الأبنة الحنون والأخت الرقيقة.. الحبيبة الشقية والأم الهانم

زهراء الفن.. عروس الرومانسية

وستبقي الفنانة الكبيرة نجلاء فتحي زهراء الفن وفي أعيننا هي عروس السينما.. هي من تملك بين يديها ريشة ألوان الرومانسية, في زمن غاب عنه كل الرومانسية.. هي بيننا تسطر بحروف من الرقة, والإحساس تاريخ موهبة,
لم يضن بها علينا الزمن, ولم نجد من بيننا من يحمل أقلامها مرة أخري, يحفر بها في القلوب, والعيون من يقول معنا ومعها اذكريني, ويناجيها إياك من رحلة النسيان, وتقول أيضا بكبرياء لا يامن كنت حبيبي.
ستبقي نجلاء فتحي تحمل قسمات الأمل, في فن تجاوز خطوط الإبداع أيضا إلي إحترام عقل ووجدان جمهور ينتظر طلتها الحلوة, وأناقتها المعتادة, وبراءتها المعهودة, وشخصيتها القوية.. وصوتها المتفرد.. هي إبنتك الحنونة, وأختك الرقيقة, وحبيبتك الشقية, وأمك الهانم, وجارتك التي تنتظر خطواتها, لترنو إليها في أدب, وإحترام.. هي نجلاء فتحي التي تقول الحق في الوقت الصعب دون حساب إلا لضميرها, وتصورها لما هو حق.. هي ربما تغير مواقفها, وقت أن تكتشف أن مادافعت عنه لم يكن الصواب, وأنه جاء وقت تصحيح رؤيتها.
كانت لها مواقف سياسية واضحة, فهي ساندت ثورة يناير, وفي30 يونيو كانت ممن خرجوا وقتها ضد حكم الإخوان, وفي كل الأحوال كانت تقول ما تقتنع به, حتي لوكان يختلف عما حولها. وبين كل هذا بقيت نجلاء فتحي واحدة من أبناء هذا الشعب, حتي بعد إبتعادها عن الفن, ولم تعتزل دورها في خدمة بلدها وأبنائها, فبدأت مشروعات خيرية, سعت بها إلي مجتمع أفضل, في وقت صبرت فيه علي كل الشدائد بما فيها مرضها, رضاء بقدر الله وتقربا إليه.. إنها نجلاء فتحي كما نعرفها!!
إن نجلاء فتحي, وإسمها الحقيقي فاطمة الزهراء حسين أحمد فتحي مواليد شهر ديسمبر1951 هي التي وصفها يوسف السباعي ب الربيع في فيلمها اذكريني, فهي التي قال لها محمود بطل الرواية وهو يكتب إهداءه لها أغار من كتابي أن أهديه إليك, أغار منه أن تعجبي به ولا تعجبي بي, وعزائي في إهدائي أنه بعض من نفسي ولو استطعت لأهديت لك كل نفسي.
ولم لا تكون كذلك, وهي من اكتشفها للفن العندليب عبدالحليم حافظ وكان معه المنتج والمؤلف عدلي المولد أثناء وجودها في الإسكندرية مع أسرتها.
شاهداها فأعجبا بجمالها الارستقراطي الهادئ ورأي فيها فنانة المستقبل, فرشحها عدلي المولد للمشاركة في فيلم الأصدقاء الثلاثة وهي في عمر ال15 عاما وكان الفيلم من تأليفه وإنتاجه وأخرجه أحمد ضياء الدين, وعرض عام.1966
نجلاء وعبد الحليم
وكان عبدالحليم حافظ هو الذي إختار لها اسم نجلاء فتحي بدلا من فاطمة الزهراء ورغم أن دورها في فيلم الأصدقاء الثلاثة لم يكن كبيرا لكنها أظهرت حضورا عاليا أمام الكاميرا وبشرت بموهبة فنية بارزة, من هنا بدأت مشوارها السينمائي, بعد اكتشاف حليم لها وبمساندته.
وفي حديث سابق له قال مدير التصوير السينمائي الراحل وحيد فريد: إنه كان موجودا ذات يوم في مكتب عبدالحليم حافظ وبرفقته صديقه المقرب مجدي العمروسي, والإعلامي مفيد فوزي, حيث دخلت إلي المكتب شابة رقيقة وجميلة وصغيرة السن وحديثة العهد بالعمل الفني تدعي فاطمة الزهراء, وأكد أنه بمجرد أن وقعت عيناه عليها أيقن أنه أمام نجمة شابة مكتملة الأركان, ولا ينقصها سوي الفرصة المناسبة, وهي الفرصة التي قدمها لها عبد الحليم حافظ الذي كان يبحث عن وجوه شابة في هذا الوقت, وقام بتغيير اسمها إلي نجلاء فتحي.
أما نجلاء فتحي, التي يعود أصلها إلي أبوين من محافظة الفيوم, ووالد مهندس تمت مصادرة امواله عقب ثورة يوليو فقد قالت في حوار لها مع الإعلامي مفيد فوزي إن عبدالحليم حافظ رفض أن تقوم بعملية تقويم لأسنانها بعد أن علم أنها ذهبت لأحد الأطباء المختصين لمعالجتها, لأنها ليست راضية عن شكلها, وقال لها لا أري أن شكل أسنانك يمثل عيبا في وجهك ولكنه ميزة, وكل وجه حباه الله بشكل مختلف عن الآخر, وهذه طبيعة الحياة.
وأكدت أن علاقتها بعبد الحليم حافظ في بدايتها الفنية أفادتها كثيرا, مدللة بموقف حدث معها أثناء تصوير فيلم الأصدقاء الثلاثة مع المخرج أحمد ضياء الدين باستوديو الجلاء, وكانت تحرص علي أن تلقي التحية علي الموجودين به كلما دخلت إليه, ولكنهم لم يهتموا بها باعتبار أنها ممثلة في بداية حياتها المهنية, إلي أن قام الفنان عبد الحليم حافظ بزيارتها ذات يوم في موقع التصوير للاطمئنان عليها, وقال للمخرج أحمد ضياء الدين حينها خد بالك منها, قائلة بعد هذا الموقف تساءل كل الحضور عني وعن السبب الذي دفع فنانا عظيما بحجم عبد الحليم حافظ أن يهتم بي ويفرغ نفسه لزيارتي في مكان العمل, وأصبح كل الموجودين بالاستوديو يحسنون معاملتي ويردوا علي التحية.
من وقتها خطفت نجلاء فتحي قلوب وعقول كل من يتعامل معها, وجاءت موهبتها, مع جمالها, ورقتها, وبراءتها لتستكمل حلقات وقوفها كبطلة من فيلمها الثاني, حيث لم يمض عام علي فيلمها الأول حتي قدمها المنتج رمسيس نجيب كبطلة سينمائية لفيلم أفراح مع المخرج أحمد بدرخان.
زهراء.. وروعة الحب
في عام1968 قامت ببطولة فيلم روعة الحب أمام الفنان الكبير يحيي شاهين مع المخرج محمود ذوالفقار والذي حقق نجاحا فنيا وجماهيريا جعل النقاد والجمهور يتوقعان لها مزيدا من النجومية.
وتحولت نجلاء فتحي فاطمة زهراء السينما المصرية إلي بطلة أمام كبار النجوم بعد فترة وجيزة من بدايتها, منهم رشدي أباظة في فيلم صراع المحترفين, وفريد شوقي في فيلم ابن الشيطان, وأحمد رمزي في فيلم غرام تلميذة, وصلاح ذو الفقار في فيلم امرأة زوجي, ونور الشريف في فيلم المرايا
وكما قال الناقد الفني أحمد الجندي في دراسة فنية له عن نجلاء فتحي أنها بدأت في أوائل السبعينات مرحلة مهمة في مشوارها مع اتجاه السينما المصرية للأفلام الملونة بدلا من أفلام الأبيض والأسود, وبدأتها بفيلم حب وكبرياء مع المخرج حسن الإمام, ثم أنف وثلاث عيون مع المخرج حسين كمال, وبعدها فيلم دمي ودموعي وابتسامتي مع المخرج حسين كمال, وهو الفيلم الذي عكست فيه مرحلة اكتمال نضجها الفني وقدرتها في التعبير عن أدق مشاعر المرأة وتغيرها ومعاناتها من هذه المشاعر وظروف المجتمع من حولها.
دويتو الرومانسية
وهي نفس المرحلة التي شهدت الدويتو الرومانسي الرائع بينها, وبين الفنان محمود ياسين
فكانت أفلامهما الشهيرة مثل اذكريني, أنف وثلاث عيون, وحب أحلي من حب, لا يا من كنت حبيبي وسنة أولي حب, رحلة النسيان.
وقدما معا أيضا إثنين من أشهر الأفلام التي قدمت إنتصار حرب اكتوبر وهما بدور والوفاء العظيم.
وغير محمود ياسين قدمت نجلاء فتحي أفلاما رومانسية أخري مع نجوم هذه الحقبة من بينهم حسين فهمي, نور الشريف, عزت العلايلي, ومصطفي فهمي منها أفلام, أختي مع المخرج الكبير هنري بركات وتمضي الأحزان, وأقوي من الأيام بالإضافة إلي أفلام أخري كوميدية وإجتماعية أثبتت فيها قدرتها علي أداء معظم الأدوار.
الزواج وياسمين
في تلك الفترة كانت نجلاء فتحي, قد تزوجت مرتين الأولي كانت من المهندس أحمد عبد القدوس ابن الكاتب الراحل إحسان عبدالقدوس وهي في عمر ال18 عاما, واستمر زواجهما عاما, لم تنجب خلاله, وبعدها كان الزواج الثاني الذي إستمر4 أعوام من المهندس سيف ابوالنجا الشقيق الأكبر للفنان خالد أبوالنجا وأنجبت منه ابنتها الوحيدة ياسمين.
وبسبب ياسمين, فكرت نجلاء فتحي مرة في الإنتحار حزنا علي إبنتها التي كانت قد أصيبت بثقب في القلب, وهي طفلة صغيرة, وعندما رأتها والدتها تقول لها ماذا تريدين, جاء رد نجلاء فتحي عليها أريد إبنتي وكان رد والدتها عليها أنا أيضا أريد إبنتي!
الشريدة.. وواقعية الثمانينات
وجاءت فترة الثمانينات لتلقي بظلالها علي السينما المصرية, وجاءت مع موجة الإنفتاح الاقتصادي في مصر التي أفرزت نوعية سلبية من أفلام المقاولات, لكن ظهر إلي جوارها مخرجو الواقعية الجديدة وعملت نجلاء معهم, ولم تسقط يوما في أفلام المقاولات, وحافظت علي مكانتها ومستواها الفنيين, فقدمت أفلاما مثل: حب لا يري الشمس, الشريدة, وداعا للعذاب, أنا في عينيه, الأقوياء, اعتداء, غدا سأنتقم, المجهول, عفوا ايها القانون, سعد اليتيم, لعدم كفاية الأدلة, امرأة مطلقة, أحلام هند وكاميليا, المرأة الحديدية.
ففي فيلمها عفوا أيها القانون قدمت نجلاء فتحي دور الدكتورة الجامعية هدي التي تقع في حب دكتور معقد نفسيا بسبب أزمة في طفولته, جعلته عاجزا جنسيا, وعندما يصح, تتعرض للخيانة علي يديه, وقدمت مشاهد صعبة في هذا الفيلم, أصبحت من علامات السينما المصرية, كان من بينها مشهد القتل.
وكان دور صباح الذي قدمته في فيلم سعد اليتيم الذي لعبته أمام الفنان أحمد زكي, رغم أنه كان مختلفا عن أدوارها السابقة, في كونه أقرب إلي الملحمة الشعبية, في عصر الفتوات, لكنها جعلت من رومانسيتها, أقرب إلي ملحمة أخري بأدائها.
وعندما قدمت دور كاميليا في فيلم أحلام هند وكاميليا
يعتبر هذا الدور من أجمل ما قدمت نجلاء فتحي في السينما المصرية, مع المخرج محمد خان فدور كاميليا التي تعمل في خدمة البيوت, كشف عن منطقة جديدة, في موهبة نجلاء فتحي في التعبير عن البسطاء وأحلامهم بصدق شديد دون تهويل أو تهوين في الأداء
وفي فيلم المرأة الحديدية قدمت نجلاء فتحي شخصية ماجدة البعيدة عن أدوارها السابقة ولعبت دورافلام الأكشن مثل أفلام هوليود وأجادته كما لم يتوقع أحد.
الجراج.. والأم البسيطة!
وفي التسعينيات لم تتخل نجلاء في أدوارها عن المجتمع, وحرصت علي أن تعبر عنه بشكل حاد وواضح وصريح دون مواربة, فقدمت أفلاما مهمة في السينما المصرية مثل سوبر ماركت, اللص, احذروا تلك المرأة, ديسكو ديسكو, الجراج.
