تصارع جريدة «السفير» اللبنانية كي لاتتوقف عن الصدور ورقيا بعد نحو 42 عاما كانت فيها واحدة من أهم الصحف العربية . وهذا خبر سيئ مع أنه كاشف لحجم التحولات في حقل الإعلام بعد الدخول الي عالم الانترنت . و من زار بيروت يدرك معني صدور «السفير» كل صباح . فقد ظلت الي جانب «النهار» بمثابة إحدي صحيفتين تعطيان للحياة اليومية والسياسية مذاقها ،والمطبوعة الأهم التي توازن رفيقتها ومنافستها تلك لصالح اليسار والعروبة . لكن ليست كل أخبار صحافة العرب سيئة . فثمة خبر سار من تونس هذه المرة . ففي 11 مارس الجاري أصدر البرلمان هناك قانونا يضمن حق النفاذ الي المعلومات. ولقد تصادف انني وصلت الي تونس في اليوم نفسه . وعايشت كيف حبس الصحفيون وأنصار الحريات ويتقدمها حرية الإعلام والتعبير أنفاسهم حتي اللحظات الأخيرة بعد معركة طويلة وصعبة من أجل إدخال تعديل علي مشروع القانون الحكومي لصالح مزيد من الشفافية والحق في اتاحة المعلومة . وبحلول الليل جاء الخبر السعيد بسن القانون بعد الاستجابة لجهود وضغوط المجتمع المدني بما في ذلك نقابة الصحفيين بإلغاء نص يسمح برفض مطلب النفاذ الي المعلومة في مجالات الأمن والدفاع الوطني والعلاقات الدولية والمصالح الاقتصادية للدولة، وسير الاجراءات أمام المحاكم والبحث في الجرائم والوقاية منها وحماية الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية. بل أقدم البرلمان في النهاية علي إضافة تعديل يؤكد أن اتاحة المعلومة هي القاعدة وحجبها استثناء في أضيق الحدود . وتقول هذه الاضافة إنه لايمكن رفض طلب النفاذ الي المعلومة الا إذا كان ذلك يؤدي الي الحاق ضرر بالأمن الوطني والعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية الحياة الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية . وزاد البرلمان علي هذا التأكيد أن هذه الاستثناءات ليست مطلقة وشدد علي أن يكون الضرر جسيما .وأيضا علي انه في حال الرفض يتم اعلام الطالب بجواب معلل وينتهي مفعول الرفض بزوال أسبابه المبينة في الجواب علي مطلب النفاذ . ولقد اتيح لي أن التقي الصديقين كمال العبيدي رئيس هيئة اصلاح الاعلام بعد الثورة ولنحو عامين وناجي البغوري نقيب الصحفيين فضلا عن العديد من الاصدقاء والزملاء بالصحافة التونسية فاطلعت علي وقائع المعركة التي خاضتها القوي الديمقراطية من أجل اصدار هذا القانون .ولكي يحل محل مرسوم رئاسي بشأن النفاذ الي الوثائق الإدارية صدر في 26 مايو 2011 . ولقد كان هذا المرسوم في حد ذاته خطوة متقدمة جري انجازها بعد أسابيع معدودة من الاطاحة بالديكتاتور بن علي.ولكن ظل المرسوم أقل تواضعا وشمولا من القانون الجديد الذي سنه البرلمان هذا الشهر. ويكفي أن أشير علي سبيل المثال إلي أن القانون يستحدث هيئة للنفاذ الي المعلومة وينيط بها صلاحيات ومسئوليات من أجل اشاعة الشفافية في المجتمع، بما في ذلك محاربة ثقافة السرية التي سيطرت لعقود علي مؤسسات الدولة الوطنية في عالمنا العربي . كما كلف هذه الهيئة بنشر تقرير سنوي للرأي العام . ومن يقرأ بتمعن نص القانون ومن قبله المرسوم الرئاسي يتبين أن الشفافية واتاحة المعلومات ليست مجرد عقوبات يجري فرضها علي الأشخاص والسلطات الحاجبة . بل هي عملية تتطلب بناء مؤسسيا يبدأ من تعيين متحدثين وادارات مكلفه بتوفير المعلومات في مختلف المصالح والجهات ويصل الي هكذا هيئة علي المستوي الوطني . ولا يعرف العرب قوانين تضمن حق اتاحة المعلومات إلا في الأردن والمغرب واليمن .هذا مع أن أغلب إن لم يكن كل الدول العربية وقعت اتفاقات ومواثيق دولية بهذا الشأن ،وبما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 الذي ينص علي أن حرية الوصول الي المعلومات حق اساسي للانسان وحجر الزاوية لجميع الحريات. ووفق شهادة خبراء دوليين فان القانون التونسي أكثر تقدما بكثير من كل ما عرفته الدول العربية من تشريعات في هذا المجال . بل ويضع تونس في مرتبة عالمية معتبرة في مجالات الشفافية وحرية الصحافة وحقوق المواطنين . وأيضا في امكانية محاربة الفساد . لكن تظل العبرة بعد سن التشريع بالتطبيق والممارسة وبالقدرة علي هزيمة ثقافة السرية والحجب والممنوع . والطريق مازال طويلا حتي في تونس . ومع أن هذا البلد يشهد تحولات ديمقراطية متسارعة في الصحافة والإعلام بعد ثورة شعبه عام 2011 فإن المعلومة مازلت تعاني كغيره من الدول العربية من الغياب أو عدم الدقة والتضارب . وفوق هذا وذاك فإن وسائل الإعلام يسيطر علي معظمها رجال أعمال يستثمرون في السياسة . وكما قال لي الصديق الصحفي الشاب محمد اليوسفي فإنه في تونس الآن يمكنك أن تنتقد رئيس الدولة الي أقصي حد لكنك لاتستطيع أن تقترب من رجل أعمال يملك أويمول صناعة النشر والإعلان . وعلي أي حال ثمة خبر سار من تونس. ولعل الأكثر مدعاة للسرور أن قانون النفاذ للمعلومات صدر علي هذا النحو بعد خمسة أيام فقط من الهجوم الارهابي الخطير لداعش علي بن قردان . حقا خبر سار . لأن خير وسيلة لمقاومة الارهاب هي المزيد من الديمقراطية و الحريات واحترام حقوق المواطن . [email protected] لمزيد من مقالات كارم يحيى