"اللجوء إلى الله" عبادة لا يستغني عنها المرء أبدا.. فماذا ستخسرُ إذا آمنتَ به، والتجأتَ إليه في كل وقت، وحال؟ إن "اللجوء إلى الله" ربح في كل حال، فإن آمنتَ، وصبرتَ.. نلتَ، وفزتَ، وأمر الله نافذ.. وإن لم تؤمن وتصبر؛ كفرتَ، وخسرتَ، وأمر الله نافذ أيضا. ومن الناس من يلجأ إلى الله لجوء "الأحرار النبلاء"، الذين يستعينون به في السرء والضراء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والشباب والهِرم، وليس في حال الاحتياج فقط إليه، في مرض، أو فقر، أو حاجة، أو مال، أو كرب، أو غمة.. إلخ. فتلك عبادة "العبيد النفعيين"، "والانتهازيين الوصوليين"، الذين يعبدونه تعالى على حرف، ولا يلجأون إليه إلا إذا احتاجوا إليه، وإلى معونته ومساعدته فقط. قال سبحانه: "وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا".(النساء:39). وقد جاء في التفسير: أيّ ضرر يلحقهم لو صدَّقوا بالله، واليوم الآخر، اعتقادًا وعملا، وأنفقوا مما أعطاهم باحتساب، وإخلاص؟ فالاستفهام للإنكار، و"لو" مصدرية.. أي: لا ضرر فيه، وإنما الضرر فيما هم عليه. قال القشيري: "ليس في إيمانهم بالله عليهم مشقة، بل لو آمنوا لوصلوا إلى عِزِّ الدنيا والآخرة، ولا يحملهم على الإعراض عنه إلا قلة الوفاء، والحرمة". وقال الشعراوي: "أي تبعه ومشقة وضرر عليهم من الإيمان والإنفاق في سبيل الله؟ إنه سبحانه لم يستفهم منهم عما يصيبهم من ذلك، ولكنه يَذُمُّهُمْ، ويوبخهم، ويصمهم بالجهل والغفلة عما ينفعهم. "وكان الله بهم عليمًا".. خبر يتضمن أنه تعالى مطلع على ما أخفوه في أنفسهم. من هنا جاء في الأثر قول أحد الصالحين - قيل إنه "جعفر الصادق" -: "عجبت لمن خاف، ولم يفزع الى قوله تبارك: "حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "، فاني سمعت الله يقول عقبها: "فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ". (آل عمران:173-174). وعجبت لمن اغتم، ولم يفزع الى قوله تعالى: "لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ 0لظَّٰلِمِين"، فاني سمعت الله يقول عقبها: "فَ0سْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ 0لْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى 0لْمُؤْمِنِين".(الأنبياء: 87-88). وعجبت لمن مُكر به، ولم يفزع الى قوله تعالى: "وَأُفَوِّضُ أَمْرِىٓ إِلَى 0للَّهِ ۚ إِنَّ 0للَّهَ بَصِيرٌۢ بِ0لْعِبَادِ"، فإني سمعت الله يقول عقبها: "فَوَقَىٰهُ 0للَّهُ سَئَِّاتِ مَا مَكَرُوا۟".(غافر:44-45). وعجبت لمن طلب الدنيا، ولم يفزع الى قوله تبارك: "مَا شَآءَ 0للَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِ0للَّهِ"، فإني سمعت الله يقول عقبها: "إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًۭا وَوَلَدَا* فَعَسَىٰ رَبِّىٓ أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًۭا مِّن جَنَّتِكَ".(الكهف: 39 -40). وعلق الشيخ الشعراوي - يرحمه الله - على هذا الأثر بقوله: "الخوف قلق النفس من شيء تعرف مصدره، أما "الغم" فكآبة النفس من أمر قد لا تعرف مصدره، فكل ما يخيفك دون قوة الله. وإنجاء يونس - عليه السلام - من "الغم" ليس خصوصية له، وإنما عام لكل مؤمن". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد