ارتفاع أسعار الذهب في بداية التعاملات بالبورصة.. الأربعاء 31 ديسمبر    أحصائيات أحمد عبد الرؤوف مع الزمالك بعد إعلان رحيله رسميا عن الفريق    نتنياهو: لدى حماس 20 ألف مسلح ويجب أن تسيطر إسرائيل عسكريا على الضفة الغربية    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حملة مكبرة لإزالة مخازن فرز القمامة المخالفة بحرم الطريق الدائري بحي الهرم    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والصغرى بالقاهرة 13    انفصال ميل جيبسون وروزاليند روس بعد 9 سنوات من ارتباطهما    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    وخلق الله بريجيت باردو    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    حمادة المصري: الأهلي مطالب بالموافقة على رحيل حمزة عبدالكريم إلى برشلونة    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البطالة فى مصر وتونس.. الواقع وإمكانات المعالجة

المنطقة العربية مبتلاة بأعلى معدلات البطالة السافرة في العالم. وتلك البطالة المنتشرة على نطاق واسع ومعقد تعني أن هناك قصورا طويل الأجل في خلق الوظائف الحقيقية، وأن ما يتم خلقه من وظائف لا يتناسب مع النمو في قوة العمل. ورغم أن الدولة والقطاع الخاص بكل أحجامه هما مصدر خلق الوظائف الجديدة، إلا أن الحكومة وسياساتها الاقتصادية العامة هي المسئولة عن خلق الوظائف سواء بصورة مباشرة لدى الدولة، أو من خلال تبني السياسات الكفيلة بتنشيط الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية الجديدة بكل أحجامها وأنواعها والتي تسهم في خلق الوظائف.
وفوق تلك البطالة السافرة أو المباشرة، هناك أنماط أخرى من البطالة أسوؤها البطالة المقنعة والبطالة الفنية. والبطالة المقنعة ناتجة عن تكديس أعداد ضخمة من »العاملين« بلا عمل أو وظائف حقيقية في الأجهزة الحكومية والمحليات بصفة خاصة. وتتحول تلك البطالة المقنعة إلى معوق للعمل وتتسبب في إهدار قيمة العمل نفسها، فضلا عن أنها تسهم في تشويه نظام الأجور وتخفيض الأجور بصفة عامة، حيث يتم اقتسام مخصصات الأجور وما في حكمها بين عدد أكبر كثيرا من العدد الذي يقوم بالأعمال فعليا.
أما البطالة الفنية فهي وجود فائض من حاملي التخصصات والمهارات غير المطلوبة لسوق العمل فتنتشر البطالة بينهم، ونقص في حاملي التخصصات والمهارات التي يحتاجها سوق العمل والذين يوجد طلب على خدماتهم دون أن يتمكن سوق العمل من الحصول عليها. والبطالة الفنية ناجمة بالأساس عن وجود خلل وانفصام بين النظام التعليمي والجهاز الإنتاجي وضعف دور الدولة التي من المفترض أن تملك الرؤية الكلية وتقوم بالتنسيق الضروري في هذا الشأن.
ولأن البطالة مشكلة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية فإن معالجة هذه المشكلة تمثل أولوية لأى حكومة معنية بتحقيق التقدم والتنمية والعدالة الاجتماعية. وأى معالجة لهذه القضية لابد وأن تنطلق من مجمع السياسات الضرورية للتقدم والتنمية، فخلق الوظائف الجديدة مرتبط بتنفيذ استثمارات جديدة أو التوسع فى استثمارات قائمة، وكلاهما يعنى زيادة الناتج وتحقيق التطور الاقتصادى ورفع مستويات المعيشة. وتنفيذ تلك الاستثمارات اللازمة لخلق فرص العمل يحتاج للتمويل من خلال المدخرات، وبالتالى فإن حفز الادخار وتبنى السياسات الضرورية لذلك يشكل عاملا مرتبطا بشكل وثيق بأى معالجة للبطالة. أما خلق الوظائف وما يعنيه من رفع معدل المشاركة الاقتصادية للمواطنين وتمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة من خلال عملهم وكدهم واجتهادهم وحصولهم على أجور عادلة، فإنه يحقق أحد أركان العدالة الاجتماعية التى تساهم فى خلق الاستقرار الاجتماعى والسياسى القائم على التراضى وليس على التسلط والقمع.
وبالمقابل فإن البطالة تعنى التهميش الاقتصادى والاجتماعى للعاطلين وتحويلهم إلى عالة على أسرهم بكل ما يعنيه ذلك من وضعية أدنى ومهانة اجتماعية، فضلا عن أنها تساهم فى زيادة مساحات الفقر. وذلك التهميش والإفقار يؤديان إلى جعل العاطلين أرضا خصبة للنقمة الاجتماعية والسياسية، ويدفع بالبعض منهم للتطرف السياسي، كما يزج بالبعض فى مستنقع العنف الجنائى عند المستويات الدنيا من التعليم والثقافة والتربية. وفى كل الأحوال فإنه يضعف الانتماء خاصة فى البلدان التى لا توجد فيها نظم لكفالة أو إعانة العاطلين ولو بصورة مؤقتة. وكل ما سبق يؤكد على الأهمية الكبرى لمعالجة قضية البطالة لكل الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بها.
وكانت الاضطرابات السياسية-الاجتماعية التى شهدتها تونس فى بداية هذا العام مرتبطة بشكل وثيق بالبطالة وما يترتب عليها من تهميش وفقر. وهذا الأمر يدعونا لعرض أوضاع البطالة فى تونس ومصر والآليات الممكنة لمعالجتها كآلية لتحقيق التنمية والتطور والعدالة والاستقرار السياسى والأمنى القائم على التراضي.
واقع البطالة فى مصر وتونس
تعانى مصر وتونس من أزمة بطالة ضخمة تعتبر واحدة من المعضلات الاقتصادية-الاجتماعية الأكثر صعوبة التى تحتاج لمعالجة فعالة فى إطار أى برنامج لتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى والسلم الاجتماعي. وهذه الأزمة تحتاج لمعالجات فعالة بعضها قصير الأجل والبعض الآخر من خلال سياسات متوسطة وطويلة الأجل لرفع مستوى التشغيل وتقليص البطالة إلى اقصى حد ممكن. ورغم تحفظاتى على دقة بيانات البطالة فى مصر والدول العربية والتى كتبتها مرارا والتى توجد مبررات علمية قوية تدعمها، إلا أننى سأعتمد على البيانات الرسمية لغرض العدالة فى المقارنة بين الدولتين.
وتشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم والمأخوذة من بيانات رسمية مصرية وتونسية إلى أن معدل البطالة فى عام 2014 بلغ 13.2% فى مصر، ونحو 13.3% فى تونس. وتشير هذه البيانات بوضوح إلى ارتفاع معدل البطالة فى مصر وتونس بصورة يصعب تحملها اجتماعيا، خاصة فى ظل عدم وجود نظام لإعانة العاطلين، وافتقاد الخطط الواضحة لحصرهم وتشغيلهم. وأهمية مثل تلك الخطط أنها تعطى الأمل للعاطلين وتضع أفقا زمنيا لحل مشكلتهم. ومن الضرورى الإشارة إلى أن بلدانا صناعية متقدمة مثل اسبانيا تعانى من بطالة تصل إلى 24.7% من قوة العمل، كما يبلغ المعدل نحو 26.3% فى اليونان، ونحو 22.2% فى صربيا، ونحو 27.9% فى البوسنة والهرسك، ونحو 16.7% فى كرواتيا، ونحو 10.5% فى مجموع بلدان منطقة اليورو فى عام 2014. وصحيح أن اليونان خفضت المعدل فى أكتوبر 2015 ليبلغ نحو 24.5%، بينما خفضته أسبانيا ليبلغ نحو 21.4% فى نوفمبر 2015 وفقا للأسبوعية البريطانية «الإيكونوميست»، إلا أنها تبقى معدلات أعلى كثيرا من المعدلات المناظرة فى مصر وتونس. والفارق أن تلك البلدان لديها آلية لإعانة العاطلين، وهو أمر يصعب تحقيقه فى البلدان النامية عموما والأفضل هو بذل اقصى المساعى لتنشيط الاستثمارات العامة والخاصة والأجنبية لتشغيل العاطلين.
وتبلغ بطالة الرجال فى مصر نحو 9% من قوة العمل من الرجال، مقارنة بنحو 12% فى تونس. أما بطالة النساء فبلغت فى مصر نحو 28% من قوة العمل النسائية، مقارنة بنحو 16% فقط فى تونس. وهذه البيانات تشير إلى أن هناك تحيزا نوعيا ضد المرأة فى سوق العمل المصرية بأكثر كثيرا مما هو حادث فى تونس التى يتسم سوق العمل فيها بدرجة عالية من العدالة النوعية بالمقارنة بمصر على الأقل.
أما بالنسبة للفئات العمرية، فإن معدل البطالة بين الشباب (الذكور) الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 24 سنة يبلغ 33% من قوة العمل فى هذه الفئة العمرية سواء فى مصر أو فى تونس. أما البطالة بين الإناث فى هذه الفئة العمرية فتبلغ 30% فى تونس، ونحو 65% فى مصر.
ويشكل العاطلون من خريجى الجامعة نحو 31% من مجموع العاطلين فى مصر وتونس. بينما يشكل خريجو المدارس الثانوية نحو 47% من العاطلين فى مصر، ونحو 43% من العاطلين فى تونس. ويشكل العاطلون من خريجى المدارس الابتدائية نحو 4% من إجمالى العاطلين فى مصر، ونحو 22% من العاطلين فى تونس. وباقى العاطلين فى البلدين هم من غير المتعلمين.
ولو نظرنا إلى معدل الاستثمار الذى يعول عليه كثيرا فى معالجة مشكلة البطالة فإن هذا المعدل كان يتراوح حول مستوى 18% من الناتج المحلى الإجمالى المصرى قبل عام 2011، وأصبح يدور حاليا حول مستوى 14%. أما معدل الادخار الذى من المفترض أن يتم تمويل الاستثمارات من خلاله فقد كان يدور عند مستوى يقل عن 15% من الناتج المحلى الإجمالى قبل عام 2011، وأصبح فى العام المالى 2014/2015 نحو 5.9% من الناتج المحلى الإجمالي. أما فى تونس فإن معدل الاستثمار كان يبلغ نحو 26% من الناتج المحلى الإجمالى عام 2000، وانخفض فى عام 2014 إلى نحو 22%. وكان معدل الادخار يبلغ نحو 22% عام 2000، وأصبح نحو 13% عام 2014.
وكما هو واضح فإن هناك مشكلة بطالة حقيقية فى مصر وتونس. ومن الضرورى للبلدين أن يتم وضع خطط عامة وقطاعية لمواجهة هذه المشكلة ليس بتكديس المزيد من العاملين فى المؤسسات الحكومية كما كان يحدث سابقا بما يخلق مشكلة بطالة مقنعة، بل بخلق وظائف حقيقية لهم.
كيف تعالج مصر وتونس مشكلة البطالة؟
بالرغم من أهمية الانفتاح الاقتصادى العادل والمتكافئ على العالم، فإن التعويل على معالجة مشكلة البطالة من خلال الاستثمارات الأجنبية أو القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالحالة الاقتصادية العالمية أو بالموقف العالمى من البلد مثل قطاع السياحة هو أمر محفوف بمخاطر التذبذب. وترتيبا على ذلك فإن النمو والتشغيل ينبغى أن يتم بناؤهما على أساس الاستثمارات المحلية والقطاعات الصلبة مثل الصناعات التحويلية والزراعة والخدمات الداخلية. وهذا لا يتناقض إطلاقا مع ضرورة جذب الاستثمارات الأجنبية وبذل كل الجهود لتطوير قطاع السياحة وزيادة جاذبيته.
