من المهم عند البدء فى مشروع كبير لاستصلاح الأراضى تحديد الغرض من الاستصلاح سواء كان لسد جزء من الفجوة الغذائية أو لاستعادة القوة التصديرية المفقودة للحاصلات الزراعية مع الإلمام التام بحاجة الأسواق العالمية من مختلف صنوف الصادرات الزراعية والبعد عن ماهو متشبع منها من السلع. بعد هذا التحديد يتم تحديد المستهدفين بالانتفاع الاستثمارى من المساحات المستصلحة سواء كانوا من الشباب أو المستثمرين وإنشاء الشركات المنضبطة القادرة على التسويق المحلى والتصديرى أو الاتفاق مع الشركات التصديرية القائمة على استعادة الأسواق العالمية المفقودة والتحذير من تكرار فقدانها. ولأن مصر فقدت فى السنوات العشرة الأخيرة العديد من أسواقها التصديرية للبطاطس والبصل بسبب تفشى مرض العفن البنى لقلب الثمار، وهى صادرات لا غنى عنها لجميع دول الاتحاد الأوروبى ومعها الاتحاد السوفيتي، فإن أراضى الفرافرة وما سيتبعها من أراضى مشروعات الإستصلاح كان من الممكن أن تكون فرصة جيدة لاستعادة هذه الأسواق مرة أخرى بالانتقال إلى ترب زراعية بكر خالية من توطن أمراض البطاطس والبصل وتستخدم مياه الآبار العميقة غير الملوثة ولا يبقى إلا أن تعود الدولة إلى مهامها فى استيراد تقاوى البطاطس السليمة من أماكن موثوق فيها والابتعاد عن إسناد الأمر إلى بعض التجار الجشعين الذين يسعون للربح بأى ثمن وعلى الهيئة الزراعية المصرية أن تقوم بسابق دورها فى استيراد تقاوى البطاطس ومعه كل المبيدات المسموح بإستخدامها عالميا والمؤمنة وغير الممرضة أو الممنوع وجود آثارها فى الثمار المخصصة للتصدير. هذا الأمر يؤدى إلى تخصيص أراضى الفرافرة وبعض الأراضى المستهدفة فى محافظاتالجيزة والمنيا وبعض مناطق الساحل الشمالى الغربي، حتى مدينة الضبعة للانتقال إلى زراعة البطاطس والبصل بغرض التصدير إلى الأسواق الأوروبية والعربية بثمار نظيفة. الأمر الثانى لتحقيق الاستخدام الأمثل المربح للأراضى المستصلحة هو الخوض بقوة فى مجال الزراعات العضوية والحيوية والتى تتسع أسواقها الأوروبية يوما بعد يوم بشعار العودة إلى الطبيعة والبحث عن الأغذية الخالية من الكيماويات بشقيها الأسمدة والمبيدات وبالتالى أصبح شعار «أوجانيك» فى الأسواق الأوروبية والعربية يضمن أسعار مضاعفة للمنتج الموثق لزراعات صادقة غير خادعة تحكمها منظومة منضبطة للإنتاج بلا مجاملات ولا إهمال لنستعيد ما فقدناه من من الأسواق الأوروبية بعد واقعة تصدير الحلبة النابته المصابة بميكروب الإيكولاى النزفية الشرسة التى أودت بحياة نحو مائة شخص فى ألمانيا وإنجلترا عام 2010 ودفعت مصر ثمنا بالغا بحظر تصدير نحو 47 منتجا زراعيا إلى الأسواق الأوروبية وما انضم إليها من أسواق أخرى بعد ذلك. الفرصة سانحة فى الأراضى الجديدة البكر الخالية من التلوث أو توطن الأمراض ومعها المياه العميقة لاسترداد مكانة مصر التصديرية إلى أسواق الاتحاد الأوروبى من الأغذية الأورجانيك والتى تتربع على عرشها حاليا تونس وإثيوبيا وأوغندا وتنزانيا استغلالا لموقع مصر على البحر المتوسط والأقرب إلى دول الاتحاد الأوروبى بما يقلل من تكاليف النقل الجوى أو البحرى من مصر إلى أوروبا وبالتالى ضمان أسعار منافسه تعطى لمصر الأولوية لاستيراد الأغذية العضوية منها. هذا الأمر سوف يتبعه أيضا عودة عرض تصدير الفاصوليا الخضراء والبسلة والطماطم (مصر خامس أكبر منتج عالمى للطماطم) خاصة فى الشتاء الطويل والبارد لدول أوروبا سواء كانت عضوية أو غير عضوية والتى كانت الفاصوليا الخضراء تحقق مليار دولار سنويا من تصديرها، خاصة بعد الترويج عن أن هذه المنتجات تأتى من أراض جديدة وتروى بمياه الآبار البعيدة عن التلوث إلى أن نبدأ مرحلة استعادة صحة النيل والترب الزراعية بإقامة وحدات معالجة مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى التى تعيد إلينا النيل صحيحا غير معتل لأن صحة المصريين تبدأ من صحة النيل. وهنا نذكر بأن قربنا من الأسواق الأوروبية الغنية والتى تقترب من مليار نسمة ومعها روسيا واليابان والخليج لا تستلزم البحث عن حاصلات من أمريكا الجنوبية مثل حبوب «الكنوا» وهى أقرب إلى الخضراوات من الحبوب كما أنها خالية من مادة الجلوتين وبالتالى لا تصلح لمشاركة القمح فى إنتاج الرغيف بل قد تحل عرق العجين لخلوها من الجلوتين والنشا، ولا أيضا البحث عن الكاسافا الإفريقية بهدف الحصول على دقيقها لما تحتويه على بعض المواد الضارة والسامة والتى ينبغى معها استهلاكها فى غضون عدة أيام ، فبيئتنا الزراعية غنية بالموارد الزراعية المحلية ويمكن بقليل من العلم والحكمة استعادة عرش الزراعة المصرية وعودتها إلى قيادة الاقتصاد المصرى والتنمية فى مصر. وأخيرا نذكر بأن الأراضى المخصصة للشباب ينبغى أن تمثل تكامل للتخصصات بتجميع خريجى تخصصات المحاصيل والبساتين والإنتاج النباتى والأراضى والمياه والاقتصاد الزراعى (للتسويق) والزينة والإنتاج الحيوانى والداجنى والهندسة الزراعية والخضر ليشكلوا مجموعة إنتاجية متكاملة للإستخدام الأمثل للموارد الزراعية. لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد