يجري الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة للصين؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على الصعيدين السياسى والاقتصادي، والعمل على زيادة الاستثمارات الصينية بمصر، ومن المنتظر أن يتم خلال الزيارة التوقيع على 25 اتفاقية للتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والنقل والكهرباء وغيرها من المجالات. كما ستشهد المباحثات تبادل وجهات النظر في عدد من القضايا الإقليمية والدولية والتي يأتي في مقدمتها مكافحة الإرهاب وضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي لمواجهته، وتطورات الأوضاع في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، وبحث سبل التعاون والتنسيق لمكافحة الفكر المتطرف والعمل على الحد من انتشاره. ومن المنتظر أن يتم خلال الزيارة عدة لقاءات مهمة مع رؤساء أكبر الشركات الاقتصادية الصينية متعددة الأنشطة تعمل في جميع المجالات السياحية والزراعية والتكنولوجيا والبنية التحتية والبترول والاتصالات. رغم أن العلاقات المصريةالصينية نشأتعلى أساس المبادئ، منذ عشرات السنين، إلا أن تبادل المصالح الاقتصادية والسياسية على أسس عادلة، صار ملمحا رئيسيا لهذه العلاقات فى الوقت الراهن. وفى ظل التغيرات المتتابعة فى البيئة السياسية والاقتصادية الدولية، كان من الضرورى للدول التى يجمعها منهج التعاون العادل والسلام والاندماج فى الاقتصاد الدولى على أسس عادلة ومتكافئة، أن تتجمع وتوثق تعاونها لصالح شعوبها، وهذا التعاون سيقوى موقفها ومكانتها فى الاقتصاد الدولى وفى أى مفاوضات بشأن السياسات الحاكمة للعلاقات الدولية. وفى هذا السياق، تأتى زيارة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى للصين، فى ظل توافق منهج وسياسات الدولتين والرئيسين بشأن القضايا السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية. «مصر والصين».. تاريخ بدأه عبد الناصر وتوج بالنجاح بدأت العلاقة مع الصين الحديثة مع ثورة يوليو 1952، وفى وقت كانت مصر تسعى فيه لإنهاء الاحتلال البريطانى وبدء النهضة الوطنية، وكانت الصين تخضع لحصار أمريكا ودول الغرب. وفى "باندوج" تحديدًا، كان اللقاء الأول بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وشواين لاى، رئيس وزراء الصين الأسبقعام 1955، عندما اعترفت مصر رسميا بالصين كان هذا بداية عهد جديد، كسرت فيه الصين الحصار، واستردت وضعها ومكانتها، لتبدأ بعد ذلك مسيرة الإصلاح الهائل، وكان ذلك الموقف أحد مبررات العدوان الاستعمارى الإجرامى على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل. وبدت مصر وكأنها سفير لجمهورية الصين الشعبية، تجمع لها الاعترافات المتتابعة من الدول الإفريقية والعربية التى ساعدتها على الاستقلال، بينما كانت مصر تنتكس بالانقلاب على ثورة يوليو والدخول فى مرحلة التراجع الكبير الذى فقدت فيه مكانتها وريادتها للعالم الثالث، وقبعت فى ظل التبعية منذ منتصف السبعينيات وحتى اندلعت الثورة وبدأ التصحيح. وصار ماوتسى تونج وشواين لاى ومن بعدهما دينج شياو بنج وغيرهم من الزعماء الصينيين رموزا لقيم التحرر الوطنى والتنمية والعدالة تحظى بأعلى قدر من الاحترام والتقدير فى مصر، كما أصبحت الأعمال الأدبية الصينية المترجمة للعربية جزءا من الثقافة العالمية المؤثرة فى الوجدان المصرى والعربى وبالذات أعمال لاوشه. وساندت الصين القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية، وكان لمواقفها المؤيدة تأثيرها الكبير في قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية، حتي من قبل أن تصبح واحدة من الدول الخمس الكبري التي تتمتع بحق الفيتو في المنظمة الدولية، وتضع ثقلها السياسي والدبلوماسي وراء المطالب العربية والإفريقية. ولم تتغير مواقفها طوال هذه السنوات، فكانت من أوائل الدول التي احترمت خيارات الشعب المصري بعد 30 يونيو، ورفضت أي تدخل أجنبي في شئون مصر. صعدت الصين إلي صدارة العالم اقتصاديا، وغزت منتجاتها كل الأسواق، وأصبحت من أهم الدول التي تجتذب الاستثمارات، وفي نفس الوقت، فإن شركاتها من أكبر المستثمرين، ولا يمكن تجاهل التعاون التجاري والاستثماري والاقتصادي معها. أساتذة علاقات دولية: تطور العلاقة المصرية الصينية بداية الاستغناء عن أمريكا وعن زيارة "السيسي" في الوقت الحالي للصين، يقول الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية، إن ظهور قوى عظمى إقليمية مثل الصين والاتحاد الأوروبي وغيرها، يفرض تحديات جديدة على السياسة الخارجية المصرية، وإقامة علاقات متوازنة، مشيرا إلى أن قوة مصر تكمن في قدرتها على الحفاظ على التوازنات الخارجية، واستغلال قوة العلاقات الصلبة التي أقامتها في محيطها العربي والإفريقي. وأضاف "اللاوندي" أن اهتمام مصر والصين بتطوير العلاقات بينهما متبادل، فمثلما تسعى مصر إلى علاقات جيدة مع الصين، ينعكس الوضع نفسه على الصين التى تهتم بالعلاقات الاستراتيجية مع مصر؛ وذلك لما لمصر من ثقل وأهمية في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، وهو ما يمنحها دورا إقليميا بارزا، متابعا أن مصر تحاول استبدال أمريكابالصين، خاصة أن الموقف الأمريكي تجاه مصر يثبت أنها لا تسير إلا وفق مصالحها الشخصية، في حين أن الصين لم تظهر أي انحيازات سياسية تجاه مصر خلال الفترات الأخيرة. من جانبه، أوضح الدكتور جمال وهب الله، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عين شمس، إن العالم يشهد حاليا عملية تحول في النظام والعلاقات الدولية، مضيفا أن تعاون مصر مع الصين في الوقت الحالي، أكبر دليل على ذلك الكلام. وتابع: «على الرغم من قوة الصين، إلا أنها لن تحل محل الولاياتالمتحدة لدى مصر، خاصة أن أمريكا تمتلك عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية، في حين أن الصين تمتلك فقط القوة العسكرية والاقتصادية، وتفقد تماما إلى الثقافة التعليمية بكافة أنواعها». واختتم "وهب الله" أن استغناء مصر عن أمريكا، لن يأتي فقط بعلاقات مصر مع الصين، بل يتطلب الكثير من العلاقات مع كافة البلدان ذى الطابع الاستراتيجي الإقليمي القوي والواضح.