أهم أنواع السيارات في مصر    الصين تحذر الاتحاد الأوروبي: لا تشعلوا حربا تجارية    نائب رئيس لجنة الحكام يكشف كواليس اختيار طاقم تحكيم مباراة القمة بين الأهلي والزمالك    مؤلف «ولاد رزق 3»: الفيلم نجح بشكل فاق كل التوقعات ويحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما    دار الإفتاء تكشف حكم قراءة المرأة القرآن بدون حجاب    قتيلان ومصابون إثر إطلاق نار بولاية أركنساس الأمريكية    سفينة تبلغ عن وقوع انفجار في محيطها شرقي مدينة عدن اليمنية    الحجر الزراعي يواصل إجراءات فحص الرسائل الواردة من القمح في الموانئ    "شاهدت 4 مباريات سابقة".. ماذا قال كولر بعد الفوز أمام الداخلية؟    «حالة وحيدة للعب مباراة الأهلي».. رد حاسم من الزمالك بشأن لقاء القمة (فيديو)    تُلعب فجر السبت.. القنوات الناقلة لمباراة تشيلي وبيرو في كوبا أمريكا 2024    كوبا أمريكا 2024| سانشيز يقود تشكيل منتخب تشيلي أمام بيرو    مصدر أمني يكشف حقيقة انتحار نزيلة روسية بأحد مراكز الإصلاح والتأهيل    انتشال 14 جثة إضافية بعد غرق مركب مهاجرين قبالة السواحل الجنوبية لإيطاليا    كارول سماحة تشعل حفل افتتاح مهرجان موازين    بعد تعرضها لوعكة صحية.. نقل لقاء سويدان إلى المستشفى    عمرو دنقل: رحلة فرج فودة الفكرية مصدر إلهامي لانطلاق روايتي "فيلا القاضي" المؤهلة لجائزة طه حسين    الهلال الأحمر الفلسطيني: إصابات برصاص قوات الاحتلال جراء الاشتباكات في بلدة بيتا    مفتي الجمهورية: عماد عملية الفتوى الإجابة عن 4 تساؤلات    منظمة الصحة العالمية تحذر من حقن تنحيف قاتلة    أهمية تناول الماء في موسم الصيف    اليوم .. طلاب الثانوية العامة يستأنفون الامتحانات بأداء مادة اللغة العربية    مع انتهاء موسم الحج. سعر الريال السعودي اليوم السبت 22 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري    باعتبارها قوة احتلال، الأمم المتحدة تطالب إسرائيل باستعادة النظام في غزة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف حنان محمد.. كرات اللحم بالجبنة وصوص الطماطم    وصول أول رحلة للحجاج العراقيين العائدين إلى مطار النجف الأشرف    أخبار اليوم الأسبوعي| حقائب التحدى ومفاجأة الأعلى للجامعات والجمهورية الجديدة    إصابة 12 شخصًا عقرهم كلب مسعور في نجع حمادي    موعد سداد فاتورة التليفون الأرضي لشهر يونيو 2024 في مصر    المصرية للاتصالات.. موعد سداد فاتورة الإنترنت الأرضي يوليو 2024    ملف يلا كورة.. موقف الزمالك من القمة.. انتصار القطبين.. وتطورات السوبر الأفريقي    تفاصيل تحقيقات 8 ساعات ب واقعة مشاجرة إمام عاشور في مول شهير ب الشيخ زايد    السيطرة على حريق شب فى شقة سكنية بالمنصورة دون خسائر بشرية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    التعاون الإسلامي: اعتراف أرمينيا بدولة فلسطين ينسجم مع القانون الدولي    عضو لجنة العمرة يكشف مفاجأة بشأن وفيات الحجاج المصريين هذا العام (فيديو)    ثروت سويلم يبرر تصريحاته المثيرة عن الزمالك: «كنت في الحج ومعرفش الدنيا ماشية ازاي»    عين على اليورو.. مواجهة سلبية بين هولندا وفرنسا (تحليل بالفيديو)    أشرف زكي: قرارات النقابات المهنية بمقاطعة إسرائيل لا تقبل الجدل (فيديو)    إيمي سمير غانم ضيفة حسن الرداد في «الليلة دوب».. تعرف على الموعد (صور)    رئيس شعبة المحمول بغرفة الجيزة: تحرير سعر الصرف وراء انخفاض الأسعار    تنسيق الثانوية العامة 2024 محافظة القليوبية المرحلة الثانية المتوقع    دعاء الثانوية العامة مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة عند الدخول إلى لجنة الامتحان    رئيس مجلس الدولة الجديد 2024.. من هو؟ مصادر قضائية تكشف المرشحين ال3 (خاص)    طقس المملكة اليوم السبت 22-6-2024 وموجة حارة جديدة تضرب أجزاء من البلاد (تفاصيل)    استعلم الآن مجانا.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس والاسم (رابط مباشر)    أخبار × 24 ساعة.. التعليم لطلاب الثانوية: لا تنساقوا خلف صفحات الغش    أستاذ علوم سياسية: مصر والأردن لهما حساسة تجاه القضية الفلسطينية    بيان الكنيسة الأرثوذكسية ضد كاهن قبطي ينهي الجدل حول أنشطته.. بماذا رد وكيل مطرانية المنيا؟    سباق إيران الانتخابى.. قضايا المرأة والمجتمع والتراشق اللفظى بين المرشحين أبرز ملامح المناظرة الثالثة.. المرشح الإصلاحى يرفض العنف ضد الإيرانيات لإجبارهن على الحجاب.. وانتقادات لسياسة الحجب على الإنترنت    إعلام إسرائيلى: الجيش يقترب من اتخاذ قرار بشأن عملية رفح الفلسطينية    لطلاب الشهادة الإعدادية، مدارس بديلة للثانوية العامة في الإسكندرية    بكري يطالب رئيس الوزراء بتوضيح أسباب أزمة وفاة مئات الحجاج المصريين    مركز البابا أثناسيوس الرسولي بالمنيا ينظم اللقاء السنوي الثالث    أفتتاح مسجد العتيق بالقرية الثانية بيوسف الصديق بالفيوم بعد الإحلال والتجديد    مدير الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب: لقاء الجمعة تربوي وتثقيفي    وزير الأوقاف: تعزيز قوة الأوطان من صميم مقاصد الأديان    وكيل صحة الشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى الصدر بالزقازيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة البحث عن "الأعور".. مختار بلمختار.. "القط المتوحش" في إفريقيا
نشر في البوابة يوم 23 - 01 - 2016

■ جزائرى الجنسية يقود تنظيم «المرابطون» ويعرف ب«أمير منطقة الصحراء»
■ حكومة طبرق الليبية ادعت مقتله بغارة أمريكية وواشنطن نفت وتشاد قالت إنها تخلصت منه
■ القائد الثالث ل«المرابطون» مصرى الجنسية يدعى أبوبكر الناصرى
■ التنظيم وجه رسالة لفرنسا: «أرضك الوجهة المقبلة»
شنت جماعة تابعة لتنظيم القاعدة هجومًا على عدد من الأهداف الناعمة فى عاصمة بوركينافاسو.
وتردد عدد من التفسيرات الملحة التى تحاول من جهتها تبرير الأسباب المزعومة من وراء الحادث. والواقع أن محاولة لوضع تفسير واحد للموضوع تظل محل شك، نظرًا لما تتمتع به الظاهرة الإرهابية من طابع السيولة التى يصعب معها التوصل لدلالة عامة ممكنة قابلة للاستمرار. وكان على رأس هذه التأويلات أن تنظيم القاعدة قد أخذ فى العودة مرة أخرى إلى صدارة المشهد، وأن ذلك ربما يهدد خارطة المشهد برمته.
واعتمد هذا التأويل على تصور أن التنظيم القائم بالهجوم تابع للقاعدة، وأن القاعدة تنافس داعش فى سوق الجماعات الإرهابية، حيث تحتل داعش مقدمة الجماعات المتطرفة من حيث الثراء والقوة والعتاد والموارد البشرية، ما جعل التمويل يتجه أكثر إليها. بينما تبقى عملية التفسير مرهونة بقراءة المشهد بكل عناصره الأساسية. فمن جهة لدينا طبيعة الحدث التى يغلب عليها استهداف الأهداف الناعمة، وبالتحديد منطقة يتردد عليها الموظفون بهيئات دولية. ومن جهة ثانية لدينا فاعلون ينتمون لتنظيم القاعدة فيما الأرجح تبعيتهم لداعش لارتباط العملية بحرب فرنسا ضد الإرهاب. ومن جهة ثالثة لدينا السياقان السياسى والاجتماعى فى بوركينا فاسو اللذان هما أكبر متضرر من هذه النوعية من الأحداث.
طبيعة الهجمات
وقعت الهجمات فى الخامس عشر من يناير 2016 من قبل مجموعة من المسلحين المُحملين بالأسلحة الثقيلة. حيث هاجمت المجموعة مطعم كابتشينو وفندق سبلنديد فى قلب مدينة واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو. وأسفر الحادث عن مقتل ثمانية وعشرين شخصًا على الأقل، فى حين وصل عدد المصابين إلى عشرين شخصًا. وقد أُطلق سراح 126 رهينة من الرهائن المحتجزين من قبل المجموعة المهاجمة، بعد هجوم مضاد قامت به حكومة بوركينا فاسو فى صباح اليوم التالى مدعومة بقوات فرنسية وأمريكية. قُتل فى تبادل إطلاق النار ثلاثة من المهاجمين، وهم: عربى وإفريقيان.
ولعل اختيار هذا المكان لم يكن عشوائيًا، حيث تتمركز قوات فرنسية خاصة فى ضواحى العاصمة واجادوجو فى إطار مكافحة التنظيمات الإسلامية المتطرفة فى منطقة الساحل، كما تنشر الولايات المتحدة الأمريكية خمسة وسبعين عسكريًا فى بوركينا فاسو.
ويأتى هذا الهجوم بعد أقل من شهرين من اعتداء على فندق راديسون بلو فى باماكو بمالى أسفر عن سقوط 20 قتيلًا، بينهم 14 أجنبيًا، بعد أن احتجز مسلحون لعدة ساعات نحو 150 نزيلًا وعاملًا فى الفندق، قبل تدخل القوات المالية مدعومة من قوات خاصة فرنسية وأمريكية ومن مهمة الأمم المتحدة.
فى وقت سابق من يوم حدوث الهجوم، وفى نحو الساعة 14:00 بالتوقيت المحلى، قام 20 شخصًا مجهولى الهوية مدججين بالسلاح بمهاجمة رجال الأمن فى قرية تين أباو، بالقرب من الحدود مع مالى، ووفقًا للجيش ووزارة الداخلية، فقد تم الإعلان عن أن زوجين أستراليين قد اختطفا فى الليل فى شمال بوركينا فاسو، بالقرب من الحدود مع مالى فى منطقة باربولى.
بدأ الهجوم عند الساعة الثامنة إلا الربع مساءً بالتوقيت المحلى، حيث سمع إطلاق نار فى منطقة فندق سبلنديد والمطعم المجاور كابوتشينو اللذين يرتادهما أجانب. واشتبكت قوات الأمن فى عاصمة بوركينا فاسو واجادوجو يوم الجمعة مع المسلحين. وأشعل المسلحون النار فى سيارات كانت متوقفة بالقرب من الفندق، وأطلقوا عيارات نارية فى الهواء، لدفع حشود المواطنين الموجودين فى المكان إلى الوراء قبل أن تصل قوات الأمن، وتشرع فى تبادل إطلاق النار معهم. وأفادت المعلومات بأن الفندق عادة ما تستخدمه القوات الفرنسية التى تنفذ عملياتها فى تشاد، وتقوم بملاحقة التنظيمات المتشددة فى مناطق عدة من إفريقيا. وقد شنت قوات الأمن هجومها لاستعادة الفندق، فيما شب حريق فى البهو وتعالت صرخات من داخله، وأفادت مصادر فى وزارة الداخلية بانتهاء العملية بعد مقتل المهاجمين الثلاثة وتحرير الرهائن، كما قالت مصادر فى الشرطة إن العملية الأمنية ضد المسلحين انتقلت إلى فندق آخر. وأفادت مصادر طبية بمقتل ما لا يقل عن ثلاثة وعشرين شخصًا فى الهجوم الذى نفذه مسلحون موالون لتنظيم داعش، ترددت الأنباء عن تبعيته لتنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى. وقد صدرت تقارير عن مقتل المهاجم الرابع على يد قوات من دولة بوركينا فاسو وفرنسا خلال عملية لمكافحة الإرهاب فى واجادوجو يوم السبت الماضى.
الفاعل.. المرابطون
وفى فيديو مزعوم بثته مؤسسة الأندلس، المنبر الإعلامى للجماعة الإرهابية، وجه تنظيم «المرابطون» عبر موقعه الرسمى على تويتر، رسالة إلى فرنسا قال فيها إنها ستكون الوجهة القادمة لعملياته الإرهابية، كما وجه متحدث عن مرتكبى الهجمات فى بوركينا فاسو رسالة إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى «سر بنا حيث شئت». وقد كانت حسابات منسوبة لأعضاء من تنظيم داعش الإرهابى قد ذكرت على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، أن السبب الرئيسى لهجمات باريس الأخيرة هو تدخلها فى مالى و«استهداف المسلمين هناك».
وتنظيم «المرابطون» هو جماعة إرهابية تشكلت منذ ثلاث سنوات تقريبا، يعتقد أنها المسئولة عن عدة هجمات على فنادق بغرب إفريقيا خلال الشهور الماضية، حيث تتركز الجماعة فى الصحراء الكبرى شمال مالى وبها مقاتلون أعلنوا ولاءهم للمتطرف الجزائرى مختار بلمختار.
وفى نوفمبر 2015، ادعت الجماعة مسئوليتها عن الحادث الشهير لاختطاف الرهائن بفندق راديسون بلو فى العاصمة المالية باماكو الذي أوقع 19 قتيلا على الأقل، كما أعلن عن مسئوليته أيضًا عن هجوم على مطعم بمالى فى مارس من العام الماضى ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص.
ويعرف بلمختار بأبى العباس خالد «الأعور» أمير منطقة الصحراء وأمير كتيبة الملثمين لتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى ومؤسس كتيبة الموقعين بالدماء، وقد ادعت حكومة طبرق المنبثقة عن مجلس النواب الليبى أن بلمختار قد لقيَ حتفه فى غارة جوية أمريكية، ولكن الجيش الأمريكى لم يؤكد وفاته. وكان بلمختار قد قاتل ضد القوات السوفيتية فى أفغانستان فى الثمانينيات، كما قاد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامى قبل أن يتركه فى 2012 على إثر خلافات مع قاداته. ومن جهة أخرى ذكر بيان الجيش التشادى أن عناصر من «قواته الموجودة فى شمالى مالى قتلت مختار بلمختار»، وتمكنت «من تدمير ما وصفته بقاعدة رئيسية للجهاديين فى منطقة اردار وقتلت عددًا من كبار قادة المتمردين الإسلاميين». ووفقا للبيان صودرت معدات عسكرية ونحو 60 سيارة تابعة للمتشددين.
وفى يناير 2013، حقق هذا المتطرف شهرة دولية واسعة بعد التخطيط لهجوم على مصنع غاز عين أمناس بالجزائر، وهى الواقعة التى احتجز خلالها نحو 250 جزائريا و30 آخرين من جنسيات أجنبية، قبل أن تسيطر القوات الجزائرية على المصنع بعد ثلاثة أيام من وجود المسلحين به ما أدى إلى مقتل 40 شخصا بينهم 29 مسلحا. وفى العام نفسه، قاد بلمختار مواليه من الطوارق والعرب وآخرين أطلق عليهم جماعة الملثمين إلى جماعة أخرى أطلق عليها «المرابطون».
وقالت شبكة «بى بى سى» البريطانية إنه على الرغم من أن بلمختار هو من أعلن نشأة «المرابطون» فإنه من غير الواضح الآن إذا كان لا يزال قائدها أم لا، حيث كان قد دعا المجاهدين للالتحاق بالتنظيم وقيادته، وأعلن اندماج تنظيم «المرابطون» مع جماعة التوحيد والجهاد فى غرب إفريقيا التى قادها الموريتانى من قبيلة الطوارق أحمد ولد عامر الذى استخدم الاسم الحركى أحمد التلمسى.
وكشفت السلطات الفرنسية أخيرًا عن اسم ثالث قاد التنظيم وهو أبوبكر الناصرى من أصل مصرى، حيث قالت تقارير فرنسية إنها استهدفته فى إبريل عام 2014 كما استهدفت التلمسى أيضًا فى العام نفسه. وأعلن التنظيم فى بيان له رفض بلمختار تنظيم داعش الإرهابى مؤكدا ولاءه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى. ورغم ذلك فالشواهد تقول عكس ذلك.
