حل الرئيس الصينى “شى جين بينج” ضيفاً على مصر لأول مرة منذ أن تولى رئاسة الدولة فى مارس 2013 ومن قبلها بعدة أشهر الأمانة العامة للحزب الشيوعي. ويمثل الرئيس “شي” جيلاً جديداً من القيادات الصينية فى قمة السلطة الحزبية، حيث يتقلد حاليا المناصب الأسمى الأربعة فى الصين وهي: الأمين العام للحزب، رئيس اللجنة المركزية العسكرية للحزب، رئيس الجمهورية، رئيس اللجنة المركزية العسكرية للدولة، وقد يكون من المهم إلقاء بعض الضوء على شخصية الزعيم الصيني، خاصة وان تجربة الصين الفريدة وبروزها المتعاظم على الساحة العالمية جعل منها مصدراَ للإلهام وللقلق فى آن واحد، فالحاقدون على الصين والطامعون إلى مزيد من صداقتها، والمتخوفون من صعودها كل بدأ بالفعل فى الإعداد والتنفيذ لكيفية التعامل مع الجيل الخامس من القيادة الصينية، بكل ما يحمله هذا الجيل من صفات وخصائص قد تكون مختلفة كثيرا عن أجيال الأباء المؤسسين بداية من الزعيم المؤسس “ماو تسى تونج” مرورا برائد الانفتاح الاقتصادى دينج شياوبنج ومن بعده الرئيس جيانج زيمن. وقد مر الرئيس الصينى “شي” بمرحلة من الاعداد المبكرة، تمت طبقا لمفاهيم وتقاليد الحزب الشيوعي. وسيكون من الخطأ تصور اننا ازاء نوع مختلف كليا من القيادة الصينية فالاختلاف سيكون فى كيفية مواجهة التحديات الجديدة. فالرجل لديه خبرة متراكمة فى التعامل مع المشاكل الصينية الأصعب والأكثر إلحاحا ولكن من داخل عباءة الحزب، وفى مقدمتها الحفاظ على النسيج الاجتماعى لأكثر دول العالم سكانا والتى تضم نحو 58 عرقية مختلفة أو ما يعرف بتحقيق “المجتمع المتناغم” ذلك المفهوم الذى صاغه الرئيس هو جينتاو باعتباره الهدف الأسمى أو المشروع القومى للصين. وفى طريقه للقصر الرئاسى غرب ميدان السلام السماوى فى العاصمة بكين، كان على السيد شى أن يثبت قدرات إدارية وسياسية أكثر تحديا عندما أوكلت له مهام لوجستية وإدارية غاية فى التعقيد أثناء دورة بكين الاولمبية عام 2008 أدارها بكفاءة منقطعة النظير، واصبحت دورة بكين الاولمبية علامة فارقة ليس فقط فى تاريخ الالعاب الاولمبية بل فى تاريخ الصين الحديث. ومع تفاقم المشاكل الديمغرافية الخاصة بارتفاع عدد المسنين، وعدد الذكور عن الاناث فى سن الزواج بسبب سياسة الطفل الواحد التى تم تبنيها منذ عقد السبعينيات من القرن الماضى لم يكن الرئيس شى تنقصه الشجاعة لان يقوم بتعديل هذه القوانين ليسمح لأول مرة منذ عقود بأن تنجب الاسر الصينية أكثر من طفل. أما التحدى الأكبر الماثل أمام القيادة الصينية الحالية على الصعيد الخارجى فهو عملية إدارة التحول فى الصين من دولة نامية إلى قوة عظمي، ومن اقتصاد كبير الحجم كثانى أكبر اقتصاد فى العالم، إلى اقتصاد قوى من خلال رفع معدلات دخل الفرد، ومن أكبر مصدر للسلع والمنتجات رخيصة الثمن إلى منتج للسلع فائقة التكنولوجية صديقة البيئة. فهناك إدراك متزايد من الحكومة الصينية تحت قيادة “شي” بعدم جدوى الاستمرار فى الاعتماد الكبير على القطاع الخارجى من الصادرات والاستثمارات الأجنبية كقاطرة للنمو، حيث ألقت ازمة أسواق المال فى الصين والضغوط التى يتعرض لها اليوان الصينى حاليا بظلالها على تغير تركيبة الاقتصاد الصينى ومدى اندماجه فى الاقتصاد العالمي. فالدور المؤثر الذى تلعبه الصين حاليا داخل مؤسسات بريتون وودز كان من المستحيل تخيله قبل نحو عقدين من الزمان، بل إن تصور ان يكون اليوان الصينى أحد العملات الرئيسية فى صندوق النقد الدولى والتى يتم تحديد قيمة حقوق السحب الخاصة من خلالها ربما كان دربا من المستحيل. وأمام الجيل الخامس بقيادة “شي” معضلة استكمال كل أو جل أهداف التنمية والرخاء مع استيعاب المتطلبات الجديدة والمتصاعدة لأجيال نشأت فى بيئة مزدهرة تتطلع لمزيد من الانفتاح دون فقدان للخصائص الصينية الضاربة بجذورها فى أعماق حضارة تمتد لآلاف السنين، ودون الانفلات من النظام السياسى للحزب الواحد المرتبط به هذا الجيل عضويا وأيدلوجيا. فالصين الآن تتحمل عبء تقديم نموذج حضارى مختلف للتنمية والرخاء وطريقة الحكم بعيدا عن الأطروحات التى يقدمها منظرو المركزية الغربية وحتمية الحكم الديمقراطى على النمط الغربي. مستشار تجارى ومتخصص فى العلاقات الدولية لمزيد من مقالات فاضل يعقوب