فوق خشبة المسرح يطل علينا هاملت أمير الدنمارك.. لكن الأمير الأسطورى الذى صنعه شكسبير يتخلى عن شكله الملكى وأجواء البلاط الملكى فى القرن السابع عشر... ليظهر لنا الآن كواحد من عالمنا وعصرنا الحالي.. يجتمع بداخله الحكمة والتردد، نرى فيه نموذجا للشخص الثائر وفى نفس الوقت الصبى الذى لم ينضج بعد وما بين الاثنين تساؤلات كثيرة يطرحها علينا العرض المسرحى الجديد الذى أعده وأخرجه المبدع مناضل عنتر فى أولى تجاربه المسرحية الدرامية بعيدا عن عالم الرقص المعاصر والذى عرفناه من خلاله كراقص ومصمم ومخرج.. يقدم هاملت على خشبة المسرح الكبير بمكتبة الإسكندرية ويعد واحدا من العروض المسرحية الفائزة بالمنحة الأولى لمكتبة الإسكندرية للمسرح والتى خصصت هذا العام لدعم الرؤى المسرحية التى تتناول نصوص شكسبير العالمية احتفاءً بمرور 400 سنة على وفاة الكاتب العالمي. تتناول المسرحية قصة هاملت، أمير الدنمارك الذى يظهر له شبح أبيه الملك فى ليلة ويطلب منه الانتقام لمقتله، وينجح هاملت فى الكشف عن قاتل والده وإدانة والدته فى نهاية الأمر، ويصاب هو نفسه بجرح قاتل من سيف مسموم جدا. يقدم لنا المخرج هاملت كمريض بالفصام ويتناوب كل من هاملت الشاب وهاملت الصبى الذى لا يتجاوز السادسة عشر عاما الأدوار ويتنقلون بين المشاهد طوال العرض ولا يجتمعان إلا فى مشهد مواجهة ينتهى بأن يتلازم الاثنان ويكمل كل منهما حوار الآخر. اعد عنتر رؤيته عن النص الأصلى لهاملت شكسبير وأشعار نجيب سرور المأخوذة من نص » افكار جنونية فى دفتر هاملت« ويجمع فيها بين الفصحى والعامية الوسطية.. وكتب عنتر بعض المشاهد موضحا رؤيته ومتمردا على تحليلات فرويد لشخصية هاملت ويربط على لسان هوراشيو الحكيم والصديق فى مونولوج تاريخى بين عالم المؤامرات والخيانة والجاسوسية فى الدنمارك ومثيله فى طيبة والعراق ودول العالم الحالي. فهاملت ليس غريبا عنا هو واحد منا لا نزال نراه حيا بيننا هنا وهناك. وبرغم تراجيديا القصة إلا أن مناضل عنتر حرص على تقديم بولونيوس والد حبيبته ومستشار الملك كشخصية كوميدية ساخرة تبدو فى كثير من الأحيان كالمهرج الذى يتفانى فى ارتداء قناع الضحك إلا انه فى نفس الوقت الجاسوس الذى يدير كافة أطراف اللعبة ويتحكم بها.. يخرج بولونيوس بعد مقتله على يد هاملت بالخطأ - حيث اختفى ليستمع لحديث هاملت مع أمه - متحدثا عن الموت ساخرا منه. فهنا يتوقف الزمن والشخصيات الأساسية ويفتح لنا مناضل لعبة مسرحية جديدة فى مشهد ذى دلالات قوية. وفى سينوغرافيا عمرو الاشرف الذى اعتمدت على الرمز واختزلت مشهد البلاط الملكى فى ستائر نمطية كلاسيكية يدور الحدث المسرحي. ومن خلال كاميرا حية تنقل لنا صورا مباشرة للعرض وقت حدوثه ولكن بزاوية مختلفة حيث نرى الشخصيات بمنظور مختلف. فقد حرص كل من مناضل عنتر وعمرو الأشرف على تأكيد فكرة اللعبة المسرحية المكشوفة وعلى الكشف عن أبعاد أخرى خفية للشخصيات التى أمامنا. اعتمد مناضل عنتر على اختزال الكثير من الحوارات والمونولوجات الطويلة والمشاهد المتعددة مستخدما التعبير الحركى والرقص المعاصر بما يتناسب مع الرؤية العصرية الجديدة لمسرحيته مثل مشاهد اللقاء بين هاملت وحبيبته اوفيليا ومشهد المسرحية التى تكشف عن جريمة القتل والتى يكشف بها هاملت عن القاتل الحقيقى لوالده. لا تنتهى المسرحية بالنهاية التقليدية وموت هاملت بالسيف غدرا أثناء المبارزة. بل يتركنا هاملت عبثا نتساءل عن آخر تلك المأساة ومرددا أشعار نجيب سرور ومعلنا لصديقه هوراشيو قبل انسحابه من الخشبة » هذه آخر يوميات دفترى هذا ».