لم يكن الهجوم الإرهابى على منتجع سياحى يرتاده الأجانب فى ساحل العاج الأسبوع الماضى هو الأول لحلفاء تنظيم القاعدة فى إفريقيا ولن يكون الأخير، فطالما استطاعت الجماعات الإرهابية تجنيد المخدوعين بشعاراتها والساخطين على حكوماتهم لتدنى مستوى معيشتهم واستمرت تتلقى السلاح والتمويل من المشتركين معها فى الهدف، وبقيت الدول المستهدفة عاجزةً عن السيطرة على حدودها ولا تنال مساعدة فعالة من الدول الكبرى ذات المصلحة الاقتصادية والأمنية، فلن يمكن القضاء على الجماعات الإرهابية أوحتى الحد من هجماتها. هجوم ساحل العاج الذى نفذته جماعتا (المرابطون والصحراء الكبري) المواليتان للقاعدة وراح ضحيته 18 شخصاً من بينهم أربعة فرنسيين استهدف ليس فقط الانتقام منها لمشاركتها فى محاربة الجماعات الإرهابية والسماح لفرنسا بإقامة قاعدة عسكرية على أراضيها، وإنما أيضاً باريس التى قادت الحملة العسكرية ضد تلك الجماعات والانفصاليين الطوارق عندما استقلوا بشمال مالى عام 2012 ومازالت تقود تحالفاً عسكرياً لمطاردة الإرهابيين فى مالى والنيجر وتشاد وساحل العاج وموريتانيا.وكانت الجماعتان ذاتهما قد شنتا هجومين مماثلين أولهما على فندق فاخر يرتاده الأجانب ومسئولون دوليون فى باماكو عاصمة مالى فى نوفمبر الماضى وقُتل فيه 30 شخصا، والثانى على فندقين مماثلين فى واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو فى يناير وراح ضحيته 20 إنساناً مما دفع مراقبين لتحذير ساحل العاج من أنها ستكون الهدف الثالث، وخلال الفترة الزمنية نفسها شنت حركة الشباب المجاهدين فى الصومال هجمات دموية راح ضحيتها 38 بريئاً فى هجومين غادرين على شاطئ ومتنزه جماهيريين وفندق بالعاصمة مقديشيو وهجوم ثالث على معسكر للقوات الكينية العاملة ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية قتلت فيه 180 جندياً واستولت قبل أيام للمرة الأولى على شاطئ إقليم بونتلاند. وفى إطار التنافس المحتدم مع تنظيم القاعدة على مناطق النفوذ وجذب أكبر عدد من المتطوعين لم يدخر تنظيم داعش الإرهابى جهداً فى إزهاق الأرواح البريئة حيث شن هجوماً غير مسبوق فى التنسيق والتنظيم على ثكنة للجيش ومقرين للأمن بضواحى مدينة بن قردان التونسيةالجنوبية على الحدود مع ليبيا قُتل فيه 36 من مقاتليه وعشرة من الجيش والأمن وسبعة مدنيين بهدف إقامة إمارة إسلامية وفقاً لتصريحات رئيس وزراء تونس وجس نبض قدرات الدولة على التصدى له على حد قول مراقبين.أما بوكو حرام حليف داعش فتوالت هجماتها الغادرة ضد المدنيين العزل فى نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر كان أحدثها- حتى كتابة هذه السطور- تسلل فتاة فى زى رجل إلى داخل مسجد عند صلاة الفجر وتفجير نفسها فى المصلين بينما كانت رفيقتها تتربص خارجه بالمذعورين الناجين من المذبحة لتفجر حزامها الناسف ليستشهد 22 مصلياً ويلحقوا بنحو 20 ألفاً راحوا ضحية هجماتها الغادرة واشتباكاتها مع قوات الجيش والأمن منذ عام 2009. نجاحات داعش فى سوريا والعراق وليبيا دفعت تنظيم القاعدة لتكثيف عملياته الإرهابية فى دول غرب إفريقيا مما جعل المراقبين يتوقعون المزيد منها.وأكدت أجهزة مخابرات أن التنظيم تمدد فى السنوات الأخيرة فى منطقة الصحراء الكبرى وحذروا من الاستهانة بقوة جماعتي(المرابطون والصحراء الكبري) لما لقائديهما مختار بلمختار ويحيى أبو الهمام من خبرة واسعة فى القتال والتخطيط، فضلاً عن التنسيق بينهما فى الهجمات وحصولهما على التمويل من الإتاوات التى يفرضانها على مهربى المخدرات والبشر فى دروب الصحراء مقابل حمايتهم.وفى المقابل حذرت الأممالمتحدة من أن داعش قد وسَّع نطاق نفوذه فى ليبيا وتمكن من تجنيد المزيد من المهمشين بمدينة سرت ورفع قدراته العملية فى طرابلس وصبراته،وقالت إن ليبيا أصبحت مصدر دعم لوجيستى لجماعات مسلحة وإرهابية فى النيجر ومالى ومصر وسوريا.كما قال مسئولون أمريكيون فى مجال مكافحة الإرهاب إن داعش ليبيا أصبح أخطر فروع التنظيم الثمانية وأن ستة من قادته وصلوا من سوريا لإقامة إمارة إسلامية فى ليبيا. قدرة داعش والقاعدة على توسيع نطاق نفوذهما وتكثيف الهجمات الإرهابية عبر أتباعهما فى شمال وغرب إفريقيا تعود أساساً إلى تدفق الأموال عليهما من رجال أعمال وبعض الحكومات لأغراض خاصة بهم، وكذلك لتوافر السلاح المهرب والمنهوب من ليبيا أساساً بعد سقوط نظام القذافي، وكما يقول الزميل أيمن السيسى فى كتابه القيم (من نواكشوط إلى تمبكتو) يتوافر السلاح بكل أنواعه من البنادق إلى الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات فى منطقة الساحل والصحراء بعد أن فرَّ بكميات ضخمة منها متمردون طوارق عملوا فى ليبيا واستخدمهم القذافى فى حروبه الخارجية مقابل وعد بأن يعودوا لتحرير إقليم أزواد فى شمال مالى وإقامة دولة لهم وهو ما حدث بعد سقوطه. ويضيف أيمن فى كتابه أن القذافى اتفق مع إبراهيم باهنجا أحد قادة الطوارق على إعلان قيام دولة للزعيم الليبى فى جنوب ليبيا إذا نجح ثوار 17 فبراير فى الاستيلاء على شرقها وغربها، وأنه سمح له بتفريغ مخازن السلاح فى الجنوب ونقلها إلى أزواد عبر النيجر بمشاركة ضباط ليبيين على أن يعيدها إلى الدولة الجديدة،لكنه قُتل واحتفظوا بالأسلحة لأنفسهم. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى