5 سنوات مرت على «ثورة الياسمين»، التى أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وكانت بداية انطلاق ثورات «الربيع العربي»، التى طالت العديد من الدول العربية فيما بعد،وتسارعت الأحداث طيلة هذه الفترة، بذل خلالها التونسيون الكثير من الجهد، واستهلكوا (6) حكومات و(3) رؤساء، فهل حققت تونس ما تريد؟ يعيش التونسيون على وقع الذكرى الخامسة لاندلاع ثورة فى 17 ديسمبر 2010، والتى أطاحت بعد أقل من شهر بنظام بن علي. ورغم أهمية هذا التاريخ فى حياة الشعب التونسي، إلا أننا نجد حالة من الإحباط تعم الشباب، خاصة مع تنامى الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، حيث غابت مظاهر الفرح سوى من قرار اتخذته المؤسسات التربوية والاقتصادية فى مدينة سيدى بوزيد مفجرة الثورة بالحصول على يوم عطلة احتفالا بالحدث. كما تشهد الساحة السياسية فى تونس، بعد 5 سنوات من الثورة، حالة من عدم الاستقرار، وذلك بعد الانقسام الحاد فى حزب «نداء تونس» الحاكم وحالة المد والجزر مع حليفه حركة النهضة، أما الأخطر هو الإرهاب الذى أصبح واقعا فى تونس، بعد أن كان بعيدا عن المشهد فترة حكم بن علي، وأصبح اليوم يضرب أهم الأجهزة الأمنية وسط العاصمة. فبعد أن أنجزت تونس ثورتها 2011، التى كانت ثورة قوية فى صراعها مع النظام الديكتاتورى السابق، بنهجها السلمى وتفوقها الأخلاقي، وبعدالة مطالبها فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقوية بقاعدتها الاجتماعية العريضة التى انخرطت فيها طبقات المجتمع وفئاته وأجياله كلها، وقوية بالتماسك الداخلى للقوى المشاركة فى صنع فصولها البطولية، ثم قوية بنفسها الثورى الطويل الذى لايكل ولايمل، ازدادت موجات العنف السياسي، واتخذ هذا العنف أشكالاً عديدة, وشهدت تونس أزمة سياسية وأمنية عصفت بالبلاد، بسبب الاغتيالات السياسية التى طالت أحد رموز المعارضة فى 2013، فتشكل الرباعي: (الاتحاد العام التونسى للشغل، الاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين)، الراعى للحوار الوطنى فى تونس، الذى فاز مؤخراً بجائزة نوبل للسلام للعام 2015. ولعبت هذه المنظمات الأربع دورا حاسما فى دفع الفرقاء السياسيين إلى تغليب مبدأ الحوار على مبدأ المغالبة، وتجنب الاحتقان والاندفاع نحو العنف والفوضي. وتقديراً لدقة وحساسية المرحلة التى كانت تمر فيها البلاد فى مرحلة الانتقال الديمقراطي، وسعياً للوصول إلى مرحلة المؤسسات الديمقراطية بما يحقق أهداف الثورة، وشعورا من كل الأطراف بضرورة تغليب المصلحة العليا للوطن، قدمت المنظمات الراعية للحوارالوطنى خريطة طريق جسدت إرادة الأطراف السياسية فى الخروج من الأزمة، ومثلت تفعيلاً لمبادرتها بعد أن عرضتها وناقشتها مع الأحزاب السياسية. وقد شكل الإصرار على صناعة دستور ديمقراطي، يلبى طموح الشعب التونسى فى تحقيق أهداف ثورته فى الحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، العامل الحاسم فى صيرورة التحول الديمقراطى نحو بناء الدولة الوطنية، والعامل الحاسم أيضا فى تحقيق سيادة الشعب. وتعانى تونس من ظواهر خطيرة باتت تشكل أمراضاً هيكلية للاقتصاد التونسي، ألا وهى ظاهرة البطالة التى تؤثر فى أكثر من 17% من عدد سكانها البالغ عددهم 11 مليون نسمة، واستفحال الأمراض الإدارية. وعلى الرغم من تعثر التجربة التونسية عدة مرات فى المرحلة الانتقالية، ومواجهتها بكثير من المشاكل سواء داخليا أو اقليميا، من رغبة عدة قوى فى عدم نجاح الانتقال الديمقراطى السلمى للسطلة، أو خوفا من انتشار المد الثورى للبلاد المجاورة أكثر من ذلك، وهو ما يجب تفهمه واستيعابه تماما لأنه أمر طبيعى أن تحدث مثل هذه الحالة عقب الثورات وسقوط الأنظمة الاستبدادية. إلا أن التجربة التونسية بخاصة فى تنظيم العلاقات المعقدة بين القوى السياسية بإحداث توافق يجمع الفاعلين السياسيين فى عملية الانتقال، هو ما يدفع تونس للأمام.