ظهرت أول مسودة لقانون التأمين الصحى الشامل عام 2007 ،ورغم أنه من المفترض بمقتضى ذلك القانون أن يتم ضم جميع المواطنين تحت مظلة التأمين الصحى بدلا عن 50 % من الشعب فقط يشملهم التأمين الصحى الحالى ، الا أنه ومع صدور القانون، تم الاعتراض على صيغته القانونية من قبل الكثير من الحقوقيين ،وانتهى المشروع بحكم القضاء الادارى بالغاء الشركة القابضة للتأمين الصحى فى سبتمبر 2008 ، والآن عاد القانون للطرح بمواد جديدة ،واشكاليات جديدة أيضا، فالقانون الذى يرفع شعار تأمين صحى شامل لكل المواطنين وكل الأمراض،يضمر أيضا شرط التعاقد مع المستشفيات الحائزة على معايير الجودة الدولية،مما يعنى عدم ملائمة 90% من المستشفيات الحكومية على الأقل لشرط القبول ، وهو مايفتح باب التكهن بخضوعها لخطة خصخصة لم تعلن صراحة، لكن يفرضها ذلك الشرط ويدعم تلك الفرضية تصريحات وزير الصحة الاعلامية عن أن 90 % من المستشفيات الحكومية لا تصلح للاستخدام الآدمى ،فكيف لها أن تمر من معايير الجودة الدولية؟!، واذا كانت الدولة تضع نقص التمويل وسوء الجودة فى المستشفيات الحكومية سببا للاعتماد على القطاع الخاص ،عبر نظام اشتراكات سنوية تصل الى 4% من الدخل السنوى للفرد بالاضافة الى فرض رسوم أخرى كدعم لنقص اعتمادات الموازنة الخاصة بالصحة ،فلماذا لا تتجه الى اصلاح القطاع الحكومى عبر نفس الاعتمادات؟، خاصة وأن حجم الانفاق الأسرى على الخدمات الصحية من جيوب المواطنين تتجاوز ال 70 % من حجم الانفاق الكلى على الخدمات الصحية ، وهو ما أسال لعاب القطاع الخاص للاستثمار فى قطاع الصحة ، وتبدو ثمة أسئلة جديرة بطرحها الآن ..لماذا لا تعيد الدولة فتح مستشفيات التكامل المغلقة لتدخل فى المنظومة الجديدة بدلا من تصفيتها ؟ ،وأين ذهبت القوانين السابقة ، بدءا من قانون التأمين الصحى على المرأة المعيلة وانتهاء بالتأمين الصحى على الفلاحين والمزارعين والصادر فى 2014 ؟.. القانون شهد رفضا عنيفا من نقابة الأطباء والعديد من نواب البرلمان ، فهل يشهد نفس مصير قانون الخدمة المدنية؟ القانون الجديد يفرض اشتراكا سنويا على الدخل للذين ستشملهم مظلة التأمين وقيمة مضافة للتأمين على الأسرة، بالاضافة الى فرض رسوم اضافية تصل الى 20 % من تكلفة التحاليل والأشعات ، و3 جنيهات للممارس العام و5 جنيهات للأخصائى و20 جنيها للاستشارى ، و5 جنيهات على كل علبة دواء ، ويقضى برفع قيمة الاشتراك لطلبة المدارس والأطفال من 4 جنيهات سنويا الى 60 جنيها ، تزيد بزيادة الأسعار السنوية ، وتتحمل الدولة قيمة الاشتراك عن غير القادرين ، وهو ما يراه هيثم أبو العز الحريرى نائب البرلمان إنه سيثقل كاهل المواطنين ، وقد يؤدى الى تفاقم مشكلة التسرب من التعليم ، فنحن نجد الآن طلبة لا يستطيعون الاستمرار فى التعليم، بسبب عدم قدرتهم على دفع المصروفات الدراسية، فكيف بهم بعد هذه الزيادة؟ ، واذا كانت مسودة القانون قد حددت نسبة من قيمة الدخل السنوى للأفراد،فماذا عن الفئات من القطاع غير الرسمى من الاقتصاد أو غير المنتظم ،مثل الفلاحين والعمالة الموسمية والعاملين فى القطاعات غير الرسمية من الاقتصاد، ماهى الآلية التى ستحدد وفقها قيمة الاشتراك؟ ويضيف الحريرى أن قيمة الاشتراك يجب ألا يتم استقطاعها على الأجر الأساسى لأن هناك فئات أجرها الأساسى قد لا يزيد على ال 500 جنيه ، فى حين تصل بدلات السفر والتمثيل والسكن والانتقال الى أضعاف ذلك ، فكيف يتم مساواته فى قيمة الاشتراك مع آخر لا يحصل سوى قيمة ال 500 جنيه ؟