تفسيرات محتملة للعملية
إن الشواهد التى بين أيدينا لا تبين لنا بوضوح العلاقة بين تنظيم «المرابطون» وتنظيمى داعش والقاعدة، لكن الهجوم الذى جرى على الأرض فى بوركينا فاسو، لا ينبئ سوى عن مواصلة سلسلة الهجمات المتبادلة بين تنظيم داعش والدول الكبرى، وبالتحديد فرنسا. فالرسالة التى يبعث بها التنظيم ويريد أن يوجهها تتجه باتجاه فرنسا وأمريكا، لدورهما فى الحملة الموجهة ضد الجماعات الإرهابية فى المنطقة. حيث قامت فرنسا بشن حرب على الجماعات الإسلامية المتشددة فى إقليم أزواد أطلق عليها عملية «سيرفال» أو «القط المتوحش» فى 11 يناير 2013، ومنعتها من التقدم نحو العاصمة المالية باماكو بعد أن سيطرت هذه الجماعات على مدينة كونا التى تبعد 600 كيلو متر عن العاصمة، وذلك بعد هجمات شنتها ما يعرف بالحركة الوطنية لتحرير أزواد على ثكنات الجيش المالى. وقد جاء التدخل الفرنسى بناء على طلب من الحكومة المالية، حيث شنت الطائرات الفرنسية، ميراج ورافال المقاتلة، ضربات جوية طالت حزاما واسعا من معاقل الإرهابيين، وفى غضون أقل من شهر، تمكنت القوات الفرنسية من السيطرة على مناطق إقليم أزواد. هذا معناه أن العملية تأتى كجزء من سلسلة الهجمات المتبادلة بين البلاد الكبرى ذات النفوذ القوى فى إفريقيا. فمن المعروف أن فرنسا والولايات المتحدة لديهما نفوذ قوى فى إفريقيا، ومصالح مشتركة لا تنتهى، ومن مصلحة هذه الدول حماية الأوضاع القائمة هناك، سواء بحماية النظام السياسى القائم، أو بتوفير قوات حفظ السلام للذوْد عن البلاد ضد الهجمات الإرهابية المحتملة.
والواقع أن الأوضاع فى بوركينا فاسو هى أوضاع غير مستقرة، فالبلاد قد مرت منذ شهور بانقلاب عسكرى، أسقط حكمًا استمر لسنوات طوال. وكما هى العادة فى إفريقيا، لا يمكن التخلص من نظام حكم إلا عبر الجيوش وتدخلها فى السياسة. النظام القديم كان جزءًا من النظام الأمريكى وحارسًا لمصالحه، فقد جاء زعيمه على إثر انقلاب عسكرى قام به ضد صديقه شريك الكفاح الرئيس توماس سانكارا، الذى عرف فى الأدبيات بجيفارا إفريقيا.
وتأتى العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبوركينا فاسو كجزء من الشراكة بين الطرفين فى المصالح الاقتصادية، كما أن بوركينا فاسو شريك مع الولايات المتحدة فى الحرب ضد الإرهاب بالمنطقة، باشتراك قواتها مع القوات الأمريكية فى قوات حفظ السلام. ولإحكام السيطرة على غرب إفريقيا استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفتح الباب أمام هذه الدولة الفقيرة عبر التمويلات الضخمة تحت دعوى دعم الديمقراطية فى المنطقة، واحترام حقوق الإنسان وتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة. وظل النظام فى بوركينا فاسو تابعًا بقوة للولايات المتحدة، حيث كانت الأخيرة المانح الرئيسى للمنظمات الأفريقية المشتركة ومقرها فى واجادوجو والتى حققت مكاسب كبرى من خلف تلك المنظمات، كما كانت العلاقة وثيقة ليس فقط بين البلدين كسياسيين ومسئولين بل حتى على مستوى الموظفين، بعد اقتحام موظفى الولايات المتحدة الحياة الوظيفية فى بوركينا فاسو لتدريبهم فى مؤسسة تحدى الألفية ذات التمويل الأمريكى.
والواقع أن أوضاع ما بعد الانقلاب الحاصل فى بوركينا فاسو قد أخلى سبيلا أمام الجماعات الإرهابية لاستغلال الأوضاع غير المستقرة، لشن المزيد من الهجمات، لإثبات تمددها وقدرتها على فرض حضورها فى المشهد السياسى، والثأر لما يتعرض له أفرادها جراء ما حدث فى فرنسا بعد حادث باريس، الذى لا يعدو أن يكون سوى امتداد لسلسلة من الهجمات المتبادلة بين الجماعات الإرهابية والأمن الفرنسى، بطول ساحة الحضور الفرنسى على الأرض، ما يحفظ للصراع استمراريته.
والواقع أن مثل هذه الهجمات إنما تخدم المصالح الأمريكية والفرنسية فى إفريقيا. فمن جهة فرنسا تمثل إفريقيا مصدرا أساسيا تعول عليه فيما تحصل عليه من موارد ومصادر طاقة وعوائد تجعل من الاستعمار القديم استعمارا على نحو يغاير الأساليب القديمة. ومثل هذا النوع من الانقلابات التى قد تأتى بزعماء من نوعية توماس سانكارا، هو أمر يدعو للقلق.
وعند مقارنة هذا الوضع بما حدث فى دول الربيع العربى، فإنه يعتبر مدعاة للقلق أيضا بالنسبة للولايات المتحدة، حيث إنه إذا انتهى وضع هذه المنطقة إلى مصير المنطقة العربية، سيصبح ذلك فرصة كبيرة للجماعات الإرهابية والإجرامية التى يزداد نشاطها يومًا تلو الآخر، كذلك ستصبح هناك فرصة لتنامى الوعى الوطنى الرافض لأى هيمنة خارجية، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية التى افتضح أمرها ونيتها السياسية تجاه العالم الثالث عامة وإفريقيا على وجه التحديد، كما أن هذه المخاوف من تكرار تجربة الانقلاب أدخلت الولايات المتحدة فى حالة رعب من فقد أى رقم من ال13 دولة الإفريقية التى تستضيف قوات أمريكية، حيث لديها قاعدة فى إثيوبيا وبوركينا فاسو، وقوات فى الكونغو وتشاد و«جيبوتى» التى تضم 4 آلاف جندى وطائرات بدون طيار، والتى تعتبر حرب الظل المتنامى داخل إفريقيا.
والواقع أن عملية التفسير تظل مقصورة على الفهم إلا فى ضوء فهم ما يجرى من تنسيقات محتملة بين تنظيم داعش و«المرابطون». هذا التنسيق هو جزء من عملية توسعة ممكنة قائمة منذ ولادة داعش، وهو ما يشهد عليه تحول عدد كبير من القواعد الأساسية لتنظيم القاعدة وجماعاته التابعة له عبر العالم، للانضمام لتنظيم داعش وإعلان الولاء له. ولكن ذلك كان يلقى بظلاله على التنظيمات بنشوء خلافات داخلية، خاصة فى البيئات الوسيطة. حيث نجد خلافا داخل التنظيمات المتطرفة الأردنية، ما بين الولاء لداعش أم الانضمام لجبهة النصرة. وهو ما شهده تنظيم المرابطون نفسه عندما قام أحد أعضائه بإعلان ولاء التنظيم لداعش عبر تسجيل صوتى، ثم قام بلمختار بنفى صحة البيان، وتأكيد تبعية التنظيم للقاعدة. ومع ذلك يشى الأمر باحتمال مستقبلى للانضمام فى ظل اختفاء تنظيم القاعدة عن المشهد، ووجود تنظيمات إرهابية قوية داعمة لداعش فى بلدان تحيط ببوركينا فاسو، فى بلدان مثل نيجيريا وليبيا، واختفاء القيادة الداعمة للقاعدة ممثلا فى بلمختار. ولكن أيًا كانت نوعية العلاقة بين تنظيم «المرابطون» وتنظيم داعش، سواء بالتبعية أو العداء، فإن الحدث الأخير يعطى مؤشرًا فى الأخير على قوة الصراع الحاصل بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والجماعات الإرهابية، واحتمال امتداد الصراع على مدى العالم، بما يخدم توجيهه فى اتجاهات محددة، يحاول كل طرف أن يكسب أرضًا جديدة، وفق ما يقتضيه الحال، وتدعو إليه الضرورة، آخذين فى الاعتبار خصوصية الطوابع السياقية التى تميز كل منطقة، وما تعكسه الظروف السياسية والاجتماعية من أجواء، تقضى برؤية وتنفى أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.