تشير الجولة التى قام بها الرئيس الصينى شى جين بينج إلى كل من السعودية ومصر وإيران خلال الفترة من 19 إلى 23 يناير 2016، إلى أن ثمة إرهاصات لدور صينى متصاعد بالتفاعلات الداخلية والتطورات الإقليمية وخاصة بين القوى الرئيسية فى الشرق الأوسط، وهو نمط مغاير لما اعتادته بكين فى تحركاتها سواء تجاه المنطقة أو مناطق جغرافية أخرى وذات أهمية استراتيجية لبكين، من منظور المصالح الوطنية البحتة، وهو دعم الاستقرار الإقليمى ومواجهة التهديد الإرهابى وفى القلب منه الخطر الداعشي، الذى وصل إلى حدود متلاصقة لبكين، لاسيما بعد نجاح كوادره فى تجنيد عناصر صينية. فضلا عن قيام بكين بإطفاء الحرائق التى تنشب بين الدول، على نحو ما هو قائم بين السعودية وإيران، ومصر واثيوبيا، بخلاف الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، التى لاتزال تمثل المتغير المستقل فى كل تحركاتها الإقليمية والدولية. فالمدار الجديد للسياسة الصينية فى الإقليم سياسى بما يخدم البعد الاقتصادي، وليس بديلا عنه. من هذا المنطلق، تخصص صفحة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلين مكملين لرصد ملامح التغير فى الدور الصينى فى تفاعلات إقليم الشرق الأوسط، فى الفترة القليلة الماضية، من منظورين جزئى وكلي، إذ يشير د.أحمد قنديل خبير الشئون الأسيوية ومدير برنامج دراسات الطاقة بالمركز إلى أن ثمة مسارات خمسة هى التى تحدد مسار العلاقات بين القاهرةوبكين، وهى محورية دور مصر كأمة حضارية مفتاحية لتفاعلات الشرق الأوسط، وتسوية المشكلات التى قد تهدد المصالح المائية لمصر لاسيما خلافها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وتعزيز التعاون الثنائى والمتعدد الأطراف وتبادل المعلومات الاستخباراتية فيما يخص محاربة وملاحقة التنظيمات الإرهابية، وتعزيز التعاون فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، وتدعيم أطر التعاون الاقتصادى بين البنوك والشركات والهيئات فى الدولتين بما يرسخ انطلاقة جديدة لشراكة تكون نموذجا للتعاون بين قوة عالمية صاعدة كالصين ودولة إقليمية محورية كمصر، لكن ركائز المستقبل سوف تتعلق بالادوار المتصاعدة للدبلوماسية الشعبية التى تعد رافعة تطوير العلاقات الثنائية. ويرى أ.محمد عباس ناجى الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز ورئيس تحرير دورية «مختارات إيرانية» أن الانخراط السياسى للصين فى الشئون العالمية وفى أقاليم لم تكن تمثل اهتماما سياسيا صينيا فى العقود الماضية مثل منطقة الشرق الأوسط متزايد، دون أن يكون ذلك التدخل مزاحما لقوى دولية أخرى، مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وروسيا، لاسيما أن الأولوية لها الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وتأمين وارداتها النفطية وزيادة حجم تجارتها مع الدول العربية. وهنا، فإن الفصل بين الأبعاد السياسية والاقتصادية يعفى بكين من أعباء الانخراط المتزايد الذى قد تتحمله بكين، بل يجعل مصالحها موضع استهداف من أطراف عديدة. فضلا عن رؤية واضحة ومتماسكة بالنسبة للصين للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، نتيجة التفاعلات السائلة التى يشهدها الإقليم، والارتدادات العكسية للأزمات، وصعود الفواعل المسلحة العنيفة، وانتشار نمط الحروب الإقليمية بالوكالة، فالإقليم يواجه تحديات خطرة.