حين أُطلق مصطلح «الربيع العربى» للإشارة إلى الثورات الشعبية التى اندلعت فى عدة أقطار، كانت دلالته بالقطع «إيجابية» وتوحى بانطلاق حقبة زمنية جديدة فى المنطقة عنوانها: «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» لكن «الرياح أتت بما لا تشتهى السفن» فعرفت منطقة الربيع مصطلح «الدول الفاشلة» لتُسيطر «نظرية المؤامرة» على تحليلات مُقدمات ومآلات هذا الربيع. وما بين «الحتمية» و «التآمر» يُفسر الكاتب صفوت شاكر ربيع العرب، فى كتابه الجديد «الربيع العربى .. ما له .. وما عليه؟» الذى يقع فى 280 صفحة من القطع المتوسط، والصادر عن «الشركة المتحدة للطباعة والنشر وتكنولوجيا المعلومات». ورغم أن الكاتب فى محاولته لتحليل اندلاع ثورات الربيع العربي، يميل إلى تبنى نظرية المؤامرة بشكل واضح، إلا أنه يحرص على عدم إغفال العديد من أوجه القصور داخل تلك الدول، والتى ربما منحت الفرصة للمؤامرة كى تختمر وتؤتى ثمارها. ويضم الكتاب مقدمة وسبعة فصول وخاتمة، و3ملاحق منها ملحق صور تروى التاريخ الوظيفى للكاتب الذى التحق بالقوات المسلحة المصرية فى العام 1958، وانضم لجهاز المخابرات العامة فى العام 1966، وتقلد عدة مناصب فيه على مدار 30 عاما، وأنهى خدمته فى الجهاز نائبا لرئيسه. وتظهر الخلفية المخابراتية للكاتب فى طيات الكتاب من صفحاته الأولى حتى نهايته، إذ استهله بصورة للعلم التونسى وبجواره شاب محترق، وكتب تحتها: «يخطئ البعض عندما يعتقد أن حرق التونسى (بو عزيزي) نفسه بداية لثورات الربيع العربي!!. فقط كان مخططا لها من قبل» وختم الكتاب بمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز: «لقد أنقذت ثورة 30 يونيو العالم العربى من مؤامرة لا يعلم مداها إلا الله». هذا الاستهلال وتلك الخاتمة، لخصا تصور الكاتب ل «الربيع العربى» على أنه «مؤامرة غربية» بالأساس، كشفتها الوقائع وتفاعل الأحداث، وفى حين بدأت تلك المؤامرة كظاهرة إيجابية، تفاعلت مع وجدان شعوب عانت على مدى عقود من قهر وظلم اجتماعي، إلا أن الهدف الخفى سرعان ما انكشف، ألا وهو «هدم كيانات دول المنطقة وتفتيتها» وليس إسقاط نظمها الحاكمة فقط. ويرى الكاتب أن تلك المؤامرة ما هى إلا محاولة لاستبدال صور الاستعمار التقليدى القديم باستعمار جديد يستخدم آليات حروب الجيل الرابع، ما يضمن للغرب السيطرة على مقدرات الدول وارادة الشعوب من خلال طبقة حاكمة يستميلها الغرب بشكل أو آخر واختراق القوى السياسية والاجتماعية التى يمكن أن تشكل أوراق ضغط، ليستخدمها وقتما يشاء وهو يحرص على تأكيد أن أطماع الغرب فى الشرق الغنى ليست وليدة الوقت الراهن، بل لها جذورها التاريخية والسياسية التى استفاض الكاتب فى شرحها، مُبرزا ازدهار الحضارة العربية والإسلامية وحملها شعل التنوير للإنسانية فى وقت كانت أوروبا تعيش فى عصر الظلمات وزاد ما يتوافر للمنطقة من موقع متميز ومواد خام وثروات من أطماع الغرب فيها، فبعد الثروة الصناعية فيه، كان لزاما البحث عن أسواق لتصريف المنتجات، وتأمين طرق التجارة. ورأى الكاتب أن الشباب هم مستقبل المنطقة ولذا فهم الهدف الدائم ل «القوى المناهضة» التى سعت للسيطرة على عقولهم بقيم مغلوطة واستخدامهم بوعى أو بلا وعي، كأداة لتنفيذ مخططاتهم، تحت شعارات براقة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كى لا يظهر الوجه القبيح للتآمر، وهو يرى أن الشباب الذى أشعل ثورات الربيع العربى بينهم من حركته دوافع وطنية اتسمت بصدق النوايا، وبعضهم حركته اتبعية لجهات وتوجيهات خارجية ممن حصلوا على دورات تدريبية فى الخارج. ولم يُغفل الكاتب التطرق إلى الإسلام السياسى وموقف قواه من الربيع العربى وعلاقتهم مع أمريكا والغرب، ويتحدث عن تمويل إدارة أوباما لجماعة «الإخوان المسلمين» ومرشحها فى انتخابات الرئاسة فى مصر فى العام 2012، وأسهب فى شرح العلاقة بين جماعة الإخوان والغرب وتركيا وإيران وبلدان عربية أخري، وأيضا ب «الماسونية». وإذ رأى الكاتب أن «الربيع العربى» ما هو إلا «مؤامرة غربية» لتفتيت المنطقة لما استقر فى العقل الغربى من أن الشرق يمثل خطرا على كيانه، إلا أنه أقر مع ذلك بأن هذا الربيع كان «طبيعيا» بسبب ما تلاقيه شعوب المنطقة من حكم جائر امتد لسنوات، مع تهميش لدور الأغلبة، لمصلحة قلة محدودة.. ما أوغر صدور أبناء هذه الشعوب وعبأ مشاعرها الكامنة فى انتظار لحظة لم تتخير موعدها، لتثور وتنتفض لتصحيح الأوضاع وإعادة الحقوق المسلوبة والعدل المفقود. وخلص الكاتب إلى أن المؤامرة ما زالت تُنفذ، ربما مع بعض التعديلات التى تتواءم مع المستجدات وهو يرى الخلاص من هذا السيناريو من خلال الحرص على تماسك الجبهة الداخلية وتحصينها ضد أى اختراق ويحدد آليات هذا التحصين فى «إرادة حرة واعية تضع مصالح أوطانها فوق كل اعتبار» وبديمقراطية حقيقية تفرضها إرادة الشعوب وأخيرا احسن اختيار الربان ومعاونيه. الكتاب :الربيع العربى المؤلف : صفوت شاكر الناشر : على نفقة المؤلف