تجري الآن في كل من القاهرةوبكين الترتيبات اللازمة للزيارة المرتقبة. التي سيقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الي الصين يومي 23 و24 ديسمبر الجاري. ويلتقي خلالها بالرئيس الصيني شي جين بينغ. وعدد من القيادات الصينية .. أهمية هذه الزيارة تكمن في أن القيادتين المصرية والصينية بحاجة الي اللقاء المباشر والحديث وجها لوجه .. فكل منهما قيادة حديثة في بلده .. يسعي لبناء علاقات تعاون وثيقة مع زعماء الدول الفاعلة علي الساحة الدولية لدعم مواقف بلده وخدمة مصالح شعبه .. وبالتالي فمن الممكن أن تسفر هذه الزيارة عن بناء تحالف استراتيجي حقيقي بين كل من مصر والصين .. إذا ما التقت الإرادة السياسية لدي الرجلين علي أهداف مشتركة. وتحقق بينهما علي المستوي الإنساني شعور بالتوافق والثقة المتبادلة .. *** نجاح هذه الزيارة يستلزم ايضا مراجعة الإتفاقيات الموقعة بين البلدين. لاسيما أن الصين تعد من أكثر دول العالم التي وقعت مع مصر اتفاقيات للتعاون المشترك في كافة المجالات .. - رغم ذلك ظلت الاستثمارات الصينية في مصر من أقل الاستثمارات الأجنبية. حيث لا تزيد قيمتها علي نصف مليار دولار فقط ..! - كما ظل العجز في ميزان التجارة بين البلدين يشكل رقما كبيرا في الجانب المصري .. فالصادرات المصرية الي الصين تشكل - واحد علي سبعة تقريبا - من الصادرات الصينية الي مصر .. آخر الأرقام المتاحة تقول إن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين بلغ في عام 2012 حوالي 9 مليارات و545 مليون دولار. منهم 8 مليارات و225 مليون دولار صادرات صينية الي مصر. ومليار و320 مليون دولار صادرات مصرية الي الصين .. في عام 2013 تجاوز حجم التجارة المتبادلة بين البلدين ال 10 مليارات دولار .. ومن المتوقع أن يصل الرقم بنهاية عام 2014 الي 11 مليار دولار - كما جاء علي لسان المفوض التجاري الصيني لدي مصر هان بينغ في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم 23 سبتمبر 2014 - .. قال أيضا : إن حجم الصادرات الصينية إلي مصر بلغ 8 مليارات و300 مليون دولار في عام 2013.. وأضاف : ¢نهدف إلي زيادة هذا الرقم بنهاية هذا العام لتكون مصر الشريك التجاري الأول في إفريقيا مع الصين خلال عام 2014¢ .. - لعله من المهم ونحن نقرأ هذه الأرقام. أن نتذكر أن مصر أرسلت الي الصين مبعوثا تجاريا في أوائل عام 1953. ليبحث فرص التجارة بين البلدين ويعرض علي الجانب الصيني استيراد القطن المصري .. وقد رحبت الصين بذلك. فبلغ حجم التجارة المتبادلة بين مصر والصين عام 1953 حوالي 11 مليون دولار. منها 10.4 مليون دولار صادرات مصرية إلي الصين. و600 ألف دولار فقط صادرات صينية إلي مصر..! *** لقد بادرت القيادة المصرية في ذلك الوقت باتخاذ هذه الخطوة. إدراكا منها بحجم السوق الصينية كأكبر سوق في العالم يمكنه شراء القطن المصري .. وكان ترحيب الصين بهذه الخطوة بمثابة رسالة من بكين الي القاهرة تقول : ¢إن أبواب الصين مفتوحة لمصر¢ .. فانفتحت أبواب العاصمتين كل للأخري علي مصراعيها .. ثم جاء بعد ذلك لقاء الزعيمين جمال عبد الناصر وشواين لاي في مؤتمر باندونج عام 1955 نقطة انطلاق لمرحلة تاريخية جديدة في العلاقات المصرية الصينية .. قامت علي أساس تلاقي مبادئ الثورتين المصرية "1952" والصينية "1949" ودعمهما لحق الشعوب في التحرر والاستقلال. ومبادئ مؤتمر باندونج التي تدعو الي الحياد الإيجابي وعدم الانحياز .. فوقفت مصر بقوة الي جانب الصين في المطالبة باستعادة مقعدها الشرعي في مجلس الأمن. ونددت بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي يعارض انضمام الصين الي الأممالمتحدة.. ثم خطت مصر خطوة