واعتبر النقاد أن دور نعيمة في فيلمها الجراج من أعظم أدوارها, حيث جسدت دور الأم البسيطة, التي تعمل كل مافي وسعها بشرف لتوفر لهم لقمة العيش لكنها تضطر في النهاية إلي بيعهم ليعيشوا في حياة أفضل, بعد أن علمت بمرضها
أما فيلم سوبر ماركت وكان من إنتاجها وأخرج محمد خان, فهو من بين القائمة التي تضم أفضل مائة فيلم مصري, وقدمته عام1990 وبعده فيلم تحت الصفر وهو من الأفلام القليلة التي كتبها أسامة أنور عكاشة.
ورصدت مشكلات جيل الشباب والضياع مع المخدرات, بعد انعدام الهدف والقدوة خلال التسعينيات في فيلم ديسكو ديسكو. وبينما تولت نجلاء فتحي رئاسة لجنة التحكيم بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي عام1998 فقد قدمت في عام2000 فيلمين الأول هو كنشرتو درب سعادة, وهو دراما اجتماعية موسيقية استعرض في إطار رومانسي تغيرات المجتمع المصري عبر امرأة مصرية غابت عن مصر أكثر من20 عاما وعادت لتشهد تغيرات كبيرة أضرت بالمجتمع وأدت إلي تخلفه, أما الفيلم الثاني فكان بطل من الجنوب وقدمته مع المخرج محمد أبوسيف حول الحرب اللبنانية عبر معاناة أم مصرية يختفي ابنها في هذه الحرب, وكان هذا الفيلم هو آخر أفلامها علي شاشة السينما حيث آثرت الإبتعاد عن السينما والساحة الفنية, وهي في أوج نجوميتها وتألقها, وتوجهت للعمل الخيري, حيث قامت بالإشراف علي عدد من الجمعيات التي ترعي الأيتام.
ولاننسي أن نجلاء فتحي قدمت بعض المسلسلات مثل سماح والبنات الملاح, ومسلسل لست شيطانا ولا ملاكا, ومن اطلق هذه الرصاصة, والدنيا علي جناح يمامة, وعفريت الهانم بالإضافة إلي المسلسل الشهير ألف ليلة وليلة مع حسين فهمي
هكذ أصبحت نجلاء فتحي علامة من علامات السينما والفن المصري, العربي والعالمي, حصلت خلالها علي الكثير من الجوائز والتكريم, كان من بينها تكريم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام2003, وجائزة الموريكس الذهبية كأفضل نجمة عربية في لبنان, وجائزة أفضل ممثلة من مهرجانات الإسكندرية ودمشق وباريس وطشقند, وغيرها
قنديل.. عندما عاش مرتين
ومن هنا بدأت نجلاء فتحي مرحلة جديدة من حياتها مع زوجها الإعلامي حمدي قنديل, الذي يروي قصة زواجه منها عام1992, في مذكراته بعنوان عشت مرتين فيقول قنديل في مذكراته:
كان التليفزيون المغربي(2M) قد أوفد فريق تصوير لتغطية أخبار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام1991 وإجراء مقابلات مع عدد من الفنانين, كانت نجلاء فتحي من بينهم, ولما لم تكن مشاركة في المهرجان فقد طلب مني المخرج أن أسعي لترتيب موعد معها.
عندما حدثتها عن المقابلة وافقت ولكنها اعتذرت عن عدم إجرائها في المنزل لأنها كانت تعدل في ديكوراته, فاقترحت أن يجري الحديث في حديقة الفندق الذي يقام به المهرجان, ولكنها خرجت باقتراح آخر: ولماذا لا يكون ذلك في بيت شقيقتي في الدقي, وهو قريب منكم؟. وأضاف: في المساء جاءني اتصال تليفوني من اللواء محمد السكري وكيل اتحاد التنس, وكنت قد قابلته منذ سنوات في نادي اليخت, قال: ألا تعرف أن نجلاء فتحي شقيقة زوجتي؟, قلت إنها أول مرة أعرف فيها ذلك, فقال إنها أبلغته بمكالمتي, وإنه يدعوني لزيارته مع فريق التصوير في الغد لنتناول فنجان شاي قبل أن أعود للمغرب, وكان يظن أنني مقيم هناك, اعتذرت لارتباطات أخري, فدعاني للعشاء في الأسبوع التالي.