وهناك عدة مسارات ممكنة لمعالجة مشكلة البطالة سبق لى رصدها فى العديد من الدراسات والكتب والمقالات، ولا ضير من إعادة التذكير بها. والمسار الأول هو إعادة هيكلة الإنفاق العام ومضاعفة مخصصات الاستثمار وتوجيهها إلى الاستثمار الصناعى والزراعى والخدمى لرفع معدل الاستثمار الضرورى لتوسيع الجهاز الإنتاجى من جهة، وخلق أعداد كبيرة من فرص العمل الحقيقية من جهة أخرى. وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المستثمرين الأجانب يرغبون فى إقامة شراكات استثمارية مع الدولة أو شركاتها لمساعدتهم فى إنهاء الإجراءات، وهو ما يتطلب تعاملا مرنا من الدولة فى هذا الشأن.
أما المسار الثاني، فهو تكوين حضانة قومية مركزية وحضانات محلية فى كل قرية ومركز ومحافظة لرعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية. ويتركز دورها فى مساعدة الراغبين فى إقامة تلك المشروعات على اختيار مجال العمل المرتبط باحتياجات المجتمع المحلى وبالخامات المتوافرة فيه كأولوية أولى وليست وحيدة، والمساعدة فى إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية، كما تساعد الحضانة فى توفير التمويل الميسر لهم سواء من خلال أموال تخصص للحضانة فى الموازنة العامة للدولة، أو من خلال إلحاق الصندوق الاجتماعى للتنمية بها، حيث لم يوفق منذ تأسيسه فى مكافحة البطالة والفقر، أو باستخدام جزء من أموال الصناديق الخاصة التى جمعت الأموال فيها بحكم السلطة السيادية للدولة، فضلا عن التمويل المصرفى المُيسر. كذلك فإن الحضانة القومية يمكن أن تستعين بأموال المنح والقروض المقبولة الشروط. ومن المهم أيضا لتلك المشروعات أن تكون هناك رقابة ورعاية لالتزامها بالمواصفات القياسية لضمان التسويق الداخلى والخارجى لمنتجاتها. ومن الضرورى ربط البعض منها بمشروعات كبيرة لتنتج سلعا وسيطة أو نهائية لها، وربطها بسلاسل تجارية أيضا لضمان التسويق والاستمرار، ومتابعتها خطوة بخطوة لضمان نجاحها وعدم تعثرها، وذلك بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المحلية.
وهناك عدد هائل من المشروعات الصغيرة التى يمكن إقامتها فى مصر أو تونس أو أى بلد عربى آخر بصورة متباينة من منطقة لأخرى حسب نوع المواد المتاحة فى البيئة والاحتياجات المحلية من السلع والخدمات، مثل مشروعات الصناعات البلاستيكية وتدوير القمامة لصناعة الأسمدة العضوية وأكياس القمامة، وورش الحدادة والخراطة والنجارة والألوميتال وصناعة المعدات الزراعية، وصناعة الأوانى المنزلية، وصناعات التذكارات السياحية، وصناعة الملابس الحديثة والشعبية والتراثية والأعلام والكليم والسجاد اليدوى والآلي، وصناعة لعب الأطفال، وصناعة المفروشات والستائر المطرزة يدويا وآليا، وصناعة مفروشات السيارات، وصناعة المرايا والزجاج، وصناعة الموبيليا والأدوات المنزلية من جريد النخيل وخوصه ومن الحلفا، والمناحل، وعيش الغراب، والمحاصيل الطبية والعطرية وتصنيعها، وتربية الأرانب والدواجن والماشية، وجزارة وتجهيز وتعبئة اللحوم، وصناعات دباغة وتجهيز وتصنيع الجلود كحقائب وملابس وأحزمة وأحذية، والمزارع البحرية والنهرية للأسماك والرخويات وتنظيفها وتجهيزها وتعبئتها، وتنظيف وإعداد وتكييس الحبوب بمختلف أنواعها، وصناعة الحلوى والمخبوزات والمربى والعصائر والصلصة، وتجهيز الخضر والفاكهة وتكييسهما وتعليبهما، وصناعة المخللات، وغيرها من الصناعات الصغيرة المرتبطة بالمواد المتوافرة فى البيئة وباحتياجات السكان أساساً. وهناك أيضا العديد من المشروعات الخدمية مثل المطاعم وصيانة الأجهزة المنزلية والسيارات والدراجات العادية والنارية ومحطات خدمة وتموين السيارات وغيرها من المشروعات.
