في هذا العام، تحتفل مصر والصين بمرور 60 عاما علي بدء العلاقات بينهما، والتي بدأت عام 1956 بعد لقاء الزعيمين جمال عبدالناصر وشوإين لاي في باندوج عام 1955، ومن هنا تأتى أهمية كتاب «العلاقات المصرية الصينية» للدكتور السفير محمد نعمان جلال سفير مصر الأسبق في الصين، وعضو منتدي شنغهاي للدراسات الصينية وعضو مجلس إدارة مؤسسة كونفوشيوس الدولية. والكتاب يتناول العلاقات المصرية الصينية من خلال أحد عشر فصلا وتطورات هذه العلاقة بفضل زعيمين لكل منهما منطلقاته، فعبدالناصر ذو المنطلقات القومية العربية وتحرر العالم العربي وإفريقيا، وشوإين لاي الزعيم المتمرس في ثقافة الغرب وثقافة الصين والشرق والمؤمن بالفكر الشيوعي والعمل السياسي لبناء دول قوية تستعيد أمجادها، وقد قامت علاقات قوية حينا وتراجعت حينا آخر نتيجة محددات وطنية لدي الدولتين والتدخلات والتحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية ومن هنا تعد علاقات مصر والصين نموذجا لدراسات النجاح والفشل المتتاليين في كل من الدولتين بوجه خاص وفي السياسة الدولية بوجه عام. فقد كان اعتراف مصر بالصين الشعبية ضربة للسياسة الأمريكية التي كانت تفرض عليها حصارا محكما، بينما لعبت الصين دورا في إقناع الاتحاد السوفيتي في إتمام صفقة الأسلحة التشيكية التي كانت أيضا ضربة للسياسة الأمريكية التي منعت تزويد مصر بالسلاح. وازداد التأييد الصيني لمصر بعد عدوان 1956 عندما فرض الغرب حصارا علي شراء القطن المصري، فيعلن ماوتسي تونج استعداد الصين لشراء كل القطن المصري. وللمؤلف مجموعة من الملاحظات حول تطور العلاقات المصرية الصينية الأولي: إن مصر فتحت العالم العربي وأفريقيا للصين، وكان أي مسئول صيني كبير قبل أن يزور أية دولة أفريقية أو عربية، يزور مصر للتعرف علي وجهة نظرها، حتي أن رئيس الوزراء الصيني شوإين لاي زار مصر 3 مرات أعوام 1956 و1963 و1964، وبعد سياسة الإصلاح وتطور الصين والانفتاح علي الولاياتالمتحدة والغرب بوجه عام، تراجعت درجة الاهتمام بمصر لدي الصين وان ظلت قوية سياسيا. والثانية: أنه رغم تراجع العلاقات الاقتصادية، فمصر لم تعد الأولي، بل السادسة وأحيانا السابعة علي المستوي الإفريقي والعربي، وإن ظلت العلاقات السياسية جيدة، وحرص الرئيس الصيني ووزراء الخارجية علي زيارة مصر قبل أية زيارة للدول العربية أو الإفريقية، بينما زار مبارك الصين ثمانية مرات. والثالثة: بعد ثورة يناير لم يزر مصر رئيس الصين جين بينج ولا رئيس الوزراء لي كاشنج، رغم زيارتهما للعديد من الدول الإفريقية، ومن ثم يمكن رصد تراجع وتدني الاهتمام الصيني بعلاقات مصر. والرابعة: طبيعة السياسة الواقعية والأولويات لكل من مصر والصين في فترة الستينيات والسبعينيات، فظلت علاقة الدولتين طيبة سياسيا، ضعيفة اقتصاديا، جيدة ثقافيا حتي نهاية السبعينيات، ووقفت الصين مع مصر بعد معاهدة السلام مع اسرائيل. الخامسة: أن الصين في مرحلة الثورة الثقافية سحبت معظم، إن لم يكن كل سفرائها في الخارج، ما عدا سفيرها في القاهرة الذي ظل ولم يتم سحبه، وبعد انتهاء الثورة نقل للأمم المتحدة مندوبا دائما لها. السادسة: لم تتطور العلاقات بين الصين ومصر، وسارت ببطء بخلاف علاقاتها مع بعض الدول العربية والإفريقية، لسيطرة السياسة الواقعية علي الصين منذ 1978 بالتخطيط والانفتاح الاقتصادي، وأصبح أساس تطور علاقاتها مع أية دولة عبر الاقتصاد وليس السياسة، فتوقف عهد القروض المجانية والمعونات والمساعدات، وأصبحت الجدوي الاقتصادية، ليس بالنسبة لمصر ولكن لجميع دول العالم هي التي تحركها، كما أن اهتمام الصين بالحصول علي المواد الخام والبترولية، كان سببا رئيسيا في تطوير علاقاتها بالعديد من الدول الأفريقية.