أفزعنى حوار الدكتور أحمد عماد وزير الصحة الذى قال فيه إن عدد الخريجين بكليات الطب سنويا يبلغ أكثر من 8 آلاف ، وأن سبعة آلاف منهم لا علاقة لهم بالطب إلا بالإسم فقط ، وهذه كارثة بكل المعايير لأن الطبيب عندما يخطئ ، فمعناه ضياع حياة المريض ، ونحن فى غنى عن ذكر حالات حوادث كثيرة تحدثت فى المرحلة الأخيرة بدءا من إصابة السيدات بالعمى فى مستشفى طنطا وحالات العجز الكلى لبعض المرضى ، والحقيقة أن الطب دخل مرحلة خطيرة من التجارة التى أفسدت هذه المهنة الإنسانية ، وكان لذلك انعكاس على لعبة التعليم الطبى فلم يعد طالب الطب يمارس التعلم الحقيقى الذى ينهض بمستواه الأكاديمى والمهنى ، فى وقت انتشرت فيه تجارة التعليم بالجامعات الخاصة ، حيث لا يجد الطالب الحد الأدنى من أساسيات الطب ، فى الوقت الذى يغيب فيه أستاذ الجامعة طوال العام عن دوره فى تعليم الطلاب منصرفا لعيادته الخاصة ، بلا ضمير أو أخلاق لأن "البيزنس" هو أساس العمل الطبى ، فهؤلاء الأساتذة يحرصون على عدم إعطاء خبراتهم للطالب المقبل على الدراسة، ولا يكتفون بذلك بل يحرصون على تلقى رواتبهم بحوافزها بالكامل من الجامعة دون هوادة ، برغم أن الأستاذ لا يذهب للكلية أو يضع حتى قدمه فيها طوال العام ، حاملا اسمها لزوم أكل العيش والوجاهة ، فإذا كان هناك مكان بالمستشفى للمواطن الفقير لا يجد إلا طبيبا فقير المعلومات الطبية أيضا ويكون المصير النهائى هو الم ت ، أذكر حالات وفيات كثيرة من الأصدقاء والزملاء رحمهم الله ، من مثل هذه النوعية فهناك من كان يعانى حموضة بسيطة تناول علاج أمراض عضال وتتفاقم الحالة بالعلاج الخاطئ ، حتى تظهر بعد وقت أمراض خطيرة لا علاج لها ، وتكون الوفاة والرحمة هى النتيجة الطبيعية ، حتى إن بعض الخبراء يقولون: إن ترك المريض فى هذه الحالة بلا علاج ربما يجعله ينجو من الموت بدلا من طبيب جاهل ، ورأيت بنفسى طبيبا يقول لصديق إنه لن ينجب طوال حياته وعليه أن يرضى بقضاء الله ، وعندما ذهب لطبيب فى الإسكندرية أعطاه حقنتان وتم له الشفاء خلال أيام معدودة ولديه عدد من الشباب الآن بالجامعات ، وآخر ما شهدته فى الأسبوع الماضى بإحدى المستشفيات الخاصة عندما ذهب مريض تعرض أكثر من مرة للغيبوبة الكبدية وحالته خطيرة فقال الطبيب المعالج الجهل بالمستشفى : إن المريض يحتاج عملية فى القلب وقسطرة ، مع أن التحاليل أثبتت أن لديه غيبوبة كبدية ، لولا أن ابنته درست فى الطب رفضت ونقلت والدها من المستشفى بعد اكتشاف جهل الأطباء حتى فى مبادئ الطب ، وطالبتهم إدارة المستشفى بمبالغ كبيرة لعلاجه أو بمعنى أصح لقتله . لتنكشف مشكلة المستشفى الخاص التى يعمل عليها أطباء ، والأعجب من ذلك أن معظم هذه المستشفيات الخاصة يمتلكها مهندسون أو تجار تحت أى مسمى ، فكله تجارة وأكل عيش ، لذلك لاتتعجب أن تجد نسبة الوفيات عالية بين مرتادى هذه المستشفيات. لتكون "موته وخراب بيوت" ، فالمبالغ المبالغة فيها مضمونة حتى بعد الوفاة ، فيحتجزون المتوفى حتى دفع تكاليف إقامته من ألف إلى ألفين جنيه فى الليلة الواحدة ، ولا تخرج الجثة إلا بعد المصاريف التى يضاف إليها بنود خدمات وهمية ، ونسبة على الخدمة إضافية لم يتلقاها المريض بالطبع. كما لو أنه فى سوق نخاسة "إن عاش" . الغريب أن هذه المهنة دخل عليها من ليسوا أهل مهنة أو تخصص من مدربين للتربية الرياضية الذين يفتحون ما يسمى بمراكز العلاج الطبيعى بمسميات كثيرة خاصة فى التخسيس والرشاقة ، وتمتد هذه الخدمة لإدخال وسائل غير صحية فيما يسمى بالجيم والصحة العامة أو الرشاقة والجمال ، والتى تؤثر على حياة الشباب نتيجة التعامل الخاطئ فى الجانب الصحى، والتى تمتد بأن يطلب المدرب من الشاب تناول أدوية قد تكون خطيرة منها المنشطات لتكوين العضلات المفتولة ثم ما يلببث الشاب أن يسقط من طوله أو يتوفى بهبوط شديد فى القلب ، كل هذه الفوضى تسيطر على سوق الطب أو الصحة "التجارى" الذى غابت عنه الوزارة بدءا من طالب الطب منذ سنته الأولى وحتى تقلد وظيفته التى أصبحت فى الحقيقة جريمة مقننة . لمزيد من مقالات وجيه الصقار