كثيرة هى المؤتمرات التى تهافتت عليها المؤسسات الدينية، وأكثر منها تلك التوصيات التى صدرت عنها وانتهت إليها، وأضيفت إلى غيرها من التوصيات التى راكمها الغبار، دون ان نرى تجديدا فى الخطاب الدينى ، أو مواجهة حقيقية وفاعلة للفكر المتطرف ودعاوى التكفير وفوضى الإفتاء فى أمور الدين. لكن المؤتمر العالمى لدار الإفتاء الذى دعا إلى توحيد الفتيا خالف ما اعتدنا عليه من المصير المحتوم للمؤتمرات الدينية، فإذا بفضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية يفاجئنا بتنفيذ أولى توصيات المؤتمر الذى عقدته دار الإفتاء المصرية فى شهر أغسطس الماضى برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بالدعوة إلى مؤتمر عالمي، بحضور 25 مفتيًا من مختلف أنحاء العالم، لمناقشة وإقرار اللائحة التنفيذية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، واتفق الحضور على تدشين أمانة عالمية للفتوى مقرها القاهرة، ومجلس أعلى مكون من الأعضاء المؤسِّسين، ، لتستعيد الدار من جديد ريادة مصر للأمتين العربية والإسلامية فى المرجعية الدينية من خلال دار الإفتاء المصرية. ويقول الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية رئيس المجلس الأعلى للإفتاء فى العالم، أن الأمانة العامة ستقوم بالتنسيق بين دُور الفتوى والهيئات الإفتائية العاملة فى مجال الإفتاء فى أنحاء العالم، لإنتاج عمل إفتائى علمى رصين، ومن ثَمَّ زيادة فعاليتها فى مجتمعاتها حتى يكون الإفتاء الى مصر عوامل التنمية والتحضر للإنسانية. وأوضح المفتى أن تلك الخطوة تُعد بمنزلة عودة للريادة الإفتائية لمصر، خاصة بعد ظهور كيانات سياسية تدَّعى مرجعية زائفة للفتوي، من شأنها التضليل والتدليس وتبرير أعمال العنف والتطرف، وإحداث حالة من الفوضى فى الفتاوى تنعكس على أمن المجتمعات واستقرارها. وحول آليات عمل الأمانة العالمية للفتوى واهدافها أوضح الدكتور شوقى علام، أن عضوية الأمانة العامة لدور الإفتاء تبدأ بعشرة من الأعضاء المؤسسين يتم اختيارهم بالتنسيق والتشاور مع كبار المفتين والعلماء فى العالم. وهى منظمة دولية متخصصة تقوم بالتنسيق بين الجهات العاملة فى مجال الإفتاء فى جميع أنحاء العالم. وسيتم من خلالها بناء استراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف فى الفتوي، وإنشاء النظم التكنولوجية المتطورة الذكية لإيداع الخبرات والانتفاع بها واستثمارها، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء لتطوير أدائها الإفتائى وتنمية أدوارها المجتمعية. كما سيتم م ن خلال الأمانة العامة للإفتاء تقديم العون للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية تساعد فى نشر الوسطية والاعتدال فى هذه الدول، ووضع معايير وضوابط لمهنة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى تمهيدًا لإصدار دستور للإفتاء يلتزم به المتصدرون للفتوى ودور الإفتاء الإقليمية وصولاً لمنهجية موحدة فى الفتوي، وكذلك بناء الكوادر الإفتائية وتأهيل وتدريب الشرعيين الراغبين فى القيام بمهام الإفتاء فى بلادهم من خلال تراكم الخبرات المتنوعة للدول الأعضاء. وأكد المفتى أنه من أهم ما تستهدفه الأمانة إنشاء أكاديمية عالمية للتدريب على الإفتاء وعلومه، وذلك للارتقاء بالدعاة والمفتين، وتبصيرهم بكيفية التعامل مع المستجدات المعاصرة بوعى وكفاءة. وذلك عبر عدد من البرامج التدريبية منها: تدريب القضاة على كيفية استيعاب مادتى أصول الفقه والفقه والمواريث، وتدريب الأقليات المسلمة فى الخارج على التعامل مع واقع هذه الدول، والحلول التى تقدمها الشريعة لكثير من مشكلات واقعهم، وتدريب الباحثين على البحث الشرعى ومهارات الفتوي، عقد برامج تثقيفية فى أحكام الفقه الإسلامي، وتدريب الراغبين من أئمة المساجد على صناعة الإفتاء لمساعدتهم على مواجهة أسئلة رواد المساجد. وترجمة أعمالها ومجهوداتها ونتاجها العلمى بلغات عدة لسهولة التواصل مع الآخر فى مختلف بلاد العالم سواء أكان من المسلمين أم من غير المسلمين لتصحيح بعض المفاهيم الإسلامية بصفة عامة، وقضايا الفتوى بصفة خاصة, كما ستنشئ الأمانة موقعًا إلكترونيًّا باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية كمرحلة أولي، للتواصل مع الجمهور الإسلامى فى كل أرجاء العالم؛ لنشر أعمال الهيئة، وما يصدر عنها من فتاوى وبحوث ودراسات فقهية وأخبار، بالإضافة إلى استقبال الفتاوى والقضايا ذات الصلة والرد عليها، وإرسال قوافل علمية إفتائية مشتركة للخارج تهدف إلى تبصير الناس فى ربوع المعمورة بهذا الدين الحنيف ويسره وسماحته، وأولى هذه القوافل ستتوجه لعدد من الدول الإفريقية التى تحتاج دعما شرعيا لمواجهة ظاهرة التطرّف. وحول انضمام أعضاء جدد إلى الأمانة أكد مفتى الجمهورية أن اللائحة قد أتاحت ذلك حيث نصَّت على أحقية كل دار أو هيئة إفتائية أو بحثية طلب الانضمام إلى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء، ويصدر قرار الانضمام من رئيس المجلس الأعلى للأمانة بعد موافقة أغلبية أعضائه، كما يحق للأقليات المسلمة أن تطلب الانضمام بعضو أو أكثر من الحاصلين على تأهيل علمى مناسب يقبله المجلس الأعلى للأمانة وفق ضوابط محددة. مرجعية لأوروبا وفى السياق ذاته أكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية أن ما يؤهل دار الإفتاء المصرية للقيام بهذا الدور العالمى هو انه وفى سابقة هى الأولى من نوعها تؤكد مدى قوة مصر الدولية ومكانتها، اعتمد البرلمان الأوروبى دار الإفتاء المصرية لتكون المرجعية الرسمية للبرلمان الأوروبى فيما يخص الفتوى وقضاياها .وأبدى استعداد دار الإفتاء المصرية للتعاون مع دول الاتحاد الأوروبى فى نقل هذه التجارب، وتقديم الدعم الشرعى اللازم، والتواصل مع الجاليات المسلمة فى أوروبا ودعمهم من الناحية الشرعية سواء فى جانب التدريب أو الإصدارات أو فى الفضاء الإلكتروني، مضيفًا: "نحن على أتم استعداد لمناقشة أى تعاون مثمر يصب فى مصلحة جميع الأطراف.