حينما كنت طالبة فى كلية الإعلام جامعة القاهرة قسم الصحافة طلب منى الدكتور فاروق أبوزيد أستاذ مادة التحرير الصحفى عمل حوار صحفى وسيكون موضوع الغلاف وترك لى حرية اختيار الشخصية لجريدة صوت الجامعة والتى كان يحررها طلبه الكلية وأساتذة القسم والمعيدين وتصدر عن كلية الإعلام على أن يشاركنى زميل أو اثنين إيماناً منه بفكر العمل الجماعى وفكرت أنا وزملائى منى حمدى وأحمد زين فى عدة شخصيات ولم نتفق على شخصية واحدة . وسرعان ما ذهبت لوالدى لآخذ رأيه فإذا به يقترح على عمل حوار مع الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث إنه من أصدقاوه وأحد أهم قرأوه ومعجبيه .. فقلت لوالدى معقول الأستاذ هيوافق يعمل مع طلبة فى كلية الإعلام حوار فرد قائلاً أنا متأكد إنه هيوافق ، فقلت له فهل ممكن إن حضرتك تأخذ منه ميعاد .. فرد والدى لا ، أنا أريدكم أن تخوضوا التجربة بأنفسكم حتى يشعر الأستاذ بأنكم تعتمدون على أنفسكم . وبالفعل ذهبت أن وزملائى إلى مكتب الأستاذ على النيل بجوار أحد الفنادق الكبرى طبقاً للعنوان الذى أعطاه لى والدى ودخلنا العمارة وضربات قلوبنا سريعة رهبة من مقابلة أستاذ الصحافة فى مصر وخوفاً من رفض الأستاذ مقابلتنا وطرقنا الباب وفتح لنا شخص يبدو نوبياً وقال لنا أهلاً وسهلاً أوامركم فقلنا له نريد مقابلة الأستاذ نحن طلبة فى كلية الإعلام ، فسألنا هل هناك موعد فقلنا له لا فقال دقيقة واحدة أبلغه .. وسرعان ما اكتشفنا إننا طرقنا باب شقة الأستاذ وليس مكتبه فقمنا سريعاً وأغلقنا الباب ورائنا قبل أن يأتى الأستاذ حتى لا يأخد فكرة أننا اخترقنا بيته دون استئذان .. وطرقنا الباب الآخر ودخلنا للأستاذ منير عساف مدير مكتبه وقلنا له أننا طلبه من كلية الإعلام ونريد عمل حوار صحفى مع الأستاذ فابتسم وقال لنا اتركوا لنا أرقام تليفوناتكم وسأعرض على الأستاذ رغبتكم وأرد عليكم .. وما أنا وصلنا البيت لم تكن الموبايلات ظهرت فى هذا الوقت ووجدت جرس تليفون المنزل يرن وإذا به الأستاذ منير عساف يقول لى حضرتك الأستاذة نيڤين شحاتة الطالبة بكلية الإعلام فقولت له نعم فقال الأستاذ يدعوكم للقائه يوم الأثنين الساعة الواحدة ظهراً أنتى وزملائك ، لم أتمالك نفسى من السعادة فى هذا الوقت وقمت بمتابعة كل الصحف وقراءة مقالات الأستاذ وملخصات كتبه التى كانت تملئ مكتبه والدى والذى أخذت منه معلومات عن الأستاذ هيكل أكد لى والدى لا تتأخروا عن الموعد لإن الأستاذ مواعيده منضبطه جداً. وذهبنا فى الموعد ووجدنا الأستاذ منتظرنا بالدقيقة والثانية رغم أن جدول مواعيده كان ملئ بوزراء وسفراء دول وقال لنا الأستاذ منير عساف الأستاذ هيكل مخصص لكم ساعة لمقابلته ودخلنا المكتب وإذا به يستقبلنا أهلاً بصحفيين المستقبل وسلم علينا وشكرناه على موافقته على مقابلتنا وبدأ يناقشنا عما ندرسه من مواد فى الكلية وتحليلنا للأحداث الجارية ولماذ اخترنا قسم الصحافة فى كلية الإعلام وأبدى إعجابه بآرائنا وبعد ذلك قال لماذا طلبتم مقابلتى فقلنا له إننا نريد عمل حوار صحفى معه لجريدة صوت الجامعة فقال لا أنا لن أجرى معكم حواراً ولا أغلقوا هذا الكاسيت الذى تستخدموه فانتابنى حالة من الحزن لإننا أبلغنا رئيس القسم بإننا ذاهبين لإجراء حوار مع الأستاذ فماذا نحن فاعلون ؟ فقال لنا الأستاذ أنا لا أريدكم أن تستخدموا الكاسيت فى عمل حوار أياً كان إلا لو كُنتُم أمام رئيس دولة أو مسئول كبير فى الدولة لإن كل كلامه تصريحات ويمكن يرجع يقول أنا لم اقول ذلك ، فيما عدا ذلك لا تستخدموا الكاسيت فى التسجيل واعتمدوا على الذاكرة وتفاعلكم مع المصدر لإن ذلك يمكن أن يخلق أسئلة آخرى غير معدة ، فقلنا له سنغلق الكاسيت ولكن نريد أن نجرى حواراً مع حضرتك فأجاب للمرة الثانية لا لن أجرى معكم حواراً أنا وافقت أقابلكم لأعرف كيف يفكر طلبة كلية الإعلام الجدد وناقشنا فى بعض الأحداث السياسية الجارية وسلم علينا ونزلنا وبداخلنا مشاعر مختلطة بين الفخر بإننا قابلنا الأستاذ والحزن لإننا لم نجر الحوار .. و جلست أنا وزملائى نفكر ماذا نفعل وماذا نقول للدكتور فاروق أبو زيد الذى أوقف طباعة الجريدة انتظاراً لحوار الأستاذ وسرعان ما جاءتنا فكرة أن نكتب قصة لقائنا بالأستاذ ومناقشته معنا فى صورة سؤال وجواب وكل واحد مننا أنا وزملائى يتذكر جزء من كلامه معنا وكتبنا حواراً على صفحة كاملة وبالفعل نشر الحوار وكان موضوع غلاف الجريدة بصورة كبيرة للأستاذ وأخذنا ثلاثة أعداد وتركناها للأستاذ منير عساف حتى يراها الأستاذ ، وإذا بالأستاذ يبلغنا بإعجابه بالحوار ويؤكد لنا أننا سيكون لنا مستقبل باهر فى بلاط صاحبة الجلالة لإن هذا هو الدرس الأول الذى كان يريد أن يعلمه لنا كيف نتصرف فى المواقف الحرجة وبدون استخدام المسجل " الكاسيت " وننشط ذاكرتنا ونعمل بأسلوب فريق العمل وأن نصنع حواراً صحفياً بأسلوب التشويق وباختصار كان يريدنا أن نفعلها هكذا وقد فعلناها شكراً للأستاذ والذى تعلمنا منه أعظم درس صحفى فى حياتنا وكل كلمة كان يتفوه بها كانت لها وزن وقيمة .. رحم الله القيمة والقامة الصحفية الكبرى الأستاذ محمد حسنين هيكل وادخله فسيح جناته . [email protected] لمزيد من مقالات نيفين شحاتة