنه أن يصيب سمعة المجلس مجتمعاً، حتى ولو حدث ذلك من بعض الاعضاء. وتبدو خطورة ذلك أن مجلس النواب فى الدستور كسلطة تشريعية له سلطات ومسئوليات عظيمة بلغت 38 مادة بالدستور، كما أن له سلطات كبيرة فى مواجهة السلطة التنفيذية تصل الى سحب الثقة، وقبلها ولأول مرة عدم منح الثقة للحكومة، أو ترشح رئيس جديد عند عدم منح الثقة، فضلاً عن نصوص أخرى عديدة فى مواجهة السلطة التنفيذية وتتطلب موافقة أغلبية اعضاء المجلس حال اعفاء الحكومة من جانب رئيس الجمهورية، أو حتى إجراء تعديل وزارى فيها وبما لا يقل عن ثلث عدد الاعضاء ، فضلاً عن اعتبار مجلس النواب سلطة اتهام وسحب الثقة من الرئيس واعضاء الحكومة بنصوص دستورية جديدة ولأول مرة، تعظيماً لسلطة الشعب صاحب السيادة وحده ومصدر كل السلطات . كيف لنا حضرات السادة، أن نتصور اعضاء مجلس النواب وهم يهرولون وراء الوزراء طالبين التأشيرات والمزايا والمصالح.. وهى معظمها فردية أو شخصية ، حتى ولو كانت لابناء دوائرهم، مع أنه ومنذ صدور لائحة مجلس النواب المصرى من جناب الخديوى التى صدر بها الأمر العالى فى 7 فبرابر 1882 بالبند السادس منها «كل نائب يعتبر وكيلاً عن عموم أهالى القطر المصرى لا عن الجهة التى انتخبته فقط» فقد صار كل نائب نائباً عن الأمة كلها وليس عن دائرته، وهى قاعدة دستورية برلمانية راسخة.. فكيف لنا أن نتصور أن يحاسب النائب الوزير أو الحكومة.. وهم يتأهبون لمناقشة برنامج الحكومة لمنح الثقة أو رفضها.. فى أول جلسة حاسمة بين الحكومة والبرلمان، وكيف لنا أن نتصور بعدها كيفية ممارسة صور الرقابة بين الإستجواب وطلبات الاحاطة والسؤال والاقتراحات!! وكيف لنا حضرات السادة أن نتوقع معاملة الحكومة للنواب الذين حظوا بمعاملة خاصة وتحققت رغباتهم وطلباتهم بالتأشيرات، هل يملك أحدهم القدرة على الكلام؟! وكيف تتحقق الثقة والاحترام ومهابة المقام، وفى المقابل كيف نتوقع معاملة النائب المغصوب عليه من جانب الحكومة فى باب الطلبات والمزايا.. ورفضها لأسباب شخصية.. ازاء معاملة الحكومة لبعض النواب الذين رفضت الاستجابة لرجاءاتهم و توسطهم!! ثم كيف يبرر لنا هؤلاء وقد حنثوا باليمين عندما فرض عليهم الدستور احترام تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين وعدم التمييز وهى كلها نصوص وردت فى باب الحقوق والحريات.. وفى مقدمة الدستور ذاته!! هذا المشهد يا حضرات يسئ الى سمعة البرلمان أمام الرأى العام وأمام الشعب الذى اختار نوابه.. والذى يظل دوماً من حقه أن يحاسب نوابه عن احترام الدستور.. والقانون.. وقد نصت على حظر تعامل النواب مع الحكومة أو تلقى الهدايا النقدية أو العينية، وضرورة استمرار الثقة والاعتبار، وأن الاخلال بواجب العضوية من موجبات اسقاط العضوية !! هذا حضرات السادة عن مسلك بعض النواب ومحاصرتهم للوزراء أمام مجلس النواب أثناء عرض برنامج الحكومة، وهو عيب لكل من طلب ولمن استجاب!! . أما عن السقطة الاعلامية التى جرت فى ذات المناسبة، ما نشر صباح اليوم التالى لإجتماع المجلس فى احدى الصحف القومية .. وبمانشيت فى الصفحة الأولى «أن الرئيس السيسى يُخطر البرلمان باستمرار الوزارة.. وعبد العال يهنئ اسماعيل» بما يفهم منه أن الرئيس يطلب الى مجلس النواب استمرار الحكومة ومنحها الثقة والموافقة على البرنامج.. وهى مصادرة على المطلوب، ولا أظن أن ذلك مقصد الرئيس، لأن ذلك أمر لا يجوز وفقاً للدستور، ولا يليق بمجلس النواب، وإنما كان مقصود كتاب الرئيس الى مجلس النواب، احاطة المجلس علماً بصدور قرار تشكيل الوزارة واستمرارها فى عرض البرنامج أمام مجلس النواب عملاً بنص المادة 146 من الدستور، أما مناقشة البرنامج ذاته أو الموافقة عليه ومنح الثقة فى الحكومة أو عدم منحها أياها فأمر متروك لمجلس النواب بأغلبية اعضائه، وبعد مناقشة برنامج الحكومة خلال ثلاثين يوماً، ولهذا فليس صحيحاً، لا واقعياً.. ولا دستورياً، أن يطلب الرئيس من مجلس النواب منح الثقة للحكومة أو الموافقة على برنامجها مقدماً.. وقبل مناقشة برنامج الحكومة، أو توجيه مجلس النواب مقدماً بأن تحوز الحكومة ثقته، لأنه أى المجلس يملك ترشيح رئيس الوزراء، اذا لم تحصل الحكومة على ثقة أغلبية اعضاء مجلس النواب وأن يرشح الحزب أو الإئتلاف الحائز على أغلبية مقاعد مجلس النواب رئيس وزراء لتشكيل الحكومة، لتعود وتعرض برنامجها على مجلس النواب للمرة الثانية، فاذا لم تحصل على الثقة خلال ثلاثين يوماً، يعتبر المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد، الأمر الذى يبدو أنه من المستحيل مصادرة حق البرلمان الذى نص عليه الدستور . هذه هى التقاليد البرلمانية.. والاصول الدستورية واجبة الاتباع، التى توجب مخالفتها مسئولية مجلس النواب.. ومسئولية الحكومة معاً، فاذا لم تكن واجبة الاحترام والالتزام بعد ثورتين شعبيتين هائلتين، فمتى تكون؟!! لمزيد من مقالات د . شوقى السيد