تبدأ عادات الزواج باختيار فتاة للشاب المقبل على الزواج. ويكون هذا عادة بين والدة العريس وأخواته، ثم تبدأ مرحلة المشاورة بين أقرب الأقربين للعريس وفتاته (أم العريس وأم العروسة وبناتهن)، وهى مرحلة سرية، ثم يبدأ العريس مرحلة الخطوبة بعد الإيجاب والقبول. وتعرف مرحلة المشاورة عند الكنوز بيوم «الرباط» وعند الفديجة ب «الفرجار»، ويقدم فيه مبلغ من المال وهدايا، ثم يأتى العريس ب «الشيلة»، وهى مكونة من الحبوب والطحين والسكر والشاى والزيت والسمن والصابون والكيروسين والملح والكبريت، وحتى إبر الخياطة وقطع الملابس وغيرها. وطوال مرحلة الخطوبة لا يرى العريس عروسه إلا ليلة الدخلة. ثم تأتى مرحلة إعلان بدء الفرح، وتسمى «السما» عند الفديجة، وتستعد أسر العروسين لذلك بإعداد الطعام والشراب، وتجهيز بيت العروسين (الديوان)، وتتوافد النساء على بيت العروسين بالمساهمات العينية (كريه)، وهى واجبات دوَّارة، وقروض مستترة بين الأهالى فى اشتراكية فطرية، ثم يتم تحديد يوم الزفاف ودعوة الأهالى للحضور فى مظاهرة احتفالية مليئة بالسرور. ويدعى الفنانون الشعبيون للفرح (عند الفديجة)، وضاربو الكف أو الكفَّافة (عند الكنوز). وترتدى العروس أجمل ملابسها، وتُخضِّب يديها وقدميها بالحناء، ويدلك جسدها بالعطور السودانية، ودهون تكسبه لمعانا وبريقا، وكذلك تفعل أم العريس وأخوته معه، وبقية الأهل والأحباب للعروسين بنقش الحناء والتطيب بالعطور السودانية. وتتبارى العرائس فى التحلى بالذهب على الوجه والرقبة واليدين والصدر، بالحلى النوبية المعروفة. ويمنح الكنوز الحلى الذهبية للعرائس وأمهاتهن وشقيقاتهن وأقارب الدرجة الأولي، ويتبادلونها كهدايا فيما بينهم فى الأفراح، وختان الإناث وطهارة الأطفال وغيرها. وعند نحر الذبائح تقام احتفالية مصغرة للرجال والنساء عند الفديجة يغنون ويسهرون طرباً. وعند عقد المأذون للقران تقام احتفالية، وكان المهر بسيطا، والمقدم والمؤخر قروشا معدودات، وجنيهات قليلة. ويقدم العريس للعروس قطعا ذهبية من الحلى النوبية قبل عقد القرآن، والعقد يكتب بالوكالة حيث لا يحضر العريس ولا العروس. وتبدأ مراسم حِّنة العريس ليلة الدخلة وزفة العريس، وكان عقد القران عند الكنوز فى منتصف القرن العشرين يتم بالطرق الشرعية، حيث يقوم شيخ أو إمام المسجد بتولى عقد القران شفاهة (بسورة الفاتحة وصيغة الايجاب والقبول للوكيلين من العروسين) وتسمى المصافحة. ويتغنى الشاعر القديم بأنه تزوج عروسته بالفاتحة. أما الفديجة، وكانت عاصمة النوبة الإدارية، (الدر ثم عنيبة)، فكان القران يوثق رسميا، لوجود الخدمات الإدارية الحكومية والأهلية. وكانت الاحتفالات قديما تمتد من أسبوع إلى أربعين يوما فى مناطق النوبة الثلاث (كنوز عرب فديجة)، وتميزت الفديجة بأطول مراسم وطقوس للزواج. وقد أثر التهجير ( 1963 و 1964) على عادات الزواج عند النوبيين عامة، حيث تراجعت سلطة الأبوين على الشباب المقبلين على الزواج، واتسعت حركة الشباب فى اختيار شريكة الحياة من خارج الأسرة والعائلة والقبيلة والقرية والمحافظة والوطن، وهذه المسألة جعلت ارتباط النوبيين قويا فيما بينهم، حيث كانت القرية هى الحد الأقصى من الارتباط الاجتماعي. لكن الدائرة اتسعت تماما الآن، وتزوج النوبيون فى الأربعين عاما الأخيرة من جميع الأجناس البشرية، وهى ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة من طلاب الدراسات العليا. وقد رصدت فى كتابى «عادات الزواج فى بلاد النوبة» الذى صدر ضمن «سلسلة الدراسات الشعبية» ( 149)، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2013.