، لافتا الى أن إبهام شريحة «غير القادرين» الذين تتكفل بهم الدولة يعد أحد أهم مشكلات القانون أيضا،معترضا أيضا على إدراج الهيئة الخاصة بالتأمين الصحى وفقا للقانون كهيئة اقتصادية، قائلا انه يجب أن تكون هيئة غير هادفة للربح ،لأنه من غير المقبول المتاجرة بآلام المرضى والتربح منها، متسائلا عن القيمة المخصصة من ميزانية الدولة للصحة ، ما مصيرها ؟ أما الجزء الأهم فى مسودة القانون، فيقول عنه النائب إنه الجزء الخاص بهيئة الجودة التى ستتولى تحديد المستشفيات التى سيتم التعاقد معها، والتى يجب ان تنطبق عليها معايير الجودة الدولية، وبذلك لن تنطبق المعايير الدولية على أغلب المستشفيات الحكومية، فماذا سيكون مصير تلك المستشفيات؟، وهو مايفتح الطريق أمام خصخصة القطاع الحكومى ، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد،ولكن ثمة افتراض يخص علاقة الهيئة القومية للتأمين الصحى بمقدمى الخدمات ودورها فى التعاقدات ، من المفترض ان يكون للهيئة دور رقابى يعاقب المقصر ويشرف على عمل مقدمى الخدمات ، لكن هذا الدور الرقابى أيضا غير منصوص عليه فى القانون أسامة عبد الحى وكيل نقابة الأطباء أيضا فند القانون، موضحا ان النقابة أصدرت بيانا مشفعا ب 13 سببا للرفض،قائلا ان هناك 3 مميزات فى طيات القانون ،هى صدور قانون تأمين صحى اجتماعى ، شامل لكل المواطنين وكل الامراض، كما تلتزم الدولة بدفع الاشتراك عن غير القادرين، أما نقاط الخلاف فهى عديدة، أولا من هم «غير القادرين» الذين ستدفع عنهم الدولة؟ ، وفقا للتضامن الاجتماعى ، سيصبح غير القادرين هم الذين يتقاضون معاش التضامن الاجتماعى المحدد ب 350 جنيها للأسرة،ونقابة الأطباء تطالب باعتبار غير القادرين هم من تكون دخولهم أقل من الحد الأدنى للأجور ، ثانيا ، المواطن سيدفع وفقا للقانون قيمة الاشتراكات بالاضافة الى مساهمات أخري، وهو ما سيؤدى الى أن المواطن ربما يذهب لعمل أشعات وتحاليل طلبها منه الطبيب المعالج ما قد يصل الى 300 جنيه فى زيارة واحدة للطبيب، وبالتالى فالمواطن الذى اعتبرناه من القادرين وهو الذى يتجاوز دخله الشهرى 1200 جنيه ، من الممكن ألا يستطيع دفع تلك الرسوم ،وبالتالى فالنقابة ترفضها . ويضيف عبد الحى أن القانون ،سيطلق 3 هيئات ضمن منظومة اصلاح التأمين الصحى، هيئة للتمويل وهى المنوطة بجمع الاشتراكات، وهيئة للخدمة ، وهيئة للرقابة، وهيئة الخدمة هى المنوطة بشراء الخدمة من المستشفيات ،ومن البديهى خروج المستشفيات الحكومية من الخدمة لعدم مطابقتها للمواصفات، وبالتالى على الدولة وضع خطة لرفع كفاءة وجودة المستشفيات الحكومية ، ووضع جدول زمنى للانتهاء منها قبل بدء التقييم ، حتى لاتخرج المستشفيات الحكومية من الخدمة، مضيفا إن القانون يسمح بأن تئول مستشفيات التأمين الصحى للهيئة الجديدة، ونقابة الأطباء تطالب بضم جميع مستشفيات الدولة للهيئة الجديدة وليس مستشفيات التأمين فقط ، أما بخصوص هيئة الرقابة، فالنقابة تعترض على تبعيتها لرئيس الوزراء، مطالبين بمنحها الاستقلالية الكاملة كباقى الهيئات الرقابية فى الدولة التى لا تخضع للسلطة التنفيذية، وإجمالا فإن النقابة ترفض أن تكون الهيئة اقتصادية، مضيفا أنه من غير المعقول أن يكون دخل الهيئة من خلال الاشتراكات ، ثم تقوم بالتربح منها على حساب الأشخاص دافعى الاشتراكات !