ذهبت إلي العشاء وأنا في غاية القلق خشية ألا أجد موضوعا مناسبا أحدثها فيه عندما نلتقي, لكننا عندما التقينا ذهب كل هذا القلق تماما.
البساطة عنوانها والتلقائية اسلوبها
ويقول حمدي قنديل: أول ما لاحظته بعد أن جلست أن الكل يناديها ب زهرة, وعندما سألت قالت إن اسمها الحقيقي هو فاطمة الزهراء, دهشت أنها بسيطة للغاية في ملبسها وتلقائية في حديثها, وعندما علمت منها أنها تعرف باريس جيدا انطلقنا نتحدث عن ذكرياتنا فيها, كما لو كنا قد زرنا كل شبر فيها معا. ما فاجأني حقا هو أنها لا تمت بصلة للصورة النمطية للنجمة السينمائية التي كانت في ذهني. وعندما أوشكت أن أغادر وعدتها أن أتصل بها حتي أحدثها عن انطباعي عن الفيلم بعد أن أشاهده ولكنني كنت قد قررت أن ألقاها مرة ثانية, وذهبت وأنا علي يقين أنها ليست شاطرة فقط, ولكنها ذكية ومرحة وذات شخصية قوية, وأنها ستضفي علي حياتي بهجة لم أعرفها منذ وصلت إلي القاهرة, وهكذا تكرر اللقاء عدة مرات حتي جاء الصيف فذهبت مع ابنتها الوحيدة ياسمين لتقضي أسبوعين في العجمي, وعندما علمت أنها صديقة لزوجة صديقي رجل الأعمال ممدوح مرسي الذي يقضي شهور الصيف في فيللته هناك, حجزت أنا الآخر غرفة في فندق بالإسكندرية, وواظبنا علي اللقاء كل يوم.
اكتشفت وقتها أن بيننا الكثير مما يجمعنا, كانت تصحو مبكرا, وكانت تحب السفر وتجيد لعب الطاولة, كما أنها كانت تنفر من حفلات وسهرات المجتمع, وكانت تتابع جيدا الشأن العام وتميل إلي نهج اليسار علي الرغم من أن عبدالناصر أمم أرض والدها حسين بك فتحي الذي كان من أعيان الفيوم.
طلبته للزواج!
ويؤكد قنديل في مذكراته أن نجلاء فتحي كانت هي المرأة التي تطلعت للارتباط بها, ويحكي: عندما عدنا إلي القاهرة في سيارتي كانت معنا ياسمين, وكانت في نحو الرابعة عشرة من عمرها, ولم أجد صعوبة في التفاهم معها, بل إنها راحت تداعبني ونحن في الطريق. وكان قد مضي علي عودتنا من الإسكندرية نحو أسبوعين عندما كلمتني في التليفون في الصباح, كنت قد اعتدت هذه المكالمة منها بعد أن تصحب ياسمين بنفسها إلي المدرسة, سألت: عملتي لفة في النادي النهارده؟, قالت: كتير, أكتر من اللازم, فلما سألت عن السبب قالت: لأني كنت بافكر في موضوع مهم, خير؟ فاجأتني: أنا هتجوزك النهارده! أخذت أردد دون أن أدري: عظيم عظيم, فباغتتني بسؤال عملي: إنت مش معاك بطاقة؟, قلت إنني لم أستخرج بطاقة شخصية بعد, فطلبت مني أن أذهب إلي منزلها في الخامسة بعد الظهر ومعي جواز السفر, موافق ولاحنرجع في كلامنا؟, قلت: موافق أكيد, ولكننا لابد أن نلتقي أولا لنبحث الترتيبات. ويستكمل قنديل: وأنا في الطريق إليها أخذت أقلب في الأمر, لا في أمر الزواج ولكن في أسلوب عرضه, وزاد إعجابي بها أنها علي هذا القدر من الصراحة, إذ كان المألوف هو أن يبادر الرجل بطلب الزواج, فلماذا لا يكون هذا من حق المرأة أيضا؟ ولكنها عندما فتحت لي الباب, كان سؤالي الأول: ولكن افترضي أنني ماطلت عندما عرضت علي الزواج, ألم تفكري ماذا سيكون عليه حالك عندئذ؟, قالت: فكرت جيدا.. أنت تعلم أننا لسنا في قصة غرام مشتعل, نحن بالغان ولنا تجارب زواج من قبل, وما بيننا هو إعجاب شديد, ولن أحزن كثيرا عليك إذا تنصلت لأنك لن تستأهل ثقتي في رجاحة عقلك ولن تكون الزوج المناسب لي.
هذه هي الرواية التي قدمها الإعلامي الكبير حمدي قنديل في إرتباطه بالفنانة نجلاء, والتي قدمت نموذجا مختلفا, في الإرتباط بين محبوبين, يحملان رجاحة العقل, ممزوجة بمشاعر ناضجة, أثقلها الزمان, وجعل من قصتيهما وردة حلوة في زمن الجفاء!!
وظهر هذا جليا في الأزمة الأخيرة التي واجهتها نجلاء الزوجة, المحبة في مرضها النادر الصدفية المستعصية, فهو لم يفارقها يوما من عام بأكمله, وهي تقول عنه في أخر ظهور صوتي لها علي قناة فضائية: أحمد الله أنه رزقني بزوج زي حمدي قنديل, اللي وقف معايا في محنتي, وأنا أعتبره في منزلة الأب والصديق والزوج والأخ. وقالت أنا وزوجي حمدي قنديل بعد عملنا سنوات طويلة حالتنا المادية ميسورة, ولا أحتاج سوي الدعاء, وأعربت عن شكرها للجميع, بما فيهم نقابة الممثلين لاهتمامها, وقالت رغم ابتعادي عن التمثيل منذ15 سنة لكن يبدو أنني في قلبهم مثلما هم في قلبي
نعم ستبقي الفنانة نجلاء فتحي في قلوب الجميع, هي تلك الإنسانة الرقيقة, الرومانسية, الحالمة, الفنانة المهمومة بقضايا الوطن.. وستبقي في قلوب أجيال وأجيال فتاة أحلام كل رجل يبحث عن زهرة وسط الصحراء, وعروس حانية بين عواصف الحياة, ليقدم لها حياته مهرا, لو أرادت وهو غير نادم علي تقديمها!

ابنة مصر الجديدة
عاشت نجلاء فتحي في حي مصر الجديدة بالقاهرة, واختار لها والدها اسم فاطمة الزهراء حيث جاءت الي الحياة ليلة المولد النبوي الشريف,
وهي صاحبة الترتيب الخامس بين9 إخوة,4 فتيات, و5 أولاد. وتلقت تعليمها بمدارس نوتردام وصادرت ثورة يوليو أملاك والدها, ورغم ذلك فقد عرفت طيلة عمرها بتأييدها لليسار. وبعد أن انفصل والدها عن والدتها وهي في الحادية عشرة من عمرها, لم تستطع أن تعيش مع والدها الذي انتقل للحياة بالفيوم, وآثرت العودة كي تتربي مع أمها.
عيشوا مبسوطين مفيش حاجة تستاهل الزعل!
في تسجيل لها بعد بداياتها الأولي تحدثت نجلاء فتحي عن الجمال والفن قالت: أستطيع لعب كل الشخصيات بشرط أن احبها, والمرأة تهتم بشكلها علي الشاشة, وكما قالت والدتي, المرآة حبيبة المرأة وعدوة العجوز, وكل ممثلة لها شخصيتها المحببة التي يمكن أن تقدمها بصدق, وأنا أصبحت ممثلة مجتهدة بعد ما حبيت والحب بيعمل شخصية.
واعتبرت نفسها محظوظة, أن يكون السبب الرئيسي لدخولها عالم الفن ومجال التمثيل هو جمالها وشكلها ولكنها أكدت أنها تعشق الفن, وتبحث دائما عن العوامل التي تصقل موهبتها ولم تكتف فقط بجمالها الظاهري.
وحول رأيها في الحب قالت نجلاء الحب حلو.
وبقيت نجلاء منذ بداياتها عاشقة للحياة وتقول في هذا: الحياة ممكن تكون حلوة لو عشناها بإحساس, كل حاجة في حياتنا نعملها بإحساس ونتقنها بجد حتي لو كانت رقصة, وتابعت عيشوا مبسوطين مفيش حاجة تستاهل الزعل.
وعن رأيها في زواج الفنانة في مرحلة مبكرة من حياتها قالت إنه من الممكن أن يكون ناجحا إذا كان عن حب حقيقي لأن الرجل لو كان يعشق المرأة سيتحمل أعباء عملها مهما كان نوعه.