أخري باتجاه الصين. عندما أصدرت الحكومتان المصرية والصينية بيانًا مشتركًا في 30 مايو عام 1956 يعلن عن قيام علاقات دبلوماسية كاملة علي مستوي السفراء بين الدولتين. فكان لذلك انعكاس كبير علي خريطة العلاقات الدولية. حيث كانت مصر هي أول دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين .. وبالنظر إلي مكانة مصر عربيًا وإفريقيًا وإسلاميًا .. فإن هذه الخطوة فتحت الباب أمام الدول العربية والإفريقية للاعتراف بالصين وإقامة علاقات دبلوماسية معها .. بذلك خرجت الصين من العزلة الدولية التي حاولت الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها الغربيون فرضها علي الصين .. لذلك عندما تعرضت مصر الي العدوان الثلاثي في أكتوبر من نفس العام. وفرضت الدول الغربية مقاطعة اقتصادية علي مصر وعلي شراء القطن المصري .. وقفت الصين بقوة الي جانب مصر. واتصل شواين لاي بعبد الناصر يطمئنه. وقال له عبارته المشهورة : ¢لو أطال كل صيني قميصه سنتيمترا واحدا لاحتاجت الصين أضعاف إنتاج مصر من القطن¢!.. وبالفعل اشترت الصين كميات كبيرة من القطن المصري في ذلك العام .. *** إن تاريخ العلاقات المصرية الصينية ملئ بالنقاط المضيئة منذ آلاف السنين .. والصداقة بين الشعبين تعود الي عهد ملكة مصر حتشبسوت. عندما أرسلت قافلة بحرية الي الصين لتستكشف ما الذي يجري في هذه المنطقة من العالم. وكيف يمكن التعامل مع أهلها .. فكان ذلك أول لقاء بين الحضارتين القديمتين المصرية والصينية .. - وفي التاريخ الحديث. كانت مصر هي أول دولة عربية تقيم تمثيلا دبلوماسيا مع الصين عام 1928. بعد أن منحت بريطانيا مصر استقلالا شكليا. كما ظلت مصر لعدة عقود هي الدولة العربية الوحيدة التي ترتبط بتمثيل دبلوماسي مع الصين .. وعندما تعرضت الأراضي الصينية للغزو الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية واحتل الجيش الياباني جزيرة ¢تايوان¢. أصدرت مصر إعلانا في الأول من ديسمبر عام 1943 يؤكد علي أن ¢تايوان¢ جزء لا يتجزأ من الصين ويطالب اليابان بالجلاء عنها .. - هذا الرصيد من العلاقات المتميزة علي المستويين الرسمي والشعبي يجب العمل علي استثماره الآن .. لاسيما أن الدولتين في حاجة الي بعضهما البعض. وتمثل كل منهما للأخري أهمية سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة .. - وأحسب أن الأولوية في محادثات القمة المصرية الصينية المرتقبة .. يجب أن تكون البحث في سبل التعاون بين الحكومتين. لإزالة المعوقات التي أدت الي عدم تفعيل عشرات الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين .. - لقد عاد من بكين مؤخرا خمسة وزراء مصريين. بعد مهمة عمل للإعداد للزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي الي الصين. هم وزراء الصناعة والتجارة. والكهرباء والطاقة. والاستثمار. والنقل. والتعاون الدولي .. كل ما أرجوه من الوزراء الخمسة بحث سبل إزالة هذه المعوقات. بدلا من التوقيع علي اتفاقيات جديدة توضع الي جانب الاتفاقيات السابقة في أدراج المسئولين ..! إزالة المعوقات - من وجهة نظري - هي أهم مسألة يجب بحثها بين الجانبين المصري والصيني خلال القمة المرتقبة. إذا كنا فعلا نريد التأسيس لمرحلة جديدة في العلاقات المصرية الصينية. تتحقق فيها الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين .. *** إذا نجحت القمة المصرية الصينية المرتقبة في إزالة المعوقات التي تعطل تنفيذ هذه الإتفاقيات .. تكون بذلك قد أسست لبداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية الصينية .. مرحلة تتحقق فيها الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين قولا وعملا ..