أوصت التعاليم الكنسية بضرورة حفظ الأعياد، ويحتفل الأقباط بهذه الأعياد بإقامة الصلوات، والاحتفالات الكنسية، وترتبط الأعياد القبطية بالتقويم القبطي، وبالعديد من الموروثات الثقافية الشعبية، فتؤثر في سلوكيات وعادات الاحتفال بها، وعلى ذلك فقد كانت هناك علاقة تبادل بين الأعياد الدينية، والاحتفالات الشعبية، فأثرت وتأثرت كل منهما بالأخرى. وفى عيد الميلاد المجيد يكون الاحتفال الكنسى مساء ليلة العيد, وغالبا ما ينتهى مع الساعات الأولى من يوم العيد. وهو احتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح من السيدة مريم العذراء، وهو أحد الأعياد السيَّدية الكبرى، ويسبقه صوم الميلاد (مدته 43 يوما يبدأ من 16 هاتور الموافق 25/26 نوفمبر، وينتهى بالعيد 29 كيهك فى 7 يناير). وكان المسيحيون الأوائل يحتفلون بعيد القيامة أكثر من أى عيد آخر، لذلك لم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد قبل القرن الرابع ( التقويمان القبطى والإثيوبى نجيب بولس ). فى هذا العيد تُزين الكنائس وتكثر الإضاءة بها، وكان عيد الميلاد من المواسم المشهورة بمصر فى أيام الدولة الفاطمية، وكانت تباع فيه الشموع المُزيَّنة بالأصباغ والتماثيل، وكانوا يسمونها الفوانيس، وكان يقتنيها الشعب بمختلف طبقاته، بل كانوا يتنافسون فى المغالاة بأثمانها، حتى وصل ثمن الواحدة منها إلى ما يزيد على 70 مثال ذهب، ثم اختلَّت الأمور وكان من جملة ما أبطل من عادات الترف، عمل الفوانيس فى عيد الميلاد (كما جاء فى المقريزى)، وكانت الدولة تفرق فيه الحلاوة القاهرية، ومثارد السميد، والجلّاب والزلابية، والسمك البورى على أرباب الرسوم، ومن عادات عيد الميلاد أيضا اللعب بالمشاعل، وعمل العصيدة صباح يوم العيد بزعم أن من لا يفعلها ويأكل منها فى ذلك اليوم يشتد عليه البرد طوال السنة، كما ذكر «ابن الحاج» فى كتابه «مدخل الشرع الشريف على المذاهب» . وقد آمن المصريون القدماء بأن أوزوريس هو القوة التى تمدهم بالحياة وتعطيهم القوت فى هذه الدنيا، وأنه هو الأرض السوداء التى تخرج منها الحياة المخضرة، ورسموا سنابل القمح تنبت من جسده، ورمزوا للحياة المتجددة بشجرة خضراء. وكانوا يقيمون فى كل عام حفلا كبيرا ينصبون فيه شجرة يزرعونها ويزينونها بالحلى ويكسونها بالأوراق الخضراء كما نفعل اليوم بشجرة الميلاد. وقد سرت هذه العادة من الشرق إلى الغرب فأخذوا يحتفلون بالشجرة فى عيد الميلاد ويختارونها من الشجار التى تحتفظ بخضرتها طوال السنة كالسرو والسنوبر، مثلما ذكر «وليم نظير» فى كتابه «العادات المصرية بين الأمس واليوم». وقد أراد الفنان القبطى أن يجسم حدث الميلاد، فصورها وكانت أيقونة الميلاد، وهى إن تعددت أشكالها إلا أن محتوياتها واحدة، السيد المسيح طفلا فى مِذوَد، وحوله الحيوانات، وبجواره أمه العذراء مريم، ويوسف النجار، والملائكة تحيط بهما. وتستغرق احتفالية عيد الميلاد ثلاثة أيام تنتهى بيوم العيد، يمكن تلخيصها فما يلي: اليوم الأول: إعداد الصدقات والمخبوزات التى ستوزع عند المدافن والاستعداد للطلعة فى اليوم التالي. اليوم الثاني: الخروج فى الصباح الباكر إلى المدافن. الاستعداد للعيد بالمأكولات والملابس وغيرها. الذهاب إلى الكنيسة مساء لحضور صلاة العيد. الإفطار وتناول المأكولات الدسمة عند العودة من الكنيسة بعد منتصف الليل اليوم الثالث: الخروج إلى المنتزهات والملاهى وتبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء للتهنئة بالعيد. وعادة زيارة المقابر هى إحدى عادات وعلامات الوفاء والتكريم للأسلاف الراحلين، والتسمية الشائعة لهذه العادة هى «الطلعة»، وهى نفسها التسمية القديمة لكلمة «برت» المصرية القديمة، ومعناها بالعربية الطلعة أو الخروج إلى المقابر. وهكذا فقد ورث المصرى عن أجداده نفس العادات والتسميات ذاتها (كتاب «آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا اليومية» ل «محرم كمال». ولا شك أن العادات والسلوكيات القبطية المرتبطة بالموتى، بما لها من شيوع وانتشار فى الوقت الحالي، قد استغرقت مدة زمنية، وعملية كبيرة لإلباسها الثياب الدينية، وتدعيمها بالمبررات والأسانيد الكتابية بعد التخلص من مدلولاتها الوثنية القديمة. وبالرغم من استنكار ورفض رجال الكنيسة تلك الأفكار والعادات، إلا أنهم فشلوا فى تحجيمها، ولم يستجب الشعب لدعوتهم، وكان لاستمرار تلك المعتقدات والممارسات ما اقتضى الحفاظ عليها، مع إلباسها الرموز المسيحية بدلا من تلك الوثنية. ويعتقد الأقباط كغيرهم أن الطلعة ( طلوع الجبل) تمثل إحدى علامات الوفاء للموتى، خاصة فى مناسبات الأعياد التى فيها يتذكر الأحياء أحباءهم الذين رحلوا عن هذا العالم، ففى الأعياد يجتمع شمل الأسرة، ويحضر الغائبون والمغتربون، فإذا فقدت الأسرة أحد أعضائها فإن مجئ العيد يثير الخواطر والذكريات، وتكون زيارة القبور فى هذه الأعياد وكأنهم يعيدون فقيدهم، أو كأن فرحتهم بالعيد لن تكتمل إلا بوجود فقيدهم معهم، ولأنه لا يستطيع النزول إليهم، هم «يطلعون» إليه. وتعبأ السلال بكل ما هو جيد من فاكهة الموسم، أو تلك التى كان الفقيد يحبها لتوزيعها كصدقات على روحه، وفى صباح اليوم التالى يخرج أهل المتوفى وأقاربه يحملون على رؤوسهم السلال المكدسة ويسيرون فى جماعات إلى المدافن وتوزع الصدقات على الموجودين هناك، سواء الآتين لتعزية أهل المتوفى ومواساتهم، أو غيرهم. وعادة ما يكون الاستيقاظ متأخرا فى يوم العيد حيث قضى جزءا كبيرا من الليل فى الصلوات الكنسية والاحتفال بنهاية الصوم بالمأكولات الدسمة وغالبا ما يكون الإفطار فى صباح يوم العيد بسيطا، قوامه الرئيسى عادة الجبن والبيض واللبن، ثم يرتدون الملابس الجديدة التى أعدوها للعيد، وذهبوا بها إلى الكنيسة فى الليلة السابقة، وتظهر آثار الاحتفال بالعيد بالأكثر على الأطفال، والصبية الذين يقضون اليوم فى مجموعات فى اللعب وشراء الحلوى وزيارة الأهل وتلقى العيديات.