أما المسار الثالث فهو تطوير مميزات السوق لتطوير جاذبية مناخ الاستثمار لاستنهاض الاستثمارات المحلية التعاونية والكبيرة وجذب الاستثمارات الأجنبية الحقيقية فى مجال الصناعة التحويلية بالذات. وهذا الجذب يتم من خلال رفع مستوى تعليم وتدريب قوة العمل، وتقليص الإجراءات البيروقراطية المعوقة للأعمال والتى تفتح الباب عادة للفساد الذى يضيف المزيد من الأعباء على من يرغبون فى إقامة أية استثمارات جديدة. وضمان حقوق الملكية الفكرية الداخلية على الأقل، والرقابة الصارمة للمواصفات القياسية لضمان التنافس العادل بين المنتجين للسلع المتشابهة، بدلا من قيام البعض بالإنتاج بمواصفات أدنى تتيح لهم البيع بسعر أدنى وكسب السوق من المنتجين الملتزمين بالمواصفات القياسية. والحفاظ على العلاقات المنفتحة اقتصاديا مع العالم والعمل على جعلها عادلة ومتكافئة ومتوازنة، لأن ذلك يساعد الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة العاملة فى البلد على الحصول على ما يحتاجونه من خامات وآلات ومعدات وسلع وسيطة لازمة لأعمالهم بصورة سهلة، ويتيح لهم تصدير منتجاتهم بسهولة أيضا إلى الأسواق الأخرى، وبالذات تلك التى تقيم معها مصر أو تونس منطقة تجارة حرة مثل البلدان العربية والاتحاد الأوروبى والدول الإفريقية، وغيرها من الدول التى توجد اتفاقيات تحرير تجارة ثنائية معها.
أما المسار الرابع فهو عقد اتفاقيات مع جهات إقليمية ودولية لديها النية والعزم لمساندة جهود مصر وتونس من أجل مكافحة البطالة والفقر. وهناك العديد من الجهات التى يمكن استهدافها فى هذا الشأن مثل دول الاتحاد الأوروبى المعنية بإبقاء العمالة المحلية فى وطنها ومنع تدفقها فى هجرات غير شرعية إلى أوروبا. وتلك الدول يمكن أن تقدم المساعدة للمشروعات الصغيرة التى تستوعب العاطلين الشباب وتمكنهم من كسب عيشهم بكرامة وتصرفهم عن فكرة الهجرة للعمل فى أوروبا بصورة غير شرعية.
وأيا كان الاختيار أو السياسات التى سيتم تفضيلها فإن الأمر المؤكد هو أن مصر وتونس بحاجة لاستراتيجية وخطط للتشغيل والتنمية تعطى للشباب العاطل أملا فى حل مشاكلهم وتجعلهم تروسا فى بناء نهضة الوطن ورفعته وتقدمه واستقراره، بدلا من الإحساس بالاستبعاد والتهميش الاقتصادى والاجتماعى والسياسى بكل ما يترتب عليه من